يبدو أن المغرب قد يجد نفسه مضطرا لاتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات (الاضطرارية) على مستوى عدة قطاعات. أما موضوع هذه التدابير وأسبابها فتتعلق بالمنحى التصاعدي لفيروس (إيبولا ) في الدول الموبوءة وتداعياته على بقية الدول . ومعلوم أن انتشار هذا الوباء أساسا ببعض بلدان غرب إفريقيا, يعد من الظواهر التي تستلزم حتى من الدول غير المعنية مباشرة, التعامل معه بكل حذر ويقظة (لا تهويل ولا تهوين) . ومنذ أن أخذت وسائل الإعلام في الحديث عن تصاعد حالات الإصابة, وعن اكتشاف حالات انتقال الوباء الى بلدان أخرى, توجهت أنظار المواطنين لمعرفة ما سيكون عليه موقف السلطات والمصالح المغربية المعنية . وما هي الاجراءات الوقائية التي ستتخذها لصد الوباء وحماية المواطنات والمواطنين . على ان هذه السلطات , وخاصة الصحية منها , كان همها منصبا اساسا على تتبع المراقبة , والتاكيد على ان المغرب لم تسجل به اية اصابة بالمرض القاتل . وخلال تقديم (المخطط الوطني لليقظة والاستعداد) , قبل شهر تقريبا , جاء على لسان ممثل منظمة الصحة العالمية بالمغرب قوله : ((انه بالرغم من ان المغرب يبقى الى الآن خاليا من اي اصابة بالوباء , الا ان ذلك لا يعني أنه بمنأى عن دخول هذا الداء , خصوصا وانه بات البلد الوحيد الذي مايزال يحتفظ بالرحلات الجوية مع العديد من الدول التي تعرف انتشارا واسعا لهذا الوباء)) . بعد هذا التصريح الذي كان بمثابة تحذير وتنبيه, يتضح الآن ان المغرب مطالب بتدابير إجرائية تتجاوز مستوى المراقبة والتتبع , لأن تداعيات التطور التصاعدي للخطر، أصبح يحتم التحرك بسرعة, خصوصا مع امتداد هذه التداعيات التي تتجاوز المجال الصحي . وأمامنا أكثر من بيان ومعطى يؤكد ضرورة التحرك على اكثر من واجهة . وهنا نشير الى : أولا, إلى البيان او التوصية التي اصدرتها وزارة الصحة, والتي تدعو فيها السلطات العمومية الى المبادرة بتاجيل كل التظاهرات والتجمعات البشرية الكبرى التي يشارك فيها قادمون من الدول التي ظهر بها الوباء , بما فيها التظاهرات الرياضية ومنها ( كأس افريقيا للأمم ) المزمع تنظيمها خلال يناير وفبراير من السنة القادمة . وتدقق الوزارة بأن هذه التوصية تستند الى ( اللوائح الصحية الدولية ) وتوصيات منظمة الصحة العالمية في مجال تدبير الازمات الصحية , التي تدعو الدول الى ( اتخاذ كل القرارات السيادية المناسبة للوضعية الوبائية والاجراءات الكفيلة بحماية المواطنين ) . ثانيا, المعطيات التي تشير الى بداية التأثيرات السلبية لاتساع الوباء على قطاعات اخرى , كالمبادلات التجارية والسياحة . ومن ذلك ما اعلنت عنه نقابة وكالات الاسفار بباريس من الغاء ما بين 15 و50 بالمائة من الحجوزات السياحية نحو المغرب وتونس , وكذا ما تحدثت عنه بعض المواقع الفرنسية من تراجع نسب الحجز بحوالي 24 بالمائة , في الفترة الممتدة بين شهري اكتوبر الحالي ونونبر المقبل . ثالثا , المعلومات الصادرة عن الاممالمتحدة التي تتوقع ان يصاب 20 الف شخص بإيبولا مع نهاية السنة الجارية , اغلبهم في مثلث ( ليبيريا – سيراليون – غينيا ) , وايضا ما اورده تقرير للمنظمة الاممية , الصادر بتاريخ 8 اكتوبر الجاري , الذي سجل حصول 8011 اصابة بغرب افريقيا , منها 3857 حالة وفاة . مع هذه المعطيات المقلقة يتضح بان الموضوع دقيق, وبأن المغرب يوجد أمام تحد خطير ومتعدد الاوجه . ومن ثمة فالحكومة كحكومة وبكل المصالح المعنية, عليها أن لا تكتفي بتوزيع التطمينات على المواطنين, او بما تضمنه (المخطط الوطني لليقظة) الذي يتمحور بالأساس حول المراقبة في نقط العبور , واجراة توصيات منظمة الصحة العالمية , والمراقبة المستمرة للقادمين من البلدان الموبوءة . ذلك لأن أبعاد الموضوع لا يجوز الاستهانة بها او النظر اليها فقط من زاوية محدودة, ولأن تفاعلات المشكل قد تضع البلاد في موقف يفرض اتخاذ قرارات ذات طبيعة سياسية واقتصادية . وفي هذا السياق لنا ان نتساءل عن ماهية ( القرارات السيادية المناسبة) التي تتحدث عنها منظمة الصحة العالمية , سيما اذا استحضرنا دور المغرب وحضوره الافريقي . وحين الحديث عن (اليقظة) والمراقبة، هل يجوز حصر أمرها على مناطق العبور وعلى العاملين بهذه المرافق , ام ان اليقظة تستدعي ايضا حملة توعوية واسعة , ومشاركة المجتمع المدني ووسائل الاعلام , والتواصل مع المواطنين وتزويدهم بكل الحقائق والمعطيات . وعلى النطاق الدولي ايضا , مفروض ان تجتهد الجهات الرسمية المعنية لجعل مجهود المغرب في هذا المجال , يستفيذ من التدابير والقرارات التي اتخذت على صعيد الاممالمتحدة , وعلى مستوى المنطمات الدولية والجهوية الاخرى . وإذا عدنا الى بيان او توصية وزارة الصحة , فيمكن القول إنها تعني ان المغرب منخرط ( ولو عن بعد) في تدبير هذه الازمة الصحية , وان ذلك يفترض في أصحاب القرار الاستعداد للتعامل مع الموقف بكل ما يتطلبه من بعد النظر , ومن الحرص الدقيق على اتخاذ كل التدابير والمبادرات اللازمة لحماية المواطنين وضمان امنهم الصحي .