ونحن نحيا في عصر عقول العصافير لم يتبادر إلى ذهننا يوما أننا سنستفيق على نبأ عصفورة تسرق العقول بثقافتها وذكاءها، طفلة في عمر الزهور استطاعت انتشال لقب بطلة تحدي القراءة العربي عن جدارة واستحقاق من خلال قراءتها لما يقارب مائتي كتاب خلال السنة الواحدة الشيء الذي جعلها تتفوق وتبهر المتابعين؛ قراءتها للكتب إنعكست على شخصيتها وأخلاقها وهذبت لسانها وهذا ماظهر جليا في المقابلات التي استضيفت فيها... حديثها الرزين وأفكارها المتسلسلة المتزنة خير دليل على أن القراءة "ذخيرة العقل" كما قالت "من تسلح بها ساد وغنم وانتصر ومن أغفلها هان وضعف و افتقر" وقد انتصرت مريم على الجهل المتفشي والتفاهة السائدة بلغتها العربية السليمة ومخزونها المعرفي الثري اللذان يتجاوزان سنها الصغير بسنوات عدة!
هذا النجاح الساحق الذي بلغته الصغيرة لم يكن عاديا أبدا ولا حتى صدفة بل كان نتيجة لجهد كبير وتخطيط محكم رسم من خلال أبواها مسار الطفلة المثقفة حيث صرح والدها أنهما كانا يتعمدان تقديم الكتاب لها كهدية عند كل مناسبة و كلما سنحت الفرصة.. الشيء الذي جعلها تتنقل بمستوى الدهشة من مرحلة إلى أخرى منذ نعومة أظافرها حتى صارت اليوم تتغنى بقصائد عنترة بن شداد وهي ذات الربيع التاسع...، مريم أمجون حدث السنة الأعظم وضوء صغير تسلل إلينا على حين غرة فاندلع الأمل في قلوبنا من جديد أن الغد حتما سيكون أفضل على يد العلم... مثال خير وجب أن يحتدى به، فما أحوجنا لجيل يشبه مريم يتسلح بالمعرفة و الثقافة ويواجه بها كل الأزمات المتربصة به.. حثوا أبناءكم على القراءة، فوحدها تتمكن من صناعة المستحيل: أساس قوي لن يهدم أبدا وتربة خصبة لن تبور أرضها... حثوا أبناءكم على القراءة، فالوحيدة هي القادرة على إنارة العقول و إخراج الأمة من ظلماتها... حثوهم عليها فأمر هي من الخالق أن إقرأ، حثوهم عليها ولن تخيبوا أبدا و لن يتسرب الندم إليكم.. يقول أمين معلوف :"إذا قرأت قراءة فعلية أربعين كتابا حقيقيا خلال عشرين عاما فبوسعك مواجهة العالم" كيف لا؟! و السلاح هي والجيش هي و كل الانتصارات... استحضرت للتو وأنا أكتب هذا النص شاعرة جميلة جدا أعشق حرفها العميق و حسها المرهف، إلتقيتها و قصائدها في أحد المهرجانات الشعرية و كنت فخورة جدا بالمشاركة إلى جانبها في فعاليات ذاك المحفل، وأنا التي لطالما سابقت الدقائق لأقرأ ما يجود به قلمها من شعر بلهفة و نهم شديدين... فدوى الزياني أميرة الشاعرات فوجئت و أنا أتابع حوارا تلفزيا لها رفقة المبدع ياسين عدنان صرحت من خلاله أنها توقفت عن الدراسة في السنة الرابعة ابتدائي تنفيذا لرغبة الأب المجتمع المحافظ...لكنها لم تتوقف بتاتا عن القراءة حيث سافرت بين دفتي الكتاب إلى عوالم مختلفة وأزمنة مختلفة وأشبعت فضولها المعرفي لتصير اليوم بعد تحدي وصمود ومقاومة شاعرة وازنة بفضل القراءة ورغبتها الجامحة...!! فطوق النجاة هي من عواصف النفس والعقل المميتة.. حثوا أبناءكم عن القراءة، ليصبحوا نور الأمة إن سادت العتمة مستقبلا وليصيروا حراسها إن حاول الجهل الولوج يوما خلسة. مريم كرودي/ بريس تطوان