خالد لمنوري :الرواية تقدم بصورة مفزعة الانسحاق التراجيدي للمرأة المغربية الصحراوية والمعاناة التي تعيشها وما تتعرض له من اغتصاب وظلم وما تعيشه من قهر وشقاء حقيقة لا يمكن إخفاؤها. "هل يمكننا تصنيف هذه الرواية ضمن أدب يصح لنا أن نطلق عليه اسم "الأدب السينمائي"؟ وهل يمكن لكاتب سيناريو أن يدخل عالم الرواية الأدبية بمؤلفه السينمائي؟ ولماذا لا تعرف روايته السينمائية طريقها للنشر إذا كانت له اهتمامات أدبية إلى جانب اهتماماته الفنية، فربما تجد موهبته في الرواية المكتوبة أنسب شكل لها". بهذه الكلمات يستهل المخرج السينمائي والكاتب المغربي عبد الله المصباحي مقدمة روايته "اغتصاب في مخيمات العار"، التي صدرت عن دار النجاح الجديدة بالدرالبيضاء سنة 1997، وتحولت إلى فيلم سينمائي سيعرض لأول مرة منتصف الشهر المقبل، مؤكدا أنه لا فرق بين السينمائي والروائي. وأوضح المصباحي في المقدمة ذاتها، التي عنونها ب "هل تسمحوا لي أن أكون أديبا سينمائيا" أن الأديب وهو يكتب، يبحث عن أسرار اللغة وكلماتها القيمة الزاخرة بالمعاني، بينما السينمائي أو كاتب السيناريو، روائي يحرر ويرسم شخصياته وحركاتها وحركة الوسط الذي تعيش فيه، ويهمه في ذلك تقنية وجمالية الصورة، التي ستنقل على الشاشة أكثر من الوصف باللغة، لكنه مثل الأديب مثقف متنوع الأداة، عميق الخبرة بحياة الناس في مجتمعه، وينهل من منابع الأدب في كتاباته، مشيرا إلى أن كتابة رواية سينمائية كسيناريو لفيلم، تعادل من ناحية المجهود كتابة رواية أدبية مخصصة للنشر في كتاب كنص أدبي. وفي السياق ذاته، يؤكد المصباحي في مقدمة عمله أنه لا يتوخى من خلال كلامه الدخول إلى قائمة الكتاب، قائلا "أنا لست مخرجا يتحول إلى كاتب، ولكن العكس هو الصحيح، لأنني بدأت بالكتابة للمقروء قبل المرئي"، موضحا أنه كتب للمسرح والإذاعة والصحافة إبان الخمسينيات من القرن الماضي، في المغرب، حيث لم يكن هناك لا سينما، ولا تلفزيون. يدخل نص الرواية، التي تقع في حوالي 290 صفحة من الحجم المتوسط، حسب المؤلف، ضمن الواقعية السياسية، إذا اعتبرناها إبداعا سينمائيا، أو الأدب السينمائي إذا اعتبرناها نصا روائيا، وباختصار شديد إن رواية "اغتصاب في مخيمات العار" تطرح وبكل قوة علاقة النص الإبداعي المرئي بالنص الإبداعي المكتوب، دون أن تتشابك التقنيات الروائية الأدبية، والتقنيات السينمائية الحديثة، بشكل يفقد أي منهما آلياته. تدور أحداث الرواية، المشكلة من 20 فصلا، حول الشابة المغربية "فرحانة" ذات الأصول الصحراوية، التي تقرر فجأة السفر إلى المغرب من إيطاليا عبر تونسوالجزائر، بسيارتها الرباعية الدفع، لزيارة والدها، الذي يعيش بعيدا عن الأسرة بمدينة العيون، حيث يرتبط بجذوره الصحراوية المغربية، التي لا يستطيع العيش من دونها، خصوصا أنه قضى فترة من حياته بإيطاليا رفقة زوجته الأجنبية أم فرحانة. أثناء سفرها، ستتعرض فرحانة إلى العديد من المشاكل، خصوصا على التراب الجزائري، حيث انعدام الأمن وانتشار الإرهاب، وسطوة العسكريين، الذين يحملون عداء كبيرا للمغرب، ولوحدته الوطنية، فبمجرد وصولها إلى الجزائر ستتعرض للاختطاف من طرف الإرهابيين الإسلاميين، الذين اتخذوها ذرعا للفرار من الدرك الجزائري. في معسكر الإسلاميين ستكتشف فرحانة إسلاما راديكاليا، مختلفا تماما عن ذلك الإسلام المعتدل، الذي تعلمته عن والدها. كما ستكتشف قسوة الإسلاميين، وجهلهم بقيم الدين الإسلامي، ومعاداتهم للديانات السماوية الأخرى، وتعصبهم لأفكارهم، التي يعتنقونها بطريقة عمياء. بعد معاناة مريرة، وتجربة قاسية، ستفلت فرحانة من الإسلاميين، لتقع في أيدي الاستخبارات الجزائرية، التي ستصر على أنها إما جاسوسة مغربية، أو صحراوية من انفصاليي البوليساريو، إذ سيجري تسليمها إلى الانفصاليين في مخيمات تندوف، لتبدأ رحلة جديدة من العذاب والمعاناة، جراء ما عايشته من فظاعات هناك، حيث يعيش الصحراويون المغاربة، خصوصا النساء منهم، وسط رعب الانفصاليين، الذين يحولون دون عودتهم إلى أرض الوطن، سواء عن طريق إرسال النساء لأعمال السخرة، أو سجنهن، أو اغتصابهن، واغتصاب أطفالهن، وبيعهم، والمتاجرة بمعاناة المحتجزين من أجل الحصول على المساعدات، التي يستعملون أموالها في صفقات سلاح ومخدرات. الرواية تقدم بصورة مفزعة الانسحاق التراجيدي للمرأة المغربية الصحراوية، التي يحتجزها مرتزقة "البوليساريو" بمخيمات تندوف، وحسب المصباحي فإن شخصيات ووقائع الرواية، التي تحولت أخيرا، إلى فيلم سينمائي، ليست خيالية، فكل ما تتضمنه مستمد من الواقع اليومي للصحراويين المحتجزين بمخيمات "لحمادة"، حيث المعاناة، التي تعيشها المرأة المغربية الصحراوية، وما تتعرض له من اغتصاب وظلم وما تعيشه من قهر وشقاء، حقيقة مؤكدة إلى أبعد الحدود. يقول المصباحي في غلاف الرواية، إن "هؤلاء المواطنين ما يزالون محتجزين بمخيمات العار بتيندوف، ويمكن لكل من يهتم بقضايا حقوق الإنسان أن يذهب إلى هناك ويتأكد مما أرويه في هذه الرواية عن هؤلاء المعذبين في أرض الجزائر الشقيقة من أبناء وطني".