لقد فرضت التغيرات المناخية السلبية التي تقف من ورائها أنشطة الدول الكبرى تحديات عالمية و أصبحت كل الدول معنية أكثر مما مضى بضرورة تغيير سياساتها وامكانياتها المألوفة، واستنهاض قدراتها لمواجهة الكوارث الطبيعية والأزمات الناتجة عنها، و التي تجاوزت قدراتها على التحمل بالإمكانيات المعتادة، بل يجب العدول عن التوجهات الدولية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الارض، و تغيير دفاتر التحولات المرتبطة بالبرامج التنموية، و وضع في صلب اهتمام المسؤولين حياة الانسان و حجم أضرار الكوارث الطبيعية و آثارها وتداعياتها على الانسان عند بلورة السياسات العمومية الوطنية والترابية، انطلاقا من القدرة على التوقع ووضع العديد من الاحتياطات و تخصيص الامكانيات الضرورية و الخطط و الاستراتيجيات وتكوين العنصر البشري لتقديم المساعدات المرتبطة بحالة وقوع الكوارث الطبيعية المدمرة كالزلزال والفيضانات.. إلخ. ذلك أن موضوع الحماية المدنية والدفاع المدني، أصبح يفرض نفسه بحدة على الدول، ذلك أن الموضوع يحظى في المغرب بعناية و توجيهات جلالة الملك حسب خطبه ورسائله السامية. ويجب التفكير في إحداث صندوق افريقي لمواجهة الكوارث الطبيعية، وصندوق آخر عربي لنفس الغرض. و بناء على التجارب والممارسات الواقعية في مجال تدبير المخاطر التي راكمها المغرب عبر المحطات التاريخية، يجب تقنين قنوات وآليات للتشاور والتنسيق على المستوى الوطني، و توسيع المقاربة لتشمل القارة الافريقية والعالم العربي، بحثا عن التكامل والالتقائية والانسجام في منهجية العمل بالتدابير الوقائية والإستعجالية وتوفير الإمكانيات التضامنية الكافية لمواجهة الكوارث الطبيعية و تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية الآنية والمستقبلية. وتأتي المبادرة الملكية القاضية بإحداث صندوق وطني ورقم الحساب 126 لمواجهة الاضرار الناتجة عن زلزال الحوز ، كخطوة جد مهمة لتسهيل جمع التبرعات سواء من طرف الدول او القطاع الخاص او المواطنين في الداخل او الخارج والذين ابانوا عن قدرتهم الهائلة على التضحية والتضامن متجاوزين المستوى المتوقع ، وضاربين المثل المغربي على المستوى الدولي في التضامن عند الشدائد ومتجاوزين كل الحدود لرفع الضرر والتمسك بالمبادئ الانسانية و الوطنية الصادقة التي انصهرت معها المكونات الوطنية لتعلي المغرب والمغاربة فوق كل اختلاف . ومن جهة أخرى يجب اقتسام الأدوار و المجهودات بين كل المتدخلين وفق بروتوكول تعاوني، ووضع دليل يحدد التدخلات في حالة الكوارث الطبيعية، بشكل مفصل، مع احداث آلية للتنسيق لمواجهتها وطنيا ودوليا. إن الوقوف على أهم المستجدات المرتبطة بمنظومة الحماية المدنية والدفاع المدني من خلال تقييم وضعيتها واستخلاص الدروس قصد تطويرها تفرض المضي قدما نحو بناء جيش مدني للتدخل السريع في حالة الكوارث و مساعدة الدول عند ضرورة التدخل. وتجدر الاشارة إلى أن إنشاء منصة الكترونية متكاملة لمؤسسات الحماية المدنية سيساعد على ضبط المعطيات ونقل البيانات وتسهيل الاجراءات المرتبطة بتسهيل مواجهة آثار الكوارث. إن زلزال الحوز المدمر أعطى رسائل قوية و مضمون موقظ للأوجاع التي لا تقدر الدول على تهدئتها ما لم تتوفر على منظومة علاج متطورة وترقى لمستوى التخفيف من آثارها . ويبقى التضامن المحور الحقيقي لمواجهة كل الكوارث والازمات التي تضع الشعوب والدول على المحك، ويعتبر الشعب المغربي من الشعوب الاكثر تضامنا والاكثر تضحية والاكثر انتماء لروح هويتهم رغم التفاوتات في المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وما حلت ازمة الا وتجند المغاربة بالتضحية ولتضامن. الدكتور أحمد درداري/رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات