أضحت سوق "باب مراكش"، بالبيضاء، موطنا يجذب المهاجرات الأفريقيات من أصول سينيغالية؛ مالية وغابونية. فالمهاجرات صنعن من أسوار باب مراكش "صالونات حلاقة"، من المستحيل أن تمر منها انثى إلا و يتم إستدراجها للتزين و التجمل بتقنيات افريقية. "كورال راسطة"، شابة سينيغالية تبلغ من العمر 24 سنة، مطلقة وأم لطفل، وصلت الى المغرب قبل سنة، واليوم تعمل بأحد أركان باب مراكش المطل على الشارع. حولت الركن إلى صالون حلاقة في الهواء الطلق، أثثته بكرسيين وحقيبة موضوعة على الأرض بها معدات تجميلية: "راسطا"، رموش، اعشاب علاجية، أظافر للتركيب ومراهم لتخسيس الجسم وأخرى لتضخيم الصدر، تخصصات كلها تقوم بها "كورال" لتوفر لقمة عيشها اليومية و تؤدي بها سومة كراء الغرفة الضيقة التي تتشاركها معية ثلاثة من صديقاتها بحي الولفة بالدارالبيضاء بمبلغ شهري قيمته 800 درهم، أي ما يعادل 200 درهم كحصة لكل واحدة منهن. "باب مراكش"..أرض الله الواسعة تتوزع المهاجرات والتي يبلغ عددهن المائتان تقريبا، على طول سور "باب مراكش"، وأيضا بداخل السوق. لا يمل العشرات منهن في استدعاء المارة من النساء من أجل التزين مستعيرات عبارات من القاموس المغربي (أجي الزوينة ) لإستلطاف الزبونات... في حين أن البقية منهمكات في تثبيت خصلات الشعر الإصطناعية "الراسطا" أو الرموش او حتى في إقناع النساء بشراء مراهم من أجل تضخيم أو تخسيس مناطق في الجسم. العرافة محبوبة الجماهير "ماما زينب" تصفيف الشعر؛ بيع المستحضرات...، ليس مجمل ما تجود به الايادي السمراء، بل هناك من المهاجرات الأفريقيات من تمارس مهنة "تشوافت". ماما زينب، سيدة في الأربعينيات من العمر، زوجة و أم لطفلين، كانت أول زيارة لها إلى المغرب سنة 2001 ، لها صدى طيب لدى كل العاملين بالسوق. تقول ماما زينب: "أستقر بالسينغال، وبين الفينة والأخرى آتي إلى المغرب، أقضي شهرا أو شهرين ثم أعود، إلا أن سفري الأخير قد طال لسنتين.. فأنا أحب المغرب والمغاربة يحبون السينيغاليين". لا تفارق ماما زينب حقيبتها الحمراء الكبيرة الحجم والتي تحوي مستحضرات تجميل أظافر، شعر مستعار، وأشياء من قبيل "الودع" وهي أحجار تعتمدها أثناء جلسات العرافة التي تحييها رفقة زبوناتها السينغليات والفرنسيات والمغربيات، تقول ماما زينب «أتقاضى 100درهم مقابل كل جلسة عرافة أقوم بها»، مضيفة: «لا أقوم بمثل هذه الجلسات في الهواء الطلق، بل أتعامل مع صاحب مقهى بالجوار يحجز لي طاولة انا وزبونتي بمبلغ 10 دراهم»، وقالت أيضا «المغاربة يساعدوننا كثيرا.. فهم شعب لطيف وودود..مشكلتنا الوحيدة هم أصحاب المحلات هنا..فهم يغارون منا ..يطردوننا». من أجل بحث معمق في هذه المسألة، إتجهنا صوب أصحاب المحلات هناك للإصغاء لأرآئهم. «بلغ السيل الزبى»! يشتكي عبدالنبي، بائع محفظات يد بسوق باب مراكش، من تصرفات المهاجرات الأفريقيات قائلا: «كيوقعو ثلاثة حتى لأربعة مشادات في اليوم، فمثلا الأفريقية فالمفاوضات الأولى مع الزبونة ديالها، كيتافقو على ثمن.. ولكن بمجرد مكتسالي ليها حتى كتفرض عليها ثمن آخر» وهكذا ينتهي الأمر بملاسنات وأخذ ورد تتطور في الغالب من الأحيان إلى ضرب وعصى حسب عبد النبي، الذي كان في تلك الأثناء يجمع عرائض وهي أوراق تحمل إسم ورقم البطاقة الوطنية وتوقيع كل من يريد تقديم شكايته، همت مسجدا وأزيد من 200 محلا للبيع منزعجون من تصرفات المهاجرات العاملات هناك. «صالون في الشارع..قلة الحياء»! عبارة صرح بها يوسف وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، مالك لمحل بيع المجوهرات، يرى هذا الشاب ان سلوكات الأفريقيات مخلة بالحياء و أن جلوسهن أمام محل بيعه ضرب من الفوضى، وأن تطاير الشعر و بقايا المستحضرات في حديقة تطلب إصلاحها ملايير السنتيمات أمر شبيه بالجنون. مضيفا « كتجي الأفريقية هي والكليانة ديالها كيحطو كرسي قدام المحل ديالي.. واش أنا نبقى نشوف فداك الشي؟!». يعبر عبد الاله بدوره عن انزعاجه من هذا الوضع قائلا «كارثة..مصيبة.. يركبون الرموش بالكولة سبيسيال»، ثم يتأسف لجهل الزبونات بالمواد التي تستعملها العاملات الأفريقيات، ملاحظا بذلك أن عددهن في تكاثر، فبحلول كل شهر، يحل بالسوق أزيد من 30 وجها جديدا، تكاثر عرفه"باب مراكش" قبيل سنة و نصف من الآن. أسباب التذمر… تطاير الشعر على السلع هو أمر الهين مقارنة مع إنخفاض المدخول اليومي لبائعي المحلات هناك، ضعف مادي شهدته السوق مذ أن أصبح الزبائن ينزعجون من الكيفية التي تستدعيهن بها الافريقيات فلا يتركون لمن يريد إقتناء الأغراض من المحلات حرية في التجول والإختيار. فيصل شرف وهو شاب في العشرينيات من عمره، صاحب محل لبيع الملابس التقليدية، يقول:«كيتزادو بزاف، مكيحتارموش راسهم، كيوسخو لينا الدنيا، والكليان كيبغي يدخل المحل، كيتعرضو ليه فالطريق، باش يخدمو هوما وحنا نضيعو!!». تم إستفسارهم ما إذا تم تقديم شكايات للسلطات، فكانت الإجابة انه تم تقديم شكايات شفهية إلى أعوان ورجال السلطة بالدائرة هناك، ثم فيما بعد تقدم الباعة بشكايتين رسميتين إحداهما للعمالة وأخرى للمقاطعة. لكن بمجرد ما أن يمضي موسم النزاعات حتى يتم غض النظر عن الأمر من جديد وكأن الشكاية لم تقدم، ليستفيق الباعة من جديد على نفس المشاهد ما دفع بهم إلى إعداد هذه العرائض، والتي يقول التجار إنه في حالة عدم الإستجابة لها سيشرعون في إقفال محلاتهم ليومين وتنظيم وقفة إحتجاجية.