1.الجامعة المغربية ومسار التحول 2. الإصلاح البيداغوجي وتخريب التعليم العالي 3. النظام الأساسي للأساتذة الباحثين 4. الترقية 5. البحث العلمي .......................................................................... 1. الجامعة المغربية ومسار التحول لقد شهدت الجامعة المغربية في العقود الأخيرة حركة توسع على مستوى الكم، حيث بلغ عدد الجامعات 15 جامعة، وصاحب هذا التوسع توزيع عشوائي جغرافي للمواقع الجامعية وإن ظل القسط الأكبر منها يتمركز حول الخط الساحلي الممتد على طول المحيط الأطلسي، وقد لا يخلو هذا التمركز من مزايا نوعية، وعمليا فإن هذا التوزيع محمل بعناصر ومعالم الأزمة التي يعاني منها التعليم العالي ببلادنا، إذ يبدو أن كثيرا من المواقع تفتقد إلى الشروط الموضوعية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية لقيامها وهو ما أثر على خارطة التعليم العالي ومتغيراته المحتملة، حيث فقدت الجامعة طاقتها المعرفية والأكاديمية ومخزونها الرمزي، وربما انتهى دورها أحيانا وانتفت الشروط التي أسست لها. إن هذا التوسع الكمي بمعنى آخر يبدو وكأنه مبادرة منهجية من أجل تخريب الجامعة المغربية، إذ لا يتجاوز بعده صيغة توفير أو تعميم تعليم عال فقير لأبناء الشعب، وهو في ظاهره شعار مضلل، ومفيد في سياق استعراض مقومات خطاب الإنجازات الكبرى، لكنه في الواقع لا يحمل غير بوادر استنفار مقدرات التشتيت والتسييب من أجل طمس المعالم الرئيسية التي وفرتها الجامعة المغربية في نموذجها السائد قبل عقود، إذ أن هذا التوزيع لا يعبر عن عمق تطلع جديد أو إستراتيجية بناءة للنهوض بالتعليم العالي، بل يسهم في خلق توترات مضافة إلى فضاء الوعي بالصدمة التي يواجهها المجتمع المغربي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، والمعطيات المتوفرة على كافة المستويات تفيد أن حجم هذا الإنجاز الكمي لا يستند إلى منظومة هادفة عملية واضحة تهدف الارتقاء بالجامعة المغربية وتطويرها ولم يحقق أي تقدم أو طفرة على صعيد الممارسة والنهوض بالتعليم العالي أو البحث العلمي، ولم يفلح بالمرة في محاولة صهر الجامعة في نسيج حركية المجتمع والحياة الاجتماعية، ولم يلعب أي دور في خلق أو تطوير صيغة أو دور جديد للجامعة في خضم التحولات التي يشهدها المغرب والعالم من حوله، وكل المؤشرات تقود إلى أن الجامعة المغربية في ظل هذا الوضع محاصرة بفضاء متأزم لا يمكن بالسهولة تقدير أبعاد الأخطار التي يحتويها وانعكاساتها السلبية على المجتمع وتطوره. إن هذا التوسع الكمي لم يكرس دور الجامعة كقوة أساسية في بناء وتطوير المجتمع بل ساهم في مضاعفة العوائق التي تعوق دورها في المجتمع، والملاحظ أنه أسهم بشكل مباشر في الرفع من نسبة الخريجين بصورة مذهلة، غير أن الرفع أيضا ظل مشدودا إلى عامل الكم، ولا يتناسب والخدمة التي تؤديها الجامعة، وفي مقابل ذلك ظل توظيف الأساتذة الباحثين والأطر الإدارية المؤهلة بعيدا عن هذا التطور، بل إن الأمر يتعلق بالتراجع في هذا الباب، إذ أن الجامعة المغربية أصبحت تعتمد على تشغيل يد عاملة من خارج فضاءاتها الأمر الذي سيكون له التأثير العميق على الإنتاجية المعرفية والمردودية الأكاديمية والجودة، وهذا ما يجعلها أكثر عرضة لتأثيرات بنيوية قد تعجل بانهيار كثير من مقوماتها وتغيير كثير من توجهاتها. وشرعت في ظل هذا الوضع مجموعة من الإجراءات لدعم هذا التوجه ورعايته لعل أبرزها السير في اتجاه ترسيخ مبدأ استقلالية الجامعة وهو ما حمل بوادره القانون 01.00 