(1)؛ الحب الأول حبُّكَ اللهََ فطري وأصلي، وسابق لحبك لدنياك؛ “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ” (الأعراف172).أي أن إيمانك وإقرارك بربوبية ربك في قولك: “بلى”، يدلان على حبك الأول وتوثيقه في “ميثاق الذر”. واستبدالك حب الدنيا بحب الله؛ غفلة منك وتيه وإعراض، وانتكاس لفطرتك ونقض ل”الميثاق”؛ “أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ” “. فحبك الأول؛ فطري وأصلي و”ميثاقي”، وأبدي إن حفظت العهد و”الميثاق”. وحبك الثاني؛ دنيوي فانٍ، تذروه رياح الهوى فوق رُبى العدم وبِطاح الوهم. كما أن استحضارك لحبك الأول، والتزامك ببنود “ميثاق الذر”، يجعلك في مأمن من كل بلاء، أو راضياً به مُحتسِباً، إذا نزل بك وحلَّ القضاء. إشراقات الحجر الصحي (2)؛ “الغنيمة الباردة” الحجر الصحي غنيمة باردة، و”نعم صومعة الرجل بيته”؛ (أبو الدرداء). الحجر الصحي؛ نقمة في طيها نعمة؛ “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم” (البقرة 216). “قد يُنعم الله بالبلوى وإن عَظُمت+++ويبتلي الله بعض القوم بالنِّعم” (أبو تمام). الحجر الصحي؛ بلاء يستوجب الصبر ونعمة تستوجب الشكر. الحجر الصحي؛ حمية للبدن وقيد للنفس وسراح للروح. الحجر الصحي؛ مكاشفة النفس، ومحاورة الذات، وتفكر واعتبار. الحجر الصحي؛ رفع حجاب النفس، ومخاطبة السر، ومجالسة الروح. الحجر الصحي؛ موسم للمحاسبة والتوبة والأوبة. وجلاء القلوب؛ الاستغفار. الحجر الصحي؛ سبيل إلى وصل الدنيا بالآخرة ورد الفرع إلى أصله. إشراقات الحجر الصحي (3)؛ الساعة الكبرى والصغرى الساعة ساعتان؛ كبرى وصغرى. فالكبرى؛ ساعة القيامة. والصغرى؛ ساعة احتضار العبد وخروج روحه. وبين الساعتين اشتراك لفظي وتقارب معنوي. والساعة الصغرى تُفضي إلى الكبرى خارج الزمن المعهود؛ أي أن الروح في برزخها، تعاين ببصيرتها الساعة الكبرى وقد أشرفت على القيام؛ “وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (النحل 77). وحياة الإنسان الدنيوية في وعي الروح البرزخية، ساعة من نهار، أو استراحة مسافر تحت ظل شجرة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَالي وَلَلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا “.(رواه الترمذي). وإذا ضيع العبد ساعة نهاره في دنياه الفانية، سيتجرَّع غُصص الألم والحسرة، بدءا من الاحتضار وبلوغ الروح التراقي والحلقوم، ثم النظر في قبره إلى مقعده المشؤوم، ولات حين مناص. إنها داهية الدواهي، ونائبة النوائب، بل هي الغاشية، والواقعة، والقارعة. فليبادر العبد إلى التوبة والإنابة؛ قال سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا” (التحريم 8). وليكثر من الطاعات وفعل الخيرات، حتى لا يصدق عليه قوله تعالى: “أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ” (الزمر 56). إشراقات الحجر الصحي (4)؛ ما أحلى وأنفع الصبر في السراء والضراء ذكر العلماء أن الإيمان نصفان؛ نصف صبر، ونصف شكر. فالسراء يستوجب الشكر، والضراء يستوجب الصبر. بل كلاهما يستلزم الصبر؛ إذ كيف يشكر من لا يصبر؟ أي لا يستطيع المسلم أن يشكر الله إذا لم يصبر على طاعته بفعل المأمورات واجتناب المنهيات. وهكذا فإن الصبر في السراء على الطاعات وفعل الخيرات، يعين العبد على الصبر في الضراء؛ قال لقمان عليه السلام مخاطبا إبنَهُ :” يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” (لقمان 17). فالصلاة والأمر بالمعروف والنهي المنكر، كلها من أعمال الشكر، التي من نتائجها وثمراتها؛ صبر العبد المسلم في الضراء. يستفاد إذن من هذه الآية الكريمة، أن الشكر المتمثل في العبادة والطاعات وفعل الخيرات لازم لكسب الصبر على العبادة والرضا بقضاء الله وقت الشدة والضراء. كما يمكن القول أن الأمر دور بينهما؛ فلا شكر دون صبر، ولا صبر دون شكر، إذ كل واحد منهما يستلزم الآخر. إشراقات الحجر الصحي (5)؛ العبد المسلم بين الحكم الشرعي والحكم الكوني إن العبد المسلم لا ينفك، في دنياه، مبتلى بحكمين؛ أحدهما شرعي ديني، والآخر كوني قدري. وامتثاله للحكمين من لوازم العبوديه، ومن مقتضيات العهد والميثاق؛ “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا (الأعراف 172). والحكم الديني يتعلق بالمأمورات والمنهيات شرعا. والحكم الكوني يتعلق بما يقضيه الله ويقدره على عبده من المصائب والنوائب والابتلاءات التي لا دخل له فيها، ولا يستطيع ردها أو دفعها. وكما أمر العبد بالصبر على القيام بما يقتضيه الحكم الشرعي، أُمِر أيضا بالصبر على نوازل الحكم الكوني؛ قال الله سبحانه: “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” (البقرة 156). إشراقات الحجر الصحي (6)؛ بين الحجر الصحي، والحجر الشرعي، والحجر النفسي الحجر الصحي؛ منع الإنسان من مغادرة البيت مخافة أن يصاب بمرض معدي. والحجر الشرعي؛ منع المسلم من التصرف في ماله لأسباب أهمها: عدم البلوغ، أو الجنون، أو السفه، أو مرض الموت. وفي كلا الحجرين تعاني النفس معاناة معينة بسبب التضييق على حريتها وإرادتها. وإذا لم يحجر عليها قد تهلك وتضيع مصالحها. ولولا أن الله رحم عباده بالوحي والعقل، لضلوا وهلكوا. والحجر الأول والثاني جبريان واضطراريان، بينما الحجر الثالث اختياري وتكليفي، ولهذا كان أشد على النفس وطأة وألما، من حيث أن النفس يشق عليها معاكسة هواها، ودفع شهواتها الضارة. ولا يمارس هذا الحجر الأخير ويصبر عليه، إلا ألوا العزم والإرادة والصدق من المؤمنين. فإذا استعصت عليك نفسك، وأبت أن تذعن لأوامر الله، فاحجر عليها حجرا صحيحا ومتينا، وامنعها من التصرف في أهوائها ورغباتها المذمومة، كما يحجر على السفيه إلى أن يستقيم حاله، ويثبت رشده. فإن تابت نفسك وأنابت، فالتمس من قاضي العقل فسخ عقد الحجر، ثم احذرها وراقبها، فقد تحن إلى طيشها وتعود إلى سالف عهدها؛ ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي” (يوسف 53).