من الصعب غض الطرف بخصوص الدخول المدرسي بالنسبة لآباء يسعون باستمرار للبحث عن مؤسسة للتعليم الأولي، تتكفل بأبنائهم، فالخيارات ضيقة، والانتظار طويل جدا. تدخل قوي وضربة حظ لبداية حياة بكاملها ! بالرجوع إلى حقيقة علمية جازمة، يتبين أن 90 في المائة من تطور العقل البشري يجري قبل السنة السادسة من عمر الأطفال، كما أن الكثافة المتشابكة للمعارف تعتمد بشكل كبير على سياق حياة الطفل. وأثبتت دراسات أخرى أن الاستثمار في تكوين الأطفال الصغار يكون ذا مردودية بنسبة ثمانية أضعاف من الاستثمار عندما يبلغون سن الرشد. في الولاياتالمتحدةالأمريكية كما، في فرنسا، تعتبر معدلات الإقبال على دور الحضانة شبه مطلقة، ما يفسر نمو هذه البلدان، فهذه المدارس تعد فضاءات لتألق الطفل، ومحطات حاسمة في تكوين شخصيته وإدراكه وتعلمه الاجتماعي. إذن، لماذا يظل التعليم الأولي مترددا وحكرا على القطاع الخاص، وأقلية اجتماعية محصورة، في حين، أن التجارب في هذا المجال أظهرت بأنه يمثل جسرا لا محيد عنه للنجاح والتفوق في باقي الأسلاك التعليمية، التي تأتي من بعده، وعاملا أساسيا للتقليص من الهدر المدرسي والرسوب، الذي يحدث، للأسف الشديد، كما نراه في السلك الابتدائي، رغم أن البرنامج الاستعجالي ساهم في إفراز نتائج إيجابية ومؤكدة على مستوى تعميم التمدرس؟ فمتى ستتحقق سياسة عمومية تدريجية وفاعلة بالنسبة لجميع المستويات؟ مرحلة التعليم الأولي الحلقة الأضعف في منظومتنا التربوية بالفعل، إن معظم السياسات المعتمدة منذ الاستقلال راهنت على تطوير التربية، انطلاقا من المرحلة الابتدائية، دون الأخذ بالاعتبار الأهمية البالغة لمؤسسات استقبال الأصغر سنا. وإلى يومنا هذا، فإن الأطفال، منذ مرحلة الولادة إلى غاية سن السابعة من عمرهم، خاصة في العالم القروي، يمثلون قوة نشطة، وسندا لمرحلة الشيخوخة، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنهم يمثلون ضغطا اقتصاديا. ولابد من الإشارة هنا إلى أن سنوات التسعينيات شهدت تقدما ملحوظا، عقب مختلف الدراسات المنجزة، خاصة من قبل البنك الدولي حول قضية تنمية الطفولة الصغيرة في العالم القروي، وأيضا، بعد توصيات منظمة اليونسكو، الداعية إلى ضمان التربية للجميع. ومن هذا المنطلق، أصبح التعليم الأولي ورشا أساسيا في المنظومة التربوية الوطنية، إذ شكلت 19 رافعة صلب ميثاق وطني، يقضي بتعميم مرحلة ما قبل التمدرس ذات جودة لفائدة الجميع، من الحضانة إلى السلك الابتدائي، بغية مواجهة الآثار السلبية لعواقب غياب مثل هذه المؤسسات الحيوية في مسار التعليم. وفي هذا السياق، ساهم هذا المشروع الطموح، خلال سنة 2008، في خلق مؤسسة التعليم ما قبل المدرسي، من أجل دعم أي عمل من شأنه تطوير هذا الجزء من المشهد التربوي. ويمكننا القول، اليوم، إن إرهاصات وأسس هذا الورش الحيوي متوفرة، لكن تجذرها يظل جنينيا. وهذا الجزء من المشهد التربوي يعاني استقطابا وخصاصا يصعب معهما إصلاحه على أرض الواقع، وإيجاد نقط للتقاطع بشأنه. ويبقى التعليم ما قبل المدرسي دائما خارج اهتمام الجميع، لكنه يمثل انشغالا لنخبة تفتقد كيفية توفير حظ لأطفالها، وضمان مكان لهم تحت الشمس، إنها ملاحظة مرة، تجد حتما تفسيرها في كون التربية ما قبل المدرسة تعتبر مفهوما جديدا. منظومة بيداغوجية جوفاء ومتعددة الأشكال تكرس الفوارق الاجتماعية هكذا، فإن تأهيل تعليم الفتيات في السنوات ال 15 الماضية، وانخفاض معدلات الخصوبة، ساهم في تغيير كبير في نسبة التعليم