من هم مبذرو المال العام الذين لا يتحدث عنهم الشعب ولا يحاسبهم أحد؟ حين يخرج ملك المغرب بخطاب يدعو الجزائر إلى مد يد الصلح والحوار الثنائي لحل مشكل الصحراء وما يعلق بجانبه من مشاكل اقتصادية واجتماعية بعيدا عن التدخلات الأجنبية بشكل أخوي، فالمتوقع لدي كمتابعة أن كلمة الملك وخروجه صوتا وصورة بما فيهما من قيمة رمزية اعتبارية كبيرة، لم تأت إلا كآخر مرحلة بعد أشواط من الدراسات والتوقعات والمفاوضات والمباحثات والعمل الدؤوب، من المفروض أنها جرت وراء الكواليس من طرف الديبلوماسية المغربية من وزارة واستعلامات خارجية برجالاتها التابعين للأحزاب والبرلمان والجمعيات والصحافة والثقافة، وبعد أن تكلل عملهم بالنجاح تأتي الكلمة الملكية ك"ختامه مسك" بوزنها وثقلها لتعلن هذا الصلح للشعبين المغربي والجزائري.
لنتفاجأ بأن الملك محمد السادس، وللمرة الألف، يخرج بخطابه هذا حتى يغطي على تكاسل وتخاذل وخمول وبطئ وبلادة وغباء كل هؤلاء، ويقوم هو بعملهم، ويدعو ودون أي سند يتكئ عليه، لا دراسة مستبقة لمدى استجابة الجزائر، أو توقعات من طرف من محللين لردة الفعل الجزائرية، ولا تحركات ديبلوماسية مسبقة.. إنما يخرج برمزيته ووزنه وثقله ويطالب الجزائر بشكل مباشر بالصلح، وتقعد الديبلوماسية المغربية أحزابها وجمعياتها وعملاؤها وصحافيوها الذين يغترفون أموال قارون من فلوس الشعب دون حساب، والذين يضخ لهم قانون المالية بشكل سنوي في صندوقهم الأسود ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من ملايير الدراهم، والذين يستغلون ملفات المغرب ووحدته الترابية للسفريات والفندقة والزندقة مع خليلاتهم ونفخ الأرصدة لضمان مستقبل أحفادهم إلى يوم الدين، ينتظرون الرد الجزائري ويسبون الجزائر لأنها لم ترد بشكل سريع أو إيجابي.
أوليس للجزائر الحق في أخذ وقتها ومناقشة وتحليل الخطاب الملكي الذي فاجأ الجميع، وفهم خلفياته وأبعاده والتشاور وأخذ وقت للرد، أو ليس من المفروض أن يتبع الخطاب إن لم يسبقه جهود جبارة للتواصل الحزبي البرلماني الحكومي الجمعوي الإعلامي الفني الشبابي مع أشقائنا الجزائريين لتنعيم وتلطيف العلاقات التي أزمتها عقود من سوء التدبير.. بدل ترك الملك لوحده ينتظر صدى طلبه!! أوليست المحاسبة والمعاقبة والإقالة مع السجن أضعف الإيمان في حق هؤلاء الديبلوماسيين؟ نفس الكسل الديبلوماسي ونفس الإتكال على الملك رأيناه فيما يمكن تسميته ب"خلاف المغرب مع بن سلمان"، خلاف اندلع حين قرر محمد السادس التعامل مع الأزمة الخليجية شهر يونيو 2017 حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر بمنطق السلم والحياد البناء فكان أول قائد يكسر الحصار على قطر ويقوم في الأسبوع الموالي بزيارة إلى الإمارات داعيا الدول الخليجية إلى "ضبط النفس." وزادت حدة خلاف حين امتنع محمد السادس عن مد النظام السعودي بحسابات الأمراء ورجال الأعمال الذين تم اعتقالهم في خضم انقلابات بن سلمان على محيطه الداخلي شهر نونبر 2017، مطالبا السعودية باحترام المساطر الدولية الجاري بها العمل.
وظلت الديبلوماسية المغربية قابعة في الركن لاتحرك ساكنا تنتظر الحل الملكي إلى أن كاد يأتي بانتشار صورة الملك محمد السادس إلى جانب سعد الحريري وبنسلمان، حيث شرع له الملك أبواب الإيليزي مقدما إياه للرئيس الفرنسي ماكرون.. ولم تشفع هذه الخدمة الملكية لنحظى بأصوات آل سعود بتنظيم المونديال فقد كانت العلاقات الأمريكية التي تحمي عرش بن سلمان مقابل المال أقوى من علاقته مع المغرب حليفه التاريخي الذي لم يبخل عليه بفيالق جيشه ومعلوماته الاستخباراتية في حروبه ضد المد الشيعي!.
