أولاد بوجوالة،داوموا ومنذ سنوات على تقديم إفطار رمضان للفقراء وعابري السبيل،وسبق ل"الوجدية" أن قاسمت هؤلاء إفطارهم وتطوعت لخدمتهم بنفس الفضاء،مواد الإفطار كلها من تمويل أولاد بوجوالة صدقة جارية للمغفور لهما والدهم وأخينا/أخيهم السي محمد المهندس الملتزم الذي افتقدته ساكنة وجدة وفقراءها. بعيدا عن موائد "الإفطار السياسي"، حيث يسعى الساسة إلى نصب المكائد وتعزيز المواقع، يتنافس المحسنون في تجهيز "موائد الرحمان" لفائدة عابري السبيل والمحتاجين، وكل من يطرق الباب للحصول على وجبة إفطار مجانية. خيام، كراجات، مقاه ومؤسسات تعليمية تتحول، دقائق قبيل موعد الإفطار، إلى محج للصائمين، يجمع أغنياء المغرب بفقرائه.. "الجوع باقي في المغرب، وكاينين مواطنين مالاقينش باش يْصايبو حتّى الحريرة".. هذا ما صرّح به رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، قبل بضعة أيام عند مثوله أمام أعضاء مجلس المستشارين. تصريح رسمي يعكس الواقع المعيش لكثير من الأسر المغربية، التي أنهكها ارتفاع الأسعار بشكل صاروخي ولم تجد بابا تطرقه سوى كرم المحسنين في هذا الشهر الفضيل. "لم أتمكن من تحضير الزمّيتة، وليس لدي مال لأعد به مائدة الإفطار"، تقول "الحاجة" مليكة، وهي تمشي متهادية، متكئة على عكاز أكل عليه الدهر وشرب، في اتجاه مائدة للإفطار قرب رُومَمْوَان الديوانة. وهي عجوز حدباء في ملابس رثّة، تمسك قفة صغيرة مصنوعة من "الدوم".. تردّد، وهي تهمّ بدخول الخيمة: "الله يرضي على من فطّرْ هاد المسكينة".. مشهد يوحي بضعف حال "الحاجة" مليكة، وهي التي تخلى عنها أبناؤها القاطنون في المهجر، ولم تجد في عز رمضان إلا مائدة للرحمان، وجدت فيها ما يسد رمقها. ورغم الارتفاع الملحوظ في درجة الحرارة، يبدو شباب الجهة المنظمة لخيمة الإفطار هذه متحمسين لإنجاح مبادرتهم الإنسانية. "هدفنا هو مشاركة الصائمين إفطارهم، فهذا شهر واحد فقط في السنة، ويجب علينا أن نؤكد على تضامن وتماسك المجتمع المغربي"، تقول إشراق، وهي تهمّ بوضع آنية الحريرة على المائدة، بعد أن تم تجهيزها بمختلف المأكولات والمشروبات التي تمكنت التي تبرع بها أحد المحسنين. تحولت خيمة الإفطار هذه قبيل موعد أذان المغرب إلى حفل بهيج تنشّطه فرقة إنشاد محلية، أتحفت الحاضرين بأناشيد روحانية في مدح خير البرية، محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي أوصى بإفطار الصائمين عندما قال: "من أفطر صائما في شهر رمضان من كسب حلال صلّت عليه الملائكة ليالي رمضان كله، وصافحه جبريل ليلة القدر، ومن صافحه جبريل عليه السلام، يرق قلبه وتكثر دموعه".. تتجه عقارب الساعة نحو السابعة وخمسة عشرة دقيقة. بضعة دقائق تفصل الصائمين الوافدين على خيمة الإفطار عن موعد أذان المغرب. بين الفينة والأخرى، يسترق البعض النظر إلى ساعة هواتفهم، بينما يحاول آخرون تنقية آذانهم من أصوات النقاشات الجانبية للصائمين، ليصيغوا السمع إلى أذان الإفطار. وفي الوقت الذي يتسابق الوافدون المتأخرون لأخذ أماكنهم في انتظار موعد الإفطار، يسارع شباب متطوع بمقهى أولاد بوجوالة المقابلة لمقهى البداوي إلى وضع "غَرْفِيَّاتْ/زلافات" الحريرة على الموائد، حيث يتم تأخيرها قدْر الإمكان لتبقى ساخنة وطرية.. "صراحة، لستُ متخصصا في العمل كنادل، ولكن أحاول جاهدا أن ألبّي طلبات الصائمين وأن أكون عند حسن ظن الجميع"، يقول عادل، وهو متطوع في عملية إفطار الصائمين، عن إحساسه وهو يهُمّ بتجهيز الموائد. شاب في العشرينات من عمره، وهو طالب ولاعب بفريق المولودية الوجدية للريكبي، اختار أن يخصص رمضان هذه السنة للتطوع من أجل إدخال البسمة والبهجة على قلوب الصائمين. البسمة لا تفارق محيا عادل، وهو يتسلم آنية الحريرة من المطعم ويتجه بها نحو محتاجيها من الصائمين الفقراء، ليضعها على مائدة للإفطار. ورغم أن أحد الصائمين تلفظ بكلام "مزعج" في حق عادل، احتجاجا على ما اعتبره تأخرا في وضع الحريرة على المائدة، فإنه لم يبالِ لتلك الكلمات وسار مبتسما نحو الخيمة وهو يقول: "كون جاو المتطوعين يْدّيو على بحال هاد الحالاتْ، كون راه كولشي جالسْ فدارو". يتردد نفس الكلام على لسان باقي المتطوعات والمتطوعين. فرغم أن المقهى تعرف توافد بعض الأشخاص الذين يثيرون القلاقل أو "يترمضنون" على المتطوعين، فإنهم لا يكترثون لذلك ويستمرون في تقديم خدماتهم الإنسانية للصائمين، ويردّون بابتسامة جميلة "الخير موجودْ، أسيدي، غير صبر شوية".. دَوّت طلقة المدفع إيذانا بغروب الشمس ودخول موعد الإفطار. عمّ المكانَ سكونٌ إلا من أصوات الكؤوس و"زلايف" الحريرة وصليل الملاعق.. في هذه اللحظة تلتحق عناصر من الأمن الوطني بزيها الرسمي بخيمة الإفطار. اعتقدنا، في البداية، أن الوافدين هم من العناصر العاملة بمركز الشرطة القريب وجاؤوا فقط من أجل الحصول على وجبة الإفطار. عندما استفسرنا عن الأمر قيل لنا إن حضورهم يهدف إلى إضفاء "الهيبة" على المكان، نظرا إلى التنوع الكبير والتواجد الكثيف للمواطنين. وقف أحدهم إلى جانب مائدة للإفطار. بعينيه الجاحظتين ورأسه الذي يديره بتثاقل شديد، يراقب رجل الأمن هذا الوضع عن كثب، تحسبا لأي انفلات أو مناوشات قد تثير الفوضى في المكان. أحكم قبضته على جهاز الاتصال اللاسلكي وبدأ يتحدث وكأنه يطمئن أحد رؤسائه بأن الأمور على ما يرام، فيما هَمّ زملاؤه بشرب الحليب والتمر وسط الصائمين، في جو تضامني يسقط هالة "التسلط" الموجود عادة في مخيلة المواطنين في علاقتهم مع "المخزن". "أَزيّر أولدي راه المخزن كاينْ، لا نصدقو مكملين فطورنا فالسطافيط".. يقول وافد على مكان الإفطار لأحد أصدقائه، الذي بدأ يهيئ ل"يفتخ جوان" دقائق قليلة بعد موعد الإفطار.. تبدو ندوب "التّشراط" بارزة على ساعديه، وقد "تآكلت" أسنان بفعل التدخين واستهلاك مخدر الشيرا.. أولاد بوجوالة،داوموا ومنذ سنوات على تقديم إفطار رمضان للفقراء وعابري السبيل،وسبق ل"الوجدية" أن قاسمت هؤلاء إفطارهم وتطوعت لخدمتهم بنفس الفضاء،مواد الإفطار كلها من تمويل أولاد بوجوالة صدقة جارية للمغفور لهما والدهم وأخينا/أخيهم السي محمد المهندس الملتزم الذي افتقدته ساكنة وجدة وفقراءها.