تشيرإحصاءات منظمة الصحة العالمية المنشورة في موقعها على شبكة الإنترنيت بتاريخ 10/09/2007، بمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الانتحار أن ما يناهز:3000 شخص في العالم ينتحرون يوميا، وحسب إحصاءات هذه المنظمة أيضا، فإن ما يقارب: 450 مليون شخص من سكان العالم يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية، وأكثر من: 90 في المئة من حالات الانتحار سببها اضطرابات نفسية، وبالأخص مرض الاكتئاب، وتشير تلك الإحصاءات إلى أن معدلات الانتحار تقل بشكل واضح في المجتمعات الإسلامية بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى. منار التربية الإسلامية: ص50. ولقد فسر القرآن الكريم أحوال النفس البشرية بما يتصل بهامن الخواطروالهواجس من فرح و حزن، ووحشة وأنس، وقلقواضطراب وغير ذلك، مما سجله العلماء بعد طول معاناةودراسة وتأمل،وفى القرآن الكريم معلومات كثيرة وشاملة عنالنفس البشرية، لأن مهمتهالأولى هي التربية والتوجيه، فهوكتاب يخاطب النفس ويوجهها نحو الكمال النفسي والسلامة الروحية. قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طيبة" النحل 97 أي: من آمن بوعد الله، وصدق بثوابه، عاش حياة هنيئة مطمئنة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها السعادة، وقال الضحاك رحمه الله: من عمل عملا صالحا وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة، فحياته طيبة، وقال بعضهم: عَنَى أنه يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال. تفسيرالطبري: الآية السابقة. وقال تعالى: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى،وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا" طه 123 124. أي: من استقام على شرعي وما جاءت به رسلي من الحق والهدى، فإنه لا يضل في الدنيا، فيعيش مطمئنا مهتديا، ولا يشقى في الآخرة، لأنه من أهل الحسنى وزيادة، ومن أعرض عن ذكر الله وما جاءت به رسله، عاش حياة قاسية تعسة، وهذا من العقاب المعجل، وله يوم القيامة العذاب الأليم في دار الهوان والجحيم. وقال صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا". رواح البخاري في الأدب المفرد رقم300. ومعنى ذلك: أنه من أنعم الله عليه بالعافية في بدنه، والأمن في سربه، والكفاف في عيشه، فقد تحققت لديه مقومات السعادة في الدارين، وقد وجب عله الشكر، بصرف تكلك النعم المختلفة فيما يرضي الله عز وجل، ويشير الحديث أيضا: إلى أن الإنسان كلما تحققت له حاجاته المادية والوجدانية، كلما شعر بالاستقرار والاطمئنان النفسيين. وقال صلى الله عليه وسلم: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له". رواه مسلم. عجبا: فإن المؤمن في قضاء الله وقدره بين أمرين، فهو في الحالتين يعتبر نفسه على خير، وبين نعمة الدارين، فيشعر براحة نفسية، وطُمأنينة قلبية، تنشله مما هو فيه من الهم والضيق، فيشكر الله على ذلك، قال ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف: كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكرعليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبدا، فلا يقدر العبد على القيام بشكر النعم، وقالالشعبي رحمة الله عليه:الشكر نصف الإيمان، واليقين هو الإيمان كله. أسئلة في فهم الجذور، واستكناه الوجود والمصير. قال الدكتور عدنان الشريف: "هناكثلاثةأسئلةتطرحنفسهاعلىتفكير كلعاقل ...لماذاجئتإلىهذاالوجود؟ماوظيفتيومامعنىحياتيفيهذهالدنيا؟وكيفسيكونمصيريبعدالموت؟ ... وإذالميجدالإنسانجواباشافيالهذهالأسئلةفهوحتمامريضنفسيابصورة ظاهرة أو مستترة...." علمالنفسالقرآنيص 62. إن أغلب الأمراض النفسية سببها المعاناة الوجودية، التي تؤرق عقول الحائرين في فهم معاني الحياة والموت والمصير، بسبب افتقادهم لمرشد يرشدهم إلى الحق، ولا هادي للعقل البشري في سعيه الحثيث للإجابة عن هذه الأسئلة غير القرآن الكريم. لأن هناك من يعتقد أن الله تعالى خلقه دون غاية محددة، ومن غير قصد معين، فيعيش حياته مليئة بالتخبط والعشوائية والاضطراب، يلهثوراء الشهوات والملذات، معتقدافي ذلك أن السعادة الحقة هي في جمع المال واكتناز الدثور، وتحقيق حاجيات الجسد الفاني، ولا فرق بينه وبين المخلوقات الأخرى، وكلما اقترب من تحقيق ذلك، كلما أحس بالفراغ الداخلي يتسع، لا تملأه المادة الفانية الآنية، وإن الفناء هو أقصى ما يرعب الإنسان، ويتعسه، وكل من يعتقد أن حياة الإنسان منتهية بالعدم يكون عيشه هولا، وفزعا لا يطاق. قال تعالى: " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" المؤمنون115. وقال تعالى: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" الإسراء 70. والله عز وجل خلق هذا الإنسان من مادة وروح، ودعاه إلى تحقيق التوازن بينهما، فإذا كان الجسد المادي قد خلق من تراب أرضي، فغذاؤه أرضي كذلك، فيهو يتغذى بكل ما ينبت من التراب، ومآل هذا الجسد في النهاية إلى التراب. قال تعالى: "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ" طه55 وأما الروح فأصلها من السماء، من عند الله عز وجل، فهي تتغذى كذلك من السماء، من خلال وحي الله تعالى المنزل، ومآلها في النهاية إلى السماء، فيفتح لها فترقى، كما في السنة الصحيحة. وقال تعالى: "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" الحجر29. ومن أروع ما قيل في هذا المقام: يا خادم الجسم كم تفنى بخدمته؟* أتطلب الربح فيما فيه خسرانُ؟ أقبل على الروح واستكمل فضائلها * فإنك بالروح لا بالجسم إنسانُ. وقد خلق الله تعالى هذا الإنسان في هذا الحياة لأهداف سامية، ومقاصد جليلة، منأهمها: أ عبادة الله تعالى. قال تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"الذاريات 56. والعبادة هي الطاعة المطلقة، والعبادة تشعر بمعية الله عز وجل، فتسكن النفس، وتتخلص من الجزع والغم والقنوط، ويغمرها حسن الظن بالله واليقين بالفرج، فتصغر أمامها الأهوال، وتهون عليها المصائب. ب الاستخلافوالإعمار. قال تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة". البقرة 30. والاستخلافبشروطهيشعر صاحبه بالتكريم الإلهي لهذا الإنسان، فيحس المؤمن بشرف الوجود الإنساني، ورفعة مقام هذا الكائن، الذي انتخبه الله من بين الموجودات، وهيأه ليقوم بمهمة النيابة والوكالة، ليدرك سمو هذا التكليف، ويشعر برفعة ذاتية، مما يفضي به إلى استعظام دوره في الحياة، وينآى به عن اليأس والعبث، فيكسبه قدرة على التكيف مع الواقع، وحل مشكلاته، وامتلاك مهارات التفاعل الاجتماعي، والتحكم الانفعالي. وتتنمى هذه الصحة عند المؤمن: بتقوية صلته بخالقه، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، في السر والعلن، وتصحيح تصوره للوجود والمصير، وتوافقه مع نفسه ومع غيره، والصبر على الشدائد، واستعمال المرونة في مواجهة الواقع، انطلاقا من قول الله عز وجل:"...لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم" الحديد 23، وقوله تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" البقرة 216 في رحاب التربية الإسلامية: ص55 وما بعدها بتصرف. ج الابتلاء والاختبار. فالعلاقة التي تربط الإنسان بالحياة الدنيا في التصور الإسلامي، هي علاقة ابتلاء؛ أي: اختبار وامتحان، وهي تعني اختبار طاعة الإنسان لله - عز وجل - واتّباع تعاليمه في جميع شؤون الحياة، وهذا الابتلاء هو المظهر العملي لعلاقة العبودية بين الله تعالى والإنسان، وعمر الإنسان هو الزمن المقرر لهذا الابتلاء؛ كما قال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. الملك: 2.