واليوم وأزمة المغرب مع بنسلمان لازالت ممتدة، حيث زار هذا الأخير الجزائر وتخطى المغرب نحو موريتانيا، لازالت الديبلوماسية المغربية تتثاءب دون أن نسمع بلاغا واحدا من الخارجية يشرح هذه القفزة الخطيرة نحو جارين يدعمان انفصال الصحرا، في وقت لطالما كانت السعودية أشد الداعمين لوحدة المغرب الترابية. ثم أين وزارة الخارجية المغربية من زيارة الرئيس الحقيقي للجزائر قايد صالح للإمارات في يوم عيدها الوطني وجلوسه بالقرب من الأمير بنزايد، أين هي ردة الفعل، أليس كل تحرك ديبلوماسي يحتاج رد مباشر.. أم أن إغراقهم في أموال الشعب أنساهم أدوارهم في تقوية العلاقات مع الحلفاء والأعداء على حد السواء؟ أين هي الديبلوماسية المغربية في إسبانيا التي تبلع الملايين من صندوق لادجيد بدعوى إحداث جمعيات.. أشبه بتعاونيات زيت اللوز؟ أين هم المغاربة بالجامعات الإسبانية الذين يستطيعون المشاركة في المؤتمرات والمنتديات وشد الإسبان من يدهم التي تزعجهم وربط استقلال الصحرا باستقلال كتلونيا!؟ كيف يعقل أن لا يوجد في إسبانيا منبر إعلامي واحد يتحدث بصوت مصالح المغرب، عدا بعض المقالات المترجمة التي تنشر في منابر إسبانية مقابل 10 إلى 30 مليون سنتيم من فلوس الشعب كما نشر كريس كولمان ذات تسريبات. ولا جمعية قوية لها صدى لدى الرأي العام الإسباني، ولا مغربي استطاع اختراق دواليب السياسة الإسبانية، ولا لوبي مغربي حقيقي مؤثر، في وقت حققت البوليزاريو أشواطا هناك. رغم أننا نتشارك مع إسبانيا من المصالح ما لا يمكن إغفاله: 1 الهجرة والضغط الإسباني لتحويل المغرب إلى محطة حجز مهاجري جنوب الصحرا والضغط المغربي لإطلاق سراحهم للعبور. 2 الإرهاب الذي أصبح للمغرب من الطاقات الذهنية والبشرية ما تحتاجه أوروبا بأسرها لقطع دابر هجماته. 3 والصيد البحري، أوراق يمكن أن يلعبها المغرب لصالحه لو كان يملك عملاء ومحزبين وبرلمانيين يمارسون الديبلوماسية بحب للوطن ووحدته لا حبا في السفريات والفندقة والزندقة.. مصالح مشتركة يمكن أن تجعل إسبانيا أكبر حلفاء المغرب للدفاع عن وحدته الترابية في وقت أن إسبانيا من أكثر البلدان ذات الموقف المبهم.
ناهيك عن الملايير المهدورة في أمريكا: 1 باسم أداء الاشتراك بآلاف الدولارات في اللوبي الفلاني والجمعية العلانية: أطلانتيك كانسل، مروكن أمريكان سانتر، كرافت ميديا ديجيتل... ، فما فائدة هذه اللوبيات التي تبلع ملايير من فوسفاط المغاربة وما تأثير تقاريرها على البيت الأبيض لصالح المغرب بينما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يرسل لنا بعد سفيرا أمريكيا إلى المغرب بعد قرابة الثلاث سنوات على رئاسته.
2 باسم أداء ملايين للصحافي الفلاني ليلمع صورة الديمقراطية في المغرب على الناشنل إنتريست والفوربز ماڭازين والواشنطن بوست بينما تنشر في صفحات هواة الرأي دون أدنى تأثير يذكر، ولم نحظ بعد بزيارة رسمية لترامب إلى المغرب ولا استطاعت الديبلوماسية المغربية بالعة المال العام على تنظيم زيارة ملكية رسمية إلى واشنطن.
3 عن ملايين ادعوا دفعها للڭونكريس مان الفلاني أو لموظفة الأممالمتحدة الفلانية علما أن هذا في أمريكا لا يعتبر ارتشاء إنما مقنن ويمكن الإطلاع عليه في موقع "فورين لوبيين"، فكيف كان لهؤلاء تأثير إيجابي على ملف الصحرا غير الحفاظ على سياسة الوجهين الأمريكية، وجه الكونڭريس مع المغرب ووجه الخارجية الأمريكية ضده.
4 عن ملايين لإنشاء منبر إعلامي فاقد المصدقاية ولا يقرأه إلا صاحبه. فمن يحاسب هؤلاء المخبرين عملاء أمريكا مصالحها في إفريقيا والشرق والأوسط أكثر منه عملاء المغرب. ثلاثة من جيراننا الأشقاء: الجزائروموريتانيا وإسبانيا، واثنين من أهم الحلفاء: السعودية وأمريكا، تعرف أمامهم الديبلوماسية المغربية الخسران المبين بسبب اتكالهم على التحركات الملكية، بسبب كسلهم وفشلهم ونومهم في عسل أموال الشعب.
بسبب قلة التخطيط العقلاني الذي جعلهم يورطون الملك والشعب المغربي في الانضمام للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا دون دراسة مسبقة لمدى قدرة المغرب على إلغاء عملته واعتماد عملة إفريقية، قدرته على فتح حدوده للأفارقة دون قيد ولا شرط ومدى أهليته لاستقبالهم وإدماجهم، قدرته على إلغاء الضرائب على استثمارات بلدنا المجموعة ومدى ربحه أو خسرانه من هكذا إجراء، ما العمل فيما يخص اتفاقياتنا مع الاتحاد الأوروبي بشأن الفلاحة والصيد البحري وهل ستعمم على بلدان المجموعة... أشياء كانت تحتاج دراسة لأكثر من 6 سنوات قبل الإقدام عليها! لكن ما العمل أمام عملاء متسرعين متواكلين..هؤلاء هم مبذرو المال العام الذين يجب أن يقفوا أمام ممثلي الشعب في البرلمان ليسائلهم ويحاسبهم ويجرد أملاكهم وفنادقهم وحساباتهم البنكية ويسجنهم بتهمة خيانة الوطن.