الخاص بتنظيم العليم العالي، والذي هيئ كإطار تنظيم قوي لتحديد مسارات التعليم العالي المستقبلية، غير أن هذا الإطار كرس من جديد العديد من الاختلالات في بنيان التعليم العالي ببلادنا وأثبت لحد الآن عدم كفايته للتصدي للتحديات التي تواجهه، والحديث عن استقلالية الجامعة يتم في الواقع في غياب المفهوم السليم لرسالة الجامعة والجامعيين، إذ ما يحدث الآن هو تحويل الجامعات إلى «إقطاعيات صغيرة» يعلو فيها حضور سلطة رئيس الجامعة بشكل قوي ومستبد، بل إن هذا الحضور هو الإطار المرجعي ومصدر «الحاكمية» في الجامعة، وتاريخ الممارسات العملية يدعم هذا الاحتمال إذ أن سلطة الرئيس حاسمة مثلا في تعيين واختيار العمداء وفي اللجان التي تتولى البث في هذه الاختيارات بحيث يبدو وكأن كل العمليات تتم وفق منطق الولاء والزبونية، ولذلك فإن استقلال الجامعة محمل بأبعاد خفية ومضمرة تقودنا بالملموس إلى ترسيخ عملي لمبدأ استقلالية رئيس الجامعة وليس الجامعة، ولا سيما مع غياب آليات المساءلة والمراقبة والمحاسبة، ولهذا فإن العوامل التي تهدد استقلال الجامعة تتضاعف مع تكريس كثير من الممارسات السلبية القائمة التي يغذيها غياب الديموقراطية والشفافية والنزاهة والموضوعية. في هذا الباب ينبغي أن نشدد على المعطيات التالية: ● إن التوسع الكمي للجامعة المغربية على صعيد الممارسة لم يكن إلا واجهة للقضاء على النوعية وتشجيع النزوع إلى توفير مزيد من ظروف وعوامل الانهيار الذي يستهدف الجامعة، والدفع نحو فقدان الثقة في التعليم العالي العام وجدواه. ● إن هذا التوسع لا ينبغي أن يكون مطلوبا لذاته، إذ لن تكون له أية فائدة في هذه الحال ما لم يكن مؤسسا على استراتيجية واضحة المعالم تنبني على رؤية هادفة تحدد دور الجامعة وآفاق وطريق العمل في مجال خدمة المجتمع. ● إن الحديث عن استقلال الجامعة يرتبط ارتباطا عضويا بمجالات هذه الإستراتيجية وحدودها بما يتناسب والاستجابة للتطورات التي يشهدها مجتمعنا، والتطبيق الفعلي لهذا الاستقلال ينبغي أن يتأسس على مقومات وآليات لها دورها الوظيفي في الحفاظ على فعاليته واستمراريته، ومنها تعميق وتوسيع الديموقراطية على مستوى الهياكل الجامعية بشكل يضع السلطة التقريرية في صلب مهامها باعتبارها هياكل لها مسؤوليتها الإدارية والتربوية والعلمية والبيداغوجية، واستبعاد مبدأ التعيين الذي لا يشكل سوى حلقة لضرب مبدأ الدمقرطة، وتكريس واقع استبعاد دور الفاعلين الحقيقيين في الجامعة وبناء كيانها، ويجب أن تتعزز الخطوات في هذا الباب لفرض الديموقراطية الحقيقية التي تقضي بانتخاب رؤساء الجامعات والعمداء الذين يتوجب أن يكون انتماؤهم للتعليم العالي. ● إن مبدأ دمقرطة الجامعة يستوجب في العمق التجديد في النظر إلى الدور الفعال للجامعة في إطار اعتماد معايير موضوعية تضمن انخراطها الكلي في الحركة الاجتماعية والثقافية لبلادنا، كعنصر فاعل وأساسي، وهو مبدأ سيظل رهين مدى توسيع وتحقق الممارسة الديموقراطية خارج الجامعة، على مستوى العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة. ● إن استقلالية الجامعة لا يعني القذف بالجامعة لأن تغدو تابعة بشكل من الأشكال لإرادة القوى المتحكمة في تقلبات السوق أو الشغل، أو مجموعات ضاغطة ذات أهداف لا تتلاءم ورسالة الجامعة وأهدافها، إذ أنها بذلك تفقد قدرتها على إنتاج وإنجاز مهامها في ميدان البحث الأكاديمي وتطوير مجالاته على أساس الموضوعية والحرية والصرامة والنزاهة العلمية. 