والتمدرس، وفي ظهور تمثيلية جديدة للطفل، التي لم تعد تقتصر على القيم التقليدية الجامدة، التي ترتكز عليها في كثير من الأحيان منظومتنا التربوية. وبالإضافة إلى المدرسة التقليدية، المدرسة القرآنية، التي تمثل فضاء لتناسل وتجدد القيم العتيقة التقليدية، والتي ما زالت تستقبل الغالبية العظمى من الأطفال، سيما في المناطق القروية، برز ما يسمى بالمدرسة الحديثة، من روض الأطفال، ودور الحضانة، المتمركزة أساسا في المناطق الحضرية وشبه الحضرية، حيث تظهر الفوارق الشاسعة، وحيث تعتمد ممارسات تربوية معاصرة، غالبا ما تستلهم من ثقافات ومجتمعات أخرى. من الصعب، إذن، تحديد محور التمدرس الأولي، حين تعتمد المناهج التربوية بحسب كل بنية. ونرى بلمح البصر، ووفق طرق تربوية غالبا ما تكون غير ملائمة ترتكز على الحفظ عن ظهر قلب، الامتثال و”البيداغوجية الاستبدادية”، التي تشكل حاجزا لمؤسسة مواطنة وعصرية. إن البنيات التربوية العصرية تشدد على تنمية إبداع الطفل، والتعبير عما يجول بخاطره، والاستقلالية بصفته كفرد. وأدرجت وسائل منبثقة عن بسيكولوجيا الطفل في البرامج، في سياق تكوين أفراد أحرار وواثقين، في علاقة لا يستهان بها لتشكيل مواطنين كاملي الحقوق. تعميم تعليم أولي ذي جودة أولوية أولويات الحكومة المقبلة إذن، ماذا ينبغي فعله؟ أولا، تكوين المدرسين، فهذا أمر ضروري لضمان تنمية القطاع. فمن المعروف أن التمثيلية، التي يمكن أن يكون عليها مربو الطفل، تحدد طبيعة الوضع التعليمي، وبالتالي، شخصية مواطن الغد، الذي يسعى المجتمع لإنتاجه، لذلك، ينبغي أن يواكب تكوين المدرسين إجراءات تنظيمية. تسريع وتيرة تنفيذ برنامج المؤسسة المغربية للتعليم الأولي، ما زال ينتظر التوجهات واتخاذ القرارات. وخلال مرحلته التجريبية، هذه الاخيرة مدعوة إلى خلق أزيد من ألفين و500 فصل، بشراكة مع الجماعات، بهدف إلحاق 62 ألف طفل بالتعليم الأولي، أي بارتفاع بنسبة 5 في المائة من نسبة التعليم الأولي بالمغرب. وعقب ذلك، وفي مرحلة التعميم، من 2013 إلى 2017، يرتقب بلوغ معدل 95 في المائة بالنسبة للتمدرس الأولي، من خلال 500 ألف طفل مسجل، وتطوير النظام في مختلف الدواوير والأحياء الجماعية. سوق يزخر بفرص الشغل وأخير، تشجيع الشباب على الاستثمار في هذا القطاع، مع دعم المؤسسة، وكذا الجماعات المحلية لمساعدتهم على التوفر على المقرات، وكذا المقاولات. ويزخر هذا السوق بفرص شغل وافرة، دون الحديث عن تحرير المرأة للعمل لضمان مدخولها، وتعزيز استقلاليتها المالية. يمكن القول، إذن، إنه، في مجال التربية، لا يمكن فعل أي شيء دون إشراك الجميع، وبالخصوص، المجتمع المدني، كل واحد من منطلق مسؤوليته الاجتماعية. ولا شيء يمكن أن ينجح إذا لم يحصل دمج هذه الإجراءات في سياق رؤية شمولية قطاعية، تأخذ في الاعتبار، خاصة، البنية التحتية للنقل. ويتحتم علينا رفع هذا التحدي، فالحكومة المقبلة، التي ستتمخض عن الانتخابات، ينبغي عليها أن تجعلها ضمن أولوياتها، وإلا ستتسع الهوة بين مختلف الفئات الاجتماعية، التي تلجأ إلى أنواع مختلفة من المؤسسات المتوفرة للتعليم، لتجعل إحراز التقدم في الإصلاحات الديمقراطية وهميا. إن اتساع الفوارق الاجتماعية والثقافية ليس مرادفا للتقدم في الوقت الراهن، لأنه، في نهاية المطاف، وعلى أساس تكافؤ الفرص، هناك تكافؤ في فرص الحصول على التعليم الجيد، بانسجام تام مع متطلبات العالم الحديث. محمد برادة أستاذ في جامعة الحسن الثاني- مركز لينك للأبحاث المغربية 05.09.2011