اعتمد المؤتمر الدولي حول الحوار بين الثقافات والأديان (نداء فاس لتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان)، وذلك خلال جلسته الختامية التي عقدت أمس الاربعاء 2 اكتوبر الجاري في مدينة فاس المغربية. وأكد النداء الحاجة المُلِحّة إلى ابتكار أشكال جديدة للتفاعل والتفاهم بين النطاقات الحضارية، لاسيما في عصرنا الراهن المفعم بشتى مظاهر التقارب في ظل عولمة أشكال التبادل وتكاثر الشبكات الافتراضية وموجات الهجرة وحركة الأشخاص، ونشوب مواجهات وصراعات إيديولوجية، والتمييز القائم على أساس عرقي أو ديني، والإرهاب المرتبط أحياناً بالجريمة الدولية المُنظَّمة، ومظاهر الانطواء على الذات، بالرغم من المبادرات والجهود الرامية إلى تعزيز التقارب والحوار والمصالحة والتوافق. ودعا المشاركون في المؤتمر الدول والحكومات الأعضاء في المنظمة الدولية للفرانكفونية والإيسيسكو والمجتمع الدولي إلى مواصلة الجهود وتعزيزها سعياً إلى بناء حوار فاعل بين الحضارات والثقافات والأديان وترسيخ ثقافة السلام داخل الأمم وفيما بينها، وذلك من خلال التأكيد على المساواة في الكرامة والاعتراف بثقافات الشعوب والمجتمعات. كما دعوا الزعماء الدينيين والجهات المسؤولة عن الشؤون الدينية، بالإضافة إلى قادة الأحزاب السياسية والحكومات، إلى الحرص على إحياء وإرساء قيم الحوار والتعايش السلمي والعيش المشترك على نحو مستدام في ظل احترام المبادئ والممارسات الدينية وحرية التعبد والمعتقد، وعدم تسخير الأديان، ولاسيما الديانات السماوية الثلاث بأي شكل من الأشكال، مطيّة لأنماط الحكم أو التدبير السياسي والاجتماعي ذات الطابع التمييزي. فلابد للحوار بين الحضارات أن يقوم على أساس القيم الإنسانية التي تدعو إليها الأديان (العدالة والتضامن والانفتاح على الآخر)، وذلك في تكامل مع قيم حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا. وأعرب المشاركون في المؤتمر عن اقتناعهم بأن الأنشطة التربوية على جميع مستويات النظم التعليمية الوطنية ينبغي أن تكون الأداة المثلى للحوار بين الحضارات والثقافات والأديان؛ سواء تعلق الأمر بتدريب هيئة التدريس العاملة في النظم التعليمية العامة أو الدينية؛ أو بالمقررات المدرسية والجامعية الخاصة بالتاريخ وعلم اجتماع الأديان، أو بالتربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان، أو بإعداد المسؤولين عن التعليم الديني أو ممارسة الشعائر الدينية، وذلك من خلال اعتماد المفاهيم والنماذج الناجحة للحوار بين الثقافات مع تعزيزها وتطويرها، وذلك ضمن التخصصات القائمة على مستوى المناهج الدراسية وفي إطار التفاعل بين مختلف التخصصات. وأكدوا اقتناعهم بأن جميع أشكال التعبير الثقافي كفيلة بتوطيد الحوار وتوسيع آفاقه، وتشجيع الإنصات إلى الآخر ومعرفته، وترسيخ احترام الاختلاف، وذلك اعتباراً لدور المبدعين والفاعلين الثقافيين في تفعيل احترام التنوع الثقافي والقيم الديمقراطية المتعارف عليها عالميا. ودعوا الصحافيين ووسائل الإعلام بشكل عام إلى الحرص على تيسير الظروف الملائمة للحوار، والإسهام في خلق مناخ الانفتاح والتسامح اللازم لقيام هذا الحوار. وأهابوا بالمنظمة الدولية للفرانكفونية والإيسيسكو إلى العمل، في إطار مجالات اختصاصهما وعملهما، على مواصلة جهودهما الريادية للدفع بهذا الحوار، والانضمام إلى المبادرات ذات الصلة التي تنفذ على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية؛ وأشادوا في هذا الإطار بالتشاور عبر الوسائط الافتراضية والتفاعلية بين الشباب في إطار الإعداد للمؤتمر، آملين أن يتم الحفاظ على إطار العمل هذا وتطويره. وأعلن المشاركون في المؤتمر أن حوار الثقافات الحقيقي الرامي إلى ترسيخ ثقافة السلام ينبغي أن يستند إلى قاعدة واضحة من القيم الإنسانية المشتركة. وأكدوا تضامنهم مع شعوب المنطقة والشرق الأوسط التي شهدت في الآونة الأخيرة تقلبات كبرى وعاشت معاناة كبيرة ودخلت مرحلة حاسمة من تاريخها. وعبروا عن أملهم في أن تستعيد هذه الشعوب سلمها الداخلي، وأن يحشد المجتمع الدولي جهوده لتقديم الدعم اللازم لها. ودعوا هذه الشعوب إلى استلهام القيم الواردة أعلاه من أجل إرساء السلام وتجاوز وضعيتها الراهنة؛ من خلال مراعاة الطابع المتجدد للمبادئ والقيم الإنسانية المشتركة؛ وبناء دول قوية قادرة على تلبية الاحتياجات المشتركة في ظلّ حكم رشيد وبقيادة قادة شرعيين؛ وسيادة القانون واحترام الحقوق الأساسية، بما فيها حقوق الأقليات؛ والحفاظ على العلاقة الوثيقة بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتبارها أداةً لتوطيد تماسك المجتمعات. وعقد المؤتمر الدولي حول تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان بالتعاون بين المنظمة الدولية للفرانكفونية والإيسيسكو، تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، عاهل المملكة المغربية، بمدينة فاس، خلال الفترة من 30 سبتمبر إلى 2 أكتوبر 2013.