تؤكد مؤشرات عدة أن الموسم الدراسي الجديد 2014/2015، سيكون موسما ساخنا بامتياز حيث سينطلق على إيقاع احتجاجات الشغيلة التعليمية، ردا على السياسة الحكومكية في مجال التربية والتعليم والتي خلفت تذمرا كبيرا وسط نساء ورجال التعليم بسلكيه الابتدائي والثانوي. ولعل المؤشر الأول والذي يعتبر عاملا مباشرا في خضم المواجهة بين الحكومة والنقابات التعليمية، والتي لم تستثن حتى النقابة التابعة لحزب المصباح، هو الموقف الذي عبرت عنه الشغيلة التعليمية بشأن مشروع الحكومة ل " إصلاح انظمة التقاعد" والذي "تعتزم تمريره بأسرع وقت ممكن"، حيث حرصت النقابات التعليمية على رفض هذا المشروع باعتباره ضربا لكل المكتسبات التي حققتها الشغيلة التعليمية خلال نصف قرن بشكل قد يهدد السلم الاجتماعي باكمله. و" هو المشروع الذي ينطوي على تراجعات خطيرة تضرب في الصميم الأمن والاستقرار الاجتماعيين لأسر نساء ورجال التعليم، من قبيل الرفع من سن التقاعد ومن الاقتطاعات الشهرية المرصودة لحل الأزمة المفتعلة للصندوق المغربي للتقاعد مع تقليص وتقزيم القيمة المالية لأجرة المحالين على التقاعد، مع العلم أن هذه الحلول الترقيعية لن تساهم إلا في تمديد عمر هذه الأزمة دون حل المشكل بشكل نهائي". المؤشر الثاني يتعلق بتوالي السياسات الحكومية الهادفة إلى ضرب القدرة الشرائية للمواطنين من خلال كل الإجراءات والقرارات المشؤومة التي اتخذتها السنة الماضية بذريعة "إصلاح" صندوق المقاصة واعتماد نظام "المقايسة" الجزئي للتحكم في عجز الميزانية العامة والتقليص من الأعباء المالية المتزايدة للصندوق والمتمثلة في الزيادة في الأسعار والتراجع عن الحقوق والمكتسبات. المؤشر الثالث الموسم الدراسي للسنة الماضية الذي مر في ظل ما اعتبرته الشغيلة التعليمية والحركة النقابية والحقوقية موسما كان حافلا بالقرارات الحكومية الكارثية في مواجهة الحركة الاحتجاجية لرجال ونساء التعليم، والتي حاولت الحكومة من ورائها احتواء حالة الاحتقان والتذمر التي تفشت في أوساط الأسرة التعليمية، من قبيل" تجريم حق الاضراب واقتطاع أيامه والتضييق على الحريات النقابية وقمع كل الحركات الاحتجاجية وحرمان الشغيلة التعليمية من حقها الطبيعي في الترقية بالشهادات والمشاركة في المباريات وإحالة المضربين على المجالس التأديبية وتوقيف أجورهم وعدم صرفها رغم انصرام العطلة الصيفية، وضرب حق الشغيلة التعليمية في حركة انتقالية نزيهة وشفافة". المؤشر الرابع والمتمثل في الدعوات الجارية حاليا بين المجموعات الفيسبوكية لرجال التربية والتعليم الى جعل الموسم الدراسي المقبل موسم احتجاج بامتياز ضد سياسات الحكومة في مجال التربية والتعليم ، من أجل تنظيم وقفتين احتجاجيتين خلال الدخول المدرسي المقبل، في انتظار أن تتفاعل النقابات التعليمية مع هذه الدعوات الغاضبة. المؤشر الخامس والأهم هو الوضعية العامة لمنظومتنا التعليمية والتربوية، ونتائجها السلبية بل الكارثية خاصة ما تعلق بالمؤسسة التعليمية العمومية، حيث لم تتحرك الحكومة إلى حد الآن لتفعيل كل التوجيهات والإشارات الملكية التي تضمنها الخطاب الملكي ل 20 غشت 2013 ولم تقدم ولو إشارة واحدة على أنها تملك مقاربة واضحة لإصلاح منظومتنا التعليمية والتربوية، مع أن هذا الخطاب كان صريحا و عميقا ومشبعا بدلالات كبرى وهو يقوم بتشريح وضعية التعليم ببلادنا التي وصلت إلى مرحلة أصبح فيها " وضع التعليم أكثر سوءا " مما " دفع عددا كبيرا من الأسر رغم دخلها المحدود إلى تحمل التكاليف الباهظة، لتدريس أبنائها في المؤسسات التعليمية التابعة للبعثات الأجنبية أو في التعليم الخاص، لتفادي مشاكل التعليم العمومي، وتمكينهم من نظام تربوي ناجع". كل هذه المؤشرات وغيرها كثير تتكامل اليوم لتؤكد أن الموسم الدراسي الجديد قد لا يكون أفضل من سابقه بل قد يكون الأسوأ في ظل سياسة حكومية مبنية على الارتجال والترقيع والتسويف، وتعتمد على منطق الاستفراد بالقرار وإقصاء الحلفاء والشركاء وتغييب منهحية المقاربة التشاركية والتشاورية، لأهداف سياسوية معينة، لا تخدم المصلحة العامة للبلاد والعباد. سياسة أصر أصحابها من أصحاب " المرجعية الإسلامية"، وركوب لعبة العناد، والإصرار على فرض سياسة الهيمنة والتحكم، وتجاهل التراكم الكمي والكيفي الذي شهده مسار تعلمينا الوطني بإيجابياته وسلبياته وبنجاحاته وإخفاقاته، على مدار خمسة عقود، حيث من " غير المعقول أن تأتي كل حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما أنها لن تستطيع تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابها" إن خروج الشغيلة التعليمية مرة أخرى إلى رفع راية التحدي في وجه الحكومة، ردا على سياساتها الفاشلة، ما هو إلا دليل آخر على أن استمرار نفس النهج الحكومي في مقاربة ملفات وطنية ذات بعد استراتيجي ومستقبلي بمنطق تجزيئي وظرفي وترقيعي مبني عبر الانتظارية والتسويف والسطو على إنجازات الآخرين، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان من الإخفاقات والأزمات،، التي من شأنها عرقلة مؤسسات وطنية وازنة مثل "المجلس الأعلى للتربية والتكوين"، بسبب حسابات سياسوية ومزايدات حزبوية أوصلت منظومتنا التعليمية إلى هاته المتاهة التي لم نعرف كيف نخرج منها إلى حد الآن،خاصة بعدما أقدمت حكومة بنكيران على إيقاف العمل بالميثاق الوطني للتربية والتكوين دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين، وهو الذي تم اعتماده في إطار مقاربة وطنية تشاركية وفعلته الحكومة السابقة. وهو تكريس للمبدأ الذي تنهجه هذه الحكومة التي ترهن القضايا الحيوية للأمة في إطار الصراعات السياسية المحضة. فقطاع التعليم لا ينبغي إقحامه في" الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية " كما نبه إلى ذلك جلالة الملك.