2. الإصلاح البيداغوجي وتخريب التعليم العالي ارتبطت بعض مؤشرات التحول الذي أشرنا إلى بعض معالمه، بانخراط الجامعة المغربية في مسلسل الإصلاح البيداغوجي الذي رهن الجامعة ابتداء من سنة 2003 بعد تعثر وتردد، وقد راهن هذا الإصلاح على أفق تطوير وتعميق دور الجامعة وأثرها في المجتمع ومستويات تطوره، لكنه في الواقع دمر جزءا كبيرا من مقومات التعليم العالي لعوامل عديدة لعل أقواها: أن الإصلاح كانت منطلقاته ارتجالية وغير دقيقة ولم ينبن على إستراتيجية أو أسس سياسة تعليمية رائدة وواضحة، وشكل بذلك مقاربة ديماغوجية لتحرير الجامعة المغربية من مقوماتها الفاعلة ووضعها على حافة هاوية سحيقة لا يمكن التكهن بعواقب السقوط في مهواها. إن مشروع الإصلاح البيداغوجي على مستوى آخر لم يكن إلا صدى رديئا للمزايدات السياسية والحرب على المواقع في ظل التقلبات المتسارعة التي شهدتها بلادنا في العقد الأخير من القرن العشرين، ولم يعكس عمق التحولات والمخاضات والإكراهات التي كانت تواجهها الجامعة المغربية وتتفاعل داخل المجتمع المغربي، وكان إلى جانب ذلك وسيلة لاستدرار عطف وسخاء تمويلات ودعم المؤسسات المالية الدولية ومن ثمة كانت أبرز رهاناته مالية واقتصادية وما زلنا جميعا نتذكر سقف المعادلات الرياضية التي كان يرددها وزير سابق للتعليم العالي، وحجم الأرباح الخيالية التي ستجنيها البلاد حسب زعمه من اعتماد آليات الإصلاح وتقليص سنوات التدريس الجامعي، إضافة إلى ما سمي بالبعد المهني، الذي يستهدف تحويل الجامعة إلى وسيط للشغل وتحويلها إلى مراكز تكوين مهني هجين متوسط، بدعوى أن المقاولات المغربية تفضل الدبلوم المتوسط (باكالوريا + سنتين) وفي أحسن الأحول الدبلوم المتخصص (باكالوريا + خمس سنوات) غير أن هذا البعد كان ولا يزال إحدى الأخطاء الجسيمة التي تقترف في حق الجامعة المغربية ويتعارض مع طبيعة الدور الموكول لها، ومهامها العلمية، المعرفية والأكاديمية، فليس من مهام الجامعة ولا في مقدورها إيجاد فرص العمل للخريجين من مؤسساتها بقدر ما يتركز دورها على تزويدهم بالمعارف والمهارات الضرورية والتوجيهات التي تمكنهم من مواجهة إكراهات الواقع الاقتصادي والاجتماعي، والمسألة إذن لا تتعلق بإنتاج تقنيين أو فنيين لتلبية طلبات مجوعات شركات أو مقاولات ذات أهداف نفعية خاصة، بل إنتاج وتكوين قوى بشرية مواطنة متعلمة تعليما راقيا تستطيع أن تؤثر بمؤهلاتها الأكاديمية والتربوية والعلمية والثقافية في الارتقاء بالمجتمع ومواجهة مشكلاته. على أن الحل الأنجع لهذه الإشكالية قد يتأتى حينما يتم إدراج التعليم والتكوين المهني والتقني في سلك التعليم بجميع مراحله ليصبح جزءا لا يتجزأ من بنية العملية التعليمية وأساس منظومتها التكوينية. أما على مستوى المضامين فإن الإصلاح لم يغير من طبيعتها بشكل جذري باعتماد معايير جديدة ومتطورة، ولم يضع في الاعتبار الحاجيات والأهداف الاجتماعية والتربوية والثقافية التي صيغ من أجلها، ولذلك لم تكن منظومة المسالك الوطنية النموذجية المفرخة إلا نموذجا هجينا لمضامين عقيمة ناقصة ومشوهة لعب فيها الخبط والتسرع والاستعجال دورا أساسيا مما أثر بشكل سلبي على نوعية المواد والوحدات ومكوناتهما وساهم بقوة في تكريس قيم التراجع والتدني التي ستوسع مدارات التدهور على صعيد نوعية التعليم العالي العام وفعاليته. لقد تبنى الإصلاح بصيغته القائمة خيار الهبوط بمستوى عملية التعلم في الجامعة إلى خط جعلها امتدادا فجا لكل تعثرات ومساوئ التعليم ما قبل الجامعي إذ أصبح من مهام الجامعة مثلا أن تلقن طلابها أبجديات تقنيات التعبير والتواصل واللغات، وهو حط من دورها، لأن المنتسبين المفترضين للجامعة ينبغي أن تتوافر لهم المؤهلات الضرورية في حقل اللغات وقيم التواصل وما يجري مجراها، ففضاء الجامعة يرتكز على مبدأ عام أساسي هو تعميق وممارسة البحث والتخصص الدقيق في ميادين العلوم المختلفة، وينبغي أن تتوفر للمنتسبين إليها مؤهلات تعليمية متقدمة، ومعارف ومهارات مكتسبة تفتح الجامعة المجال أمامهم لتطويرها واكتساب القدرات المضافة لتوظيفها وتكييفها مع متطلبات الواقع الاجتماعي. وكرس الإصلاح من جانب آخر توجهات إقرار تعليم نخبوي متميز وآخر شعبوي، من خلال تثبيت وإقرار نظام المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود، والمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، وهو إقرار يضرب في العمق مبدأ توحيد التعليم العالي، ومبدأ تكافؤ الفرص، والتضييق على مجال التعلم أمام فئات واسعة من الطلاب، ولا يبدو أن هذا التوزيع يؤشر أو يسهم في عمليات التطوير النوعي للتعليم العالي، إذ أن المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح مازالت تشكل قطب الرحى، وقاعدة هرم التعليم الجامعي، ولا تكاد تتوفر فيها الشروط الضرورية للعملية التعليمية بسبب الأعداد الكثيفة والضخمة للطلبة وارتفاع نسبة التأطير وضعف وتردي مستوى التجهيزات الجامعية والتربوية المتوافرة فيها، وهذه أبرز العوائق البنيوية للإصلاح ورهاناته. وقد زاد هذا الوضع من حجم الضغط على مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانونية ومؤسساتها الجامعية، التي تضاعفت أعداد المنتسبين إليها، بحكم أنها مفتوحة في وجه كل الطلبة أبناء الفئات الاجتماعية التي لا يستطيع أبناؤها ولوج المؤسسات التي تستقبل الطلبة المتفوقين أو هكذا يبدو، أو المؤسسات الأخرى ذات التكاليف الباهظة، وغدت هذه المؤسسات من الوجهة العملية ملجأ أو مستودعا لكل الذين لا يجدون منافذ وليس بمقدورهم الانتساب إلى المؤسسات الجامعية ذات التخصصات المهنية والفنية العالية، وهذا نتاج طبيعي لغياب توجيه وتأطير حقيقي للطلبة وغياب متابعة ومراقبة موضوعية للتحولات الكبرى التي حدثت في بنيات التعليم ما قبل الجامعي، الذي له مسؤوليته الفعلية في التوجهات التي تحكم مصير المتعلمين، إضافة إلى غياب وضعف توافر التخصصات المهنية العلمية الدقيقة المتنوعة التي من شأنها أن تخفف وطأة الضغط على حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانونية التي جعل منها الإصلاح حقل من لا وجهة له. إن الإصلاح البيداغوجي بكل موضوعية لم يكرس غير مزيد من التدهور ومزيد من فقدان الثقة في نظام تعليمنا العالي العام، فعلى مستوى الأهداف والمحتوى وعلى مستوى الوسائل، لم يتحقق ما كان متوقعا، وبذلك يكون ساهم في تعميق أزمة الجامعة المغربية وعلاقاتها بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وبشكل أكثر بروزا لعب دورا مركزيا في ضرب نوعية التعليم العالي وجودته والتضييق على امتداداته وتخريبه عن وعي. وإحدى المهام الأساسية الكبرى المطروحة اليوم هي إيقاف مسار هذا الإصلاح واعتماد إصلاح جذري حقيقي وعقلاني يتبنى منظورا شموليا تساهم فيه كل مكونات الجامعة المغربية ويضع المقتضيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجغرافية والتحديات الممكنة والمحتملة ضمن أولويات النهوض بالتعليم العالي وتطويره. 3. النظام الأساسي للأساتذة الباحثين عرف النظام الأساسي للأساتذة الباحثين صيغتين بارزتين الأولى في سنة 1975 والثانية في سنة 1997 مرورا ببعض التغييرات التي أضيفت سنة 1985، ويمكن القول إن صيغة 1975 كانت متطورة بالنظر إلى الظروف التي ظهرت فيها، بينما صيغة 1997 اعترتها ثغرات وسلبيات شتى وتضمنت كثيرا من التجاوزات وأشكالا من الحيف في حق فئات عريضة من الأساتذة الباحثين، ويبدو أن عامل السرعة والارتجالية أثرا على صياغتها ومضامينها لا سيما وأنها جاءت في وقت كانت فيه الاستعدادات والمفاوضات جارية في السر والعلن من أجل إقحام المغرب في ما سمي بحلقة «التناوب»، وربما لعبت هذه المرحلة دورها في تمرير كثير من البنود وغض الطرف عنها دون استقراء أبعادها أو التحري في مجرى انعكاساتها القريبة والبعيدة على مستقبل الجامعة المغربية والجامعيين. و يمكن أن نجمل أهم المقتضيات التي تضمنتها صيغة 1997، في ما يلي: 1. إثقال كاهل الأساتذة الباحثين بمهام إضافية جديدة، علاوة على المهام الأساسية المتمثلة في أنشطة التعليم والبحث والتأطير، إذ أن المادة 4 منه أضافت ثمان مهام أخرى للأساتذة الباحثين، ولو أن بعضها قد ينضوي تحت طائلة أنشطة التدريس والبحث العلمي أو التأطير، لكن مرسوم 1997 استهدف غاية تكريسها كمهام مستقلة ربما لتلافي احتمالات مراجعتها أو إعادة النظر فيها أو محاولات تكييفها في وقت من الأوقات، وبهذا أصبحت مهمة إعداد برامج التعليم والتكوين وتنفيذها وتحيين مضامين ومناهج التعليم من أبرز مهام الأساتذة الباحثين، ومؤدى هذا أن الأستاذ الباحث أصبح يتحمل مسؤولية خيارات التعليم العالي وآفاقه المستقبلية على مستوى الإعداد والتكوين، في مقابل تخلي الدولة وتنحيها وهي المفروض فيها أن تتعامل مع التعليم العالي كقطاع استراتيجي يتعلق ببناء الفرد والمجتمع واختياراته الأساسية، بدل إلقاء تبعاته على الأستاذ الباحث في غياب الشروط الموضوعية والذاتية، المادية والمعنوية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تؤهله للنهوض بمهمات تقرير مصير التعليم العالي وتوجهاته الكبرى. والحقيقة أن هذه المهام في جوهرها تتعارض مع المعايير الدولية المتعارف عليها والتي تتمركز فيها مهام الأستاذ الباحث حول مهام التدريس والبحث العلمي، تدريس الطلاب على نحو فعال في حدود الإمكانات التي توفرها المؤسسات والدولة والقيام بالبحث العلمي وتعميق عناصر الإبداع والابتكار في مجالاته المتعددة. 2. إلغاء مبدأ التوظيف بناء على الشهادات الجامعية، حيث غدا ولوج أي سلك من أسلاك التعليم العالي خاضعا للمباراة، وهو ما يعني تجاوزا لبعض مقتضيات الفصل 22 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية من جهة، ومن جهة ثانية إلغاء أي قيمة رمزية معرفية وعلمية وإدارية للشهادات الجامعية العليا، لتغدو بذلك المباراة هي الآلية الوحيدة للتوظيف. 3. تعقيد مسطرة ترقي الأساتذة الباحثين وإخضاعها لنظام الكوطا الذي يلغي مبدأ تكافؤ الفرص وحقوق الأساتذة الثابتة في الترقي في مهنتهم وفق معايير أكاديمية عادلة ومنصفة، وقد اشتملت مجالات المحاور التي تضمنت مقاييس ترقي الأساتذة الباحثين أنشطة يوجد بعضها خارج نطاق اختصاصات الأستاذ الباحث ومهامه الأساسية وخارج سلطة الجامعة أو الوزارة الوصية، مثل ما اشتمل عليه محور أنشطة الانفتاح والتواصل، الذي يتضمن علاوة على ذلك مقتضيات تتعارض مع روح النظام الأساسي للوظيفة العمومية. 4. الإجهاز على الأقدمية العامة المكتسبة للأساتذة الباحثين عبر عملية إعادة الإدماج الجائرة التي اعتمدها، وتم بموجبها حرمان فئات عريضة من الأساتذة الباحثين من سنوات أقدميتهم الفعلية التي تصل في أحسن الأحوال إلى تسع سنوات. وبالإضافة إلى هذا وبصرف النظر عن هذه المساوئ والثغرات أو التجاوزات التي يتضمنها هذا النظام فإنه في مجمله أصبح فاقدا لجدواه لأن كثيرا من المراسيم أو القرارات الوزارية الموازية التي صدرت في ما بعد ألغت أو نسخت كثيرا من أحكامه وبنوده ومواده، وهو على وشك أن يتحول إلى إطار فارغ فاقد لأية قوة قانونية، وهو ما سيفسح المجال أمام الجامعات لتكريس أنظمتها المؤسساتية في ما يعود لمستخدميها وموظفيها، وفق الإجراءات التي هيأ مناخها القانون 01.00 الخاص بتنظيم التعليم العالي. ولهذا فإن إحدى المهام الأساسية للأساتذة الباحثين في هذه المرحلة هو النضال من أجل إعداد نظام أساسي للأساتذة الباحثين على ضوء النظام الأساسي للوظيفة العمومية، بمقدوره أن يعيد الاعتبار للأساتذة الباحثين، ويراعي المعايير الدولية في تحديد وضعيتهم وطبيعة المهام والمسؤوليات المتعلقة بحقوقهم وواجباتهم، وخلق ظروف جديدة ملائمة لعملهم ومجهوداتهم ودورهم في بناء المجتمع وتنمية قدراته المعرفية والعلمية، وتحسين ظروفهم المادية والاجتماعية وحفزهم بما يؤهلهم للارتقاء بالجامعة المغربية، ويجب أن يستند هذا النظام إلى عوامل تعميق دور الأساتذة الباحثين ليصبحوا في مستوى الاستجابة ومواجهة تحديات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الدولية والمحلية والانخراط في سياقاتها، والتعامل بإيجابية مع متطلبات مجتمع المعرفة وتنمية قدراته البشرية والابتكارية. و من الأساسي أن نقترح مراعاة صيغة هذا النظام لمجمل المقتضيات التالية: 1. المحافظة ولو مرحليا على صيغة تراتبية الإطارات في صيغتها الحالية، لأن أي تقليص لحلقة هذه الإطارات سييسر مهمات الإدراج السريع في خانة المستخدمين، والقضاء على الاعتبارات العلمية والأكاديمية المتعلقة بمسار الأستاذ الباحث. ومن ثمة الإصرار أيضا على هذه الصفة: الأستاذ الباحث. 2. التخفيض من ساعات العمل بما يتناسب ووضع الأستاذ الباحث والمعايير العامة المتعارف عليها في ما يعود لوضعيته وخصوصية مهامه، بالنظر إلى عبء المهام المزدوجة التي ينهض بها والتي تتعلق بمهمة التدريس والبحث العلمي، إذ الملاحظ أن تضخيم عدد ساعات العمل يخلق صعوبات حقيقية منهجية وعملية أمام مباشرة البحث العلمي والعمل على تطوير آلياته على المستوى العملي والتطبيقي، ويؤثر بشكل مباشر على المردودية العلمية والأكاديمية وعلى جودة التعليم العالي بوجه عام. 3. الرفع من قيمة الأجور، فوضعية الأستاذ الباحث تفرض مكانة اجتماعية ومالية لائقة تستجيب للتطورات الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية، وتكون ناجعة وفعالة في التغلب على احتياجات الأستاذ الباحث في مجتمع يقوم على آليات التنافس التي لا تراعي غير قيم الربح السريع. والزيادة في أجور الأساتذة الباحثين مهمة ملحة إذ أن الأستاذ الباحث، وحده تقريبا، ضمن أسلاك الوظيفة العمومية، لا يتمتع بأية امتيازات مضافة مثل السكن الوظيفي، التنقل، أو أية تعويضات جزافية، أو تحفيزية خارج نطاق أجرته، فهو ملزم أن يعتمد على خالص أجرته في مواجهة متطلبات مجتمع متحول يحظى فيه الرأسمال بامتيازات هائلة، وتشجيع منظم ومطرد، وسوق مفتوحة على التقلب والصراع وهيمنة اقتصاد الريع، واتساع الفجوة بين الفئات الاجتماعية بشكل مذهل، ويعول على أجرته وحدها في مواجهة تكاليف السكن وتربية الأبناء وتعليمهم والصحة، وتوفير وسائل النقل، والكتاب والوسائل التعليمية اللازمة ووسائل الاتصال الحديثة الضرورية لمواكبة التطورات السريعة في مجال العلم والأبحاث والتوجهات والاختيارات. 4. إحداث تعويضات أو منح تحفيزية للأساتذة الباحثين الذين يتولون الإشراف على الرسائل والأبحاث الجامعية،أو الذين ينجزون هذه الأبحاث بصورة فردية أو جماعية، لتشجيعهم للعناية بمجالات البحث ومشروعات البحث التي من شأنها أن تساهم في النهوض بالمجتمع وتقدمه. ومن شأن وجود نظام أجري منصف وعادل، مدعم بحوافز موازية، أن يسهم في تطوير قدرات ومكانة ومؤهلات الأساتذة الباحثين، ليصبحوا قوى فاعلة في المجتمع، ويضطلعوا بدورهم الأساسي في تحسين مستوى التعليم والبحث العلمي والأكاديمي. 5. الإعفاء من الضريبة العامة على الدخل. 6. تعيين 60 سنة كحد سن الأساتذة الباحثين بجميع فئاتهم المنخرطين في نظام رواتب التقاعد المدنية مع الاحتفاظ بمبدأ تعيينه في حد أعلى ولحدود 65 سنة تبعا لإرادة ورغبة الأستاذ الباحث واختياره الطوعي. 4. الترقية الترقية جزء من سيرورة الحياة المهنية للأستاذ الباحث، وهي عامل أساسي في إجراءات وعمليات تحفيزه وتشجيعه من أجل الرفع من مردوديته وإنتاجه على صعيد النظام التعليمي والبحث والارتقاء بمستوياتهما، وغالبا فإن مقاييس الترقي تقوم على معيار الأقدمية في الخدمة والمردودية والسلوك المهني والبحث والابتكار،كما هو جار به العمل لدى عموم فئات الموظفين العموميين. وفي ظل النظام الحالي لترقي الأساتذة الباحثين تتم الترقية وفق معايير بعضها خارج عن إطار مهام الأستاذ الباحث الفعلية، بما يتناقض أحيانا مع مقتضيات قانون الوظيفة العمومية، فعلى الرغم من أن هذه المهام تتمحور في مجالي التدريس والبحث العلمي فإن النظام الحالي أضاف مجالا أطلق عليه أنشطة الانفتاح والتواصل، وهو مجال يظهر أن إجراءات التقييم فيه غير دقيقة، ولا علاقة مباشرة له بالمعايير المهنية السليمة. إضافة إلى حاجز «الكوطا» الذي يقوم عليه هذا النظام وهو حاجز غير موضوعي ولا يهدف اعتماده إلا إقصاء وحرمان الأساتذة الباحثين من حقوقهم المهنية وقد أثبت عمليا عدم فعاليته إذ أن إجراءات الترقي دخلت بموجبه في نفق مسدود تعززه آلية التماطل والتجاهل والتسويف والأساليب البيروقراطية التي تقف عائقا أمام مسطرة التقييم وسريان مفعول الترقية في وقته الطبيعي، وهو ما قد يعني إعدادا خفيا لمبادرات تعطيل العملية أو الاستغناء عنها، والدفع نحو الإقرار والاقتناع بعدم جدواها مع مرور الوقت. وعمليا فإن النظام الحالي أجهز على كثير من قيم الإنصاف والنزاهة الواجبة، ومبدأ تكافؤ الفرص، وأوكل مسألة تقييم الأساتذة الباحثين للأساتذة الباحثين زملائهم الذين يشكلون اللجان العلمية في كل مؤسسة جامعية، وهو وضع لا يسلم من بعض الاختلالات والفوضى في غياب معايير أكاديمية وعلمية مجردة وموحدة، وعدم توفر ضمانات عملية إجرائية وتنظيمية تضمن الحدود الدنيا للنزاهة والموضوعية والشفافية، مما يفسح المجال أمام عامل السلطات التقديرية الخاصة بهذه اللجان، التي قد يشوبها الاحتكام إلى منطق الولاءات والزبونية، وهو أمر يؤثر سلبا على عمليات التقييم. ولذلك يبدو أنه من الأولويات النضالية الراهنة الملحة: 1. مراجعة مقاييس الترقي المعتمدة حاليا وبصورة جذرية بما يضمن اعتماد معايير أكاديمية موضوعية يتم تقييم الأساتذة الباحثين على ضوئها، هذه المعايير التي ينبغي أن تكون جزءا لا يتجزأ من مهام الأستاذ الباحث المتعلقة بمهام التدريس والبحث العلمي، واستبعاد أية معايير خارج هذا السياق. 2. إلغاء وحذف نظام «الكوطا» بشكل نهائي. لأنه دعامة كبرى للخيارات غير الديموقراطية وترسيخ لمزيد من أوجه التمييز غير الإيجابي وغير الموضوعي، وتوسيع لمبدأ عدم تكافؤ الفرص، إضافة إلى أنه شكل من أشكال المصادرة الفعلية لحق أساسي من حقوق الحياة المهنية. 3. إحداث نظام جاد للحوافز والمكافآت أو المنح التحفيزية والتشجيعية، تكون إحدى مهماته الأساسية حمل الأساتذة الباحثين على تطوير اهتماماتهم وقدراتهم، وتعميق أبحاثهم ومعارفهم وابتكاراتهم وإبداعاتهم. 4. وضع مواصفات وشروط أكاديمية محددة لعضوية اللجان العلمية ووضع ميثاق شرف تعتمده هذه اللجان في تقييماتها حصانة لعملها من أي زلل أو تجاوز للمعايير الموضوعية مقصود أو غير مقصود. 5. إقرار مزيد من الشفافية والعلنية في ما يعود لطبيعة المعايير والنتائج، وإحاطة كل المعنيين بمقاييس التقييم ونتائجه، ووضع إطار تنظيمي عادل ومفتوح لفض المنازعات أو الحسم في الطعون التي يمكن أن تصدر ضد بعض التقييمات التي تستند إلى مقاييس ومبررات غير معقولة. 5. البحث العلمي يعتبر البحث العلمي إحدى أبرز المهام الرئيسية للأساتذة الباحثين وهو نتاج ما يبذلونه من جهود علمية نظرية وتطبيقية، ويفرض إمكانات تقنية وتمويلية كبرى بالنظر إلى النمو الهائل الذي تشهده المعارف العلمية والتقنية في العالم المعاصر، غير أنه في بلادنا ما يزال يحظى بمرتبة دونية، وحجم الاستثمارات في مجالاته مثيرة للإحباط، بالرغم من أنه القاعدة الأساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعلى هذا الصعيد ما يزال يواجه معوقات كبرى في غياب أية استراتيجية وطنية للنهوض بإمكاناته وطاقاته وتحديد أفق سياسة واضحة لما ينبغي أن يكون عليه البحث العلمي ببلادنا، وبسبب هذا تراجع دوره وتغلبت مهمة التدريس على المهام الأخرى بالنسبة للأستاذ الباحث في ظل الاختلالات التي تفرض أعباء ثقيلة على عاتقه في مجال التدريس، مما يفرض الانشغال عن البحث وقصر الجهد على العمل التدريسي الذي يستغرق طاقته وفاعليته. ولتجاوز الوضعية غير السليمة التي يوجد عليها البحث العلمي فإن العمل ينبغي أن يسير في اتجاه: 1. وضع سياسة وطنية ترسم أهداف وغايات البحث العلمي ببلادنا، على أن ترتكز هذه السياسة على ربط مخطط البحث العلمي بالخطة الشاملة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية ومواجهات تحدياتها. 2. تنمية الموارد المالية اللازمة لتطوير ودعم البحث في جميع المجالات ومختلف العلوم. 3. زيادة الإنفاق على البحث العلمي وتحفيز القطاع الخاص للمساهمة في تمويله،ودعم مشروعاته الكبرى. 4 . . مكافأة الأساتذة الباحثين ماديا على منجزاتهم العلمية المتميزة ذات العلاقة بالمبادرات العلمية التي تسعى للنهوض بمقومات بلادنا المعرفية والأكاديمية والثقافية، والإسهام في تعزيز قدراتها العلمية والتقنية والأدبية. 5. اعتبار البحث العلمي مهمة أساسية للأستاذ الباحث إلى جانب التدريس والتأطير، والحرص على إشاعة روح الالتزام والانضباط لأخلاقيات البحث وفقا لمقتضيات الدقة العلمية في أوساط الأساتذة الباحثين، وعدم الاقتصار على اعتماده وسيلة من وسائل الترقي فقط، حيث يفقد قيمته الأكاديمية والموضوعية وفاعليته المأمولة. 6. إعفاء كافة وسائل وتجهيزات ومستلزمات البحث من الضرائب. 7. الدعم الشامل لنشر إنجازات الأساتذة الباحثين ونتائج دراساتهم وأبحاثهم بهدف مساعدتهم لاكتساب الشهرة التي يستحقونها وتطوير آليات البحث العلمي ودعم آفاقه المستقبلية ببلادنا. 8. إنشاء صندوق وطني لدعم البحث العلمي. صودق عليه بتاريخ 17 يناير 2009