ازدانت ساحة الشهداء (الخضراء سابقا) والشوارع الرئيسية في العاصمة الليبية طرابلس بعدد كبير من الملصقات الانتخابية تحمل وجوه وشعارات جديدة لم يعرفها الليبيون في الماضي. كما كثر الحديث في وسائل الإعلام والأماكن العامة عن الموعد الانتخابي الأول الذي ستشهده البلاد لأول مرة منذ خمسين سنة وفاء المكي المشري، متخرجة من كلية الحقوق بطرابلس، تقول إن ليبيا بدأت تتحرك إلى الأمام بفضل هذه الانتخابات التي تؤكد أن ثورة فبراير/شباط 2011 في طريقها إلى النجاح وأن دماء الشهداء لم تذهب هدرا. تضيف وفاء - 28 سنة - لفرانس 24: "لا استطيع أن أصف الشعور الذي ينتابني وأنا أصوت لأول مرة في حياتي. إنه شعور غريب. في الأمس كان اختيار ممثلي الشعب ينزل من "فوق" أي من رأس النظام، أما اليوم فالشعب هو الذي سيقول كلمته ويختار من يمثله". وأضافت: "في عهد القذافي، كان من المستحيل أن أتحدث إليكم بهذه السهولة، أما اليوم فأشعر بالحرية عندما أذهب إلى العمل ووالدي سعيدا جدا بعملي". تعمل وفاء في وