خطوات ثابتة تدب الارض توحي بالكثير من الوجع، مثقلة بغبرة الروح والطريق، خطوات لم تعد تنتظر فرحة في التلاقي ولا حتى حسرة في الوداع، لان الوداع ما عاد الا شأن عادي من غير رحمة. القلب مكبل بالوجد والانين، والامل بالعودة يشبه الامل ببلوغ النجوم. نتعثر بطوق النجاة،- لا نجاة من غير الوطن-. حشود بشرية تفترش الارض وتغط بالحزن ولا تسمع سوى انينها الداخلي، تتزاحم من اجل الحصول على ساتر من القماش، الاصوات تختلط ببعضها الشكوى اصبحت كزبد البحر تكبر يوما بعد يوم. البكاء هو الشيء الوحيد الذي نستطيع ان نراه بكل صوره اذ لا يحتاج المرء الى عين فاحصة، فالحزن يفيض على جنبات الروح. الايدي ترتفع لا لتخفي ابتسامة مفاجئة بل لتمسح الدموع المتساقطة بين الحين والاخر. صراخ الاطفال يقطع استمرار تدفق طواحين المرارة وعلقم الهجرة عن الوطن في نفوس العابرين الى مكان قد لا يكون عابرا، الصدمة اقوى من الاصوات المارة حتى لو كانت اصوات مألوفة. جموع غفيرة تفترش الارض في مخيمات اللجوء تخبر عن نكبة جديدة لا تقل بوجعها عن النكبات التي سبقتها، لكن العدو هذه المرة له صور متعددة حتى يبقى اصبع الاتهام مرفوعا وضالا طريقه الى الحقيقة التي اصبحت عبئ يشق على النفس تحمله، لان ما نراه من صور الدمار، واللجوء اكبر من خصام الاشقاء مع بعضهم واوسع. تمر نكبة فلسطين بعقودها التي تجاوزت اصابع اليد وهي ما زالت بكامل مشمشها بحسب شاعرنا محمود درويش، وما زالت المأساة على حالها بل وتزداد بؤسا يوما بعد يوم. الليل طال على اصحابه في المخيمات والشتات وكأن الحياة تمضي بهم على هامش العودة من غير نكهة او امل بالعودة. لن يضير نكبة فلسطين ان تحدثنا عن نكبة جديدة تحيق بوطن اخر عزيز بأبنائه الذين ضلوا هم ايضا طريقهم وجربوا اللجوء عن الوطن. لن نقول شيئا غريبا او مستعصيا اذا قلنا ان العدو هو ذاته الذي يغير الخرائط ويهجر الاسر ويصادر على المستقبل ويقضي على الاحلام. لم استطع ان امنع دمعة حارة وانا اشارك احد الاطفال المنكوبين بالهجرة الجديدة من وطن جار لفلسطين بكائه وصدمته على وفاة والدته والتي توفيت في مخيم اللجوء وقد سارت مسافات ولم تتعب لكنها تنفست البؤس والهجرة في حريق عابر حتى تفنى بعيدا عن الوطن في المنافي. كثيرة هي القصص الانسانية ان كانت فلسطينية او عربيه التي ترزح بالذاكرة. رحلة التحرير لم تبدأ بعد، وغبرة الطريق ما زالت عالقة، والأجيال تتوالد موجوعة بالانتظار والامل بالعودة الى الوطن كل ارض الوطن.