نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا، كشفت من خلاله عن سعي دولة الإمارات لبناء شبكة تجسس ضخمة في الخليج، وذلك عبر التعاقد مع موظفين سابقين في أجهزة استخبارات أجنبية، وإغرائهم بالمال للقدوم إلى أبو ظبي، وجعل خبراتهم تحت تصرفها. وقالت المجلة، في تقريرها، إن مجموعة من المدربين الغربيين يوجدون حاليا في فيلا عصرية، تقع قرب ميناء زايد في شمال شرق أبو ظبي، حيث يعملون على تدريب ثلة من الإماراتيين على أساليب التجسس الحديثة. ويبدأ اليوم العادي في هذه الفيلا بالأساسيات، حيث يتم عقد اجتماع في صباح يوم الأحد على الساعة العاشرة صباحا، تحت عنوان "ما هي الاستخبارات". وفي يوم الثلاثاء يتعلم المتدربون كيفية القيام بمهام المراقبة والتقفي، ضمن فرق تتألف من أربعة أو ستة عناصر. وأضافت المجلة أنه خلال الأسبوع الأول من هذا البرنامج، يقوم المتدربون بتأدية مهام صعبة، على غرار الخروج بمفردهم للحصول على مجموعة من الأغراض دون شرائها من المحلات، وذلك بهدف شحذ قدرتهم على التأقلم وحل المشكلات. وفي الأسبوع التالي، تصبح الأمور أكثر صعوبة، حيث يقع تدريب هؤلاء العناصر على اختلاق هويات مزيفة، يستخدمونها عند حضور الحفلات الهامة بحضور الدبلوماسيين. فضلا عن ذلك، يقع تدريب هؤلاء الإماراتيين على كيفية جمع المعلومات الاستخباراتية، في حين يشاهدون عينات حول كيفية تجنيد مصادر لجمع المعلومات في ليبيا. وأوردت المجلة أن هؤلاء المتدربين الإماراتيين، غالبا ما يتنقلون إلى موقع آخر، يبعد حوالي 30 دقيقة عن وسط مدينة أبو ظبي، يعرف "بالأكاديمية"، حيث تتوفر لهم مساحات للتدرب على إطلاق النار، ودروس في قيادة العربات. ويشبه هذا المكان لحد كبير موقع تدريب تابعا لوكالة الاستخبارات الأمريكية يعرف باسم "المزرعة"، يقع في منطقة "كامب نيري" في جنوب شرق فيرجينيا. والجدير بالذكر أن هذه التفاصيل حول عملية التدريب، وردت في كتيب دروس رسمي، تمكنت المجلة من الاطلاع عليه. كما تم كشف هذه المعلومات أيضا من قبل موظفين سابقين في الاستخبارات الأمريكية، كان لهم دور في تنظيم هذه العملية. وتأتي هذه العملية في إطار الجهود المحمومة التي تبذلها الإمارات، لخلق جهاز استخباراتي متطور شبيه بتلك التي توجد في الدول الغربية. وذكرت المجلة أن العديد من الموظفين السابقين في الاستخبارات والحكومة الأمريكية تم استقدامهم لتدريب مجموعة من الإماراتيين، بعد منحهم وعودا بالحصول على وظائف جيدة وتحقيق أرباح مالية ضخمة. وفي هذا السياق، صرح موظف سابق في هذا البرنامج، بأن "المبالغ التي كانوا يدفعونها جيدة للغاية، حيث كانت تصل إلى ألف دولار في اليوم، كما يمكنك أن تعيش في فيلا أو فندق من فئة خمس نجوم في أبو ظبي". وشددت المجلة أن العقل المدبر وراء هذه العملية، هو لاري سانشيز، موظف سابق في الاستخبارات الأمريكية. وقد تعرض سانشيز لانتقادات كبيرة، بعد إطلاقه برنامج مراقبة يستهدف المسلمين في المساجد والمكتبات في نيويورك، بدعوى التصدي للإرهاب. ويعمل سانشيز، المتقاعد من أحد الأجهزة السرية في وكالة الاستخبارات، لفائدة ولي عهد أبو ظبي منذ ست سنوات، من أجل بناء أجزاء كبيرة من جهاز التجسس، الذي تسعى الإمارات لإنشائه من الصفر. وأقرت المجلة بأن سانشيز ليس المسئول الأمني الغربي الوحيد المتورط مع الإمارات، حيث انتقل إريك برنس، مؤسس شركة "بلاك ووتر"، بدوره للإمارات لإنشاء كتيبة من العناصر الأجنبية لخدمة ولي العهد. وكانت وسائل إعلام أمريكية قد كشفت حقيقة هذا الأمر في سنة 2011. علاوة على ذلك، يعمل ريتشارد كلارك، المشرف السابق على سياسات مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، منذ فترة مستشارا لولي عهد أبو ظبي، بصفته الرئيس المدير العام لشركة "جود هاربر" لإدارة المخاطر الأمنية. واعتبرت المجلة أن استعانة الإمارات بعملاء أجانب لبناء أجهزتها الأمنية ليس أمرا جديدا، إلا أنها كانت في السابق حريصة على الحفاظ على سرية هذه المساعي. بناء على ذلك، تعد استعانتها في هذا البرنامج بموظفين سابقين في الاستخبارات الأمريكية تطورا غير مسبوق في إطار هذه المساعي. وذكرت المجلة أن لاري سانشيز نجح، أثناء عمله على برنامج مشترك بين "السي آي إي" وشرطة ولاية نيويورك، في التقرب من كبار المسؤولين في الإمارات، ومن بينهم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حاكم أبو ظبي. وقد أعرب سانشيز عن استعداده لتقديم خدماته ونقل خبراته لصالح الإماراتيين، والتزم بالعيش في أبو ظبي طوال الوقت، ليكون تحت تصرفهم. وأضافت المجلة أن سانشيز كان يتعرض لانتقادات كبيرة في نيويورك، وخضع للتحقيق بسبب ممارساته ودوره الغامض في برنامج مكافحة الإرهاب ومراقبة المسلمين. وقد خلص حينها التحقيق إلى أن التعاون بين الاستخبارات والشرطة المحلية يقوّض ثقة الرأي العام. ولكن بحلول الوقت الذي أنهيت فيه مهمة سانشيز في ولاية نيويورك، كان قد نجح فعلا في عقد اتفاق التدريب مع المسؤولين الإماراتيين. وفي الختام، أشارت المجلة إلى أن هؤلاء العملاء الأمريكيين، الذين ساهموا في بناء القدرات الاستخباراتية الإماراتية، مستعدون دائما لتقديم خدماتهم لمن يدفع لهم. وقد أشار مصدران مطلعان إلى وجود مساع جدية، لتأمين برنامج تدريب استخباراتي مماثل، لفائدة المملكة العربية السعودية.