في الوقت الذي اتخذ فيه عبد القادر اعمارة قرارا قضى فيه برفض الترخيص مجددا لشركة جرف الموانئ “درابور” باستغلال رمال البحر من أربع مواقع بسواحل الجديدةوالقنيطرة والعرائش معتمدا في ذلك على مقتضيات القانون الجديد الخاص بالمقالع وعلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فوجئ الرأي العام القنيطري بإقدام عامل إقليمالقنيطرة على إعطاء الضوء الأخضر لشركة “درابور” من أجل مباشرة مسطرة البحث العمومي المتعلق بدراسة التأثير على البيئة تهم استخراج الرمال وتسويقها من موقع بحري يوجد بمصب نهر سبو بإقليمالقنيطرة. ويعتبر قرار العامل هذا تغيرا جذريا في موقفه السابق والرافض لإجراء أي بحث عمومي ما لم تتقدم الشركة بموافقة مبدئية من القطاعات الوزارية المعنية وهي قطاع التجهيز والنقل وقطاع الفلاحة والصيد البحري. بعض المتتبعين للشأن القنيطري يعتبرون أن إمعان العامل في رفضه لطلب الشركة بإجراء بحث عمومي لم يكن سوى ضرب من المساومة وأن موافقته أخيرا على طلبها قد تم بعد “لقاءات” متكررة جمعته مع مسؤولي هذه الشركة الذين تمكنوا في الأخير من “إقناعه” بطرقهم الخاصة. كيف ما كانت الدوافع وراء هذا التغيير المفاجئ في موقف العامل، فإن قراره الجديد لا يتماشى وموقف وزارته التي تسعى جاهدة منذ شهور لاسترجاع مكانتها المتميزة في قطاع تدبير شؤون المقالع بعد أن تم تهميشها بعد صدور القانون الجديد 27-13. ففي الوقت الذي تحاول فيها وزارة الداخلية إقناع الحكومة بضرورة احتفاظها بدور محوري في تدبير شؤون المقالع جاء قرار العامل ليضعف من موقف وزارته على اعتبار أن الوزارة الوصية على قطاع الجرف والتي هي وزارة التجهيز والنقل ترفض رفضا باتا الترخيص من جديد لشركة “درابور” من أجل جرف الاستغلال في أي موقع بحري. موقف العامل هذا سيضع وزارته في مأزق حقيقي لأنه يعتبر تطاولا على اختصاصات وزارة أخرى وسيعزز بالتالي الأطروحة التي تدعو إلى إبعاد وزارة الداخلية عن تدبير قطاع استراتيجي كقطاع المقالع. كما أن قراره سيكون بمثابة بدعة ستفتح المجال لعدد من المتربصين لإجراء دراسات على عقارات ليست في ملكهم ودون الحصول على موافقة الملاكين الأصليين. كما أن الملف المرفق للبحث العمومي الذي تم وضعه بمقر جماعتي مهدية والمناصرة تصرح فيه الشركة بصحيح العبارة بأنها أجرت دراسات على الموقع البحري الذي اختارته والذي تبلغ مساحته 1600هكتار (أكثر من مساحة إمارة موناكو) وأنها قامت باستكشافات ميدانية لتحديد كمية الاستغلال واخذ عينات من المواد المترسبة في قعر البحر لمعرفة خاصياتها. القيام بدراسة من هذا النوع يتطلب إمكانيات لوجيستيكية كبيرة وترخيصا من وزارة عبد القادر اعمارة ومن عمالة الإقليم؛ فهل سبق للعامل أن وافق على قيام هذه الشركة بدراسة الموقع البحري وهل تأكد من وجود موافقة وزارة التجهيز والنقل ضمن وثائق ملف الشركة. موقف الوزير اعمارة الوصي على قطاع الملك العام البحري وعلى قطاع الجرف وعلى قطاع المقالع واضح لا غبار عليه وسبق أن أكده في عدة مناسبات تحت قبة البرلمان. فقط ربط أي ترخيص جديد لجرف رمال البحر بتنفيذ مقتضيات القانون 27-13 الذي ينص على أن المخطط الجهوي للمقالع هو من يحدد المواقع القابلة للاستغلال والمواقع التي يمنع فيها الاستغلال. كما أنه سبق للوزير أن أكد في أكثر من مناسبة على أن الترخيص بجرف الاستغلال لن يتم إلا عند الضرورة الملحة وبعد استشارة قطاع الفلاحة والصيد البحري وأن عملية الترخيص ستخضع لمبدا المنافسة وطلب العروض. موقف الوزير اعمارة هذا لم يأتي من فراغ بل جاء تماشيا مع توصيات المجلس الأعلى للحسابات الذي رصد في تقريره الصادر في 10 يناير 2013 العديد من الخروقات ارتكبتها شركة “درابور” خلال المدة التي استغلت فيها أربع مواقع بحرية بكل من أزمور ومهدية والعرائش وأوصى بضرورة السهر على تطبيق مبدأ المنافسة في منح تراخيص تجريف الرمال وإرساء منظومة لتتبع ومراقبة أعمال التجريف. في الوقت الذي تستعد فيه جمعيات وازنة تهتم بالبيئة وحماية المال العام لتقديم اعتراضاتها على اعتبار أن جرف الاستغلال هو وجه من وجوه اقتصاد الريع وهدر ونهب للمال العام وتحقير لمبدأ المنافسة الشريفة واحتكار لملك عمومي وتخريب للمجال البيئي، يظل موقف العامل موقفا ناشزا وخارج عن السياق العام حيث ستكون له بالتأكيد تداعيات كبيرة في المستقبل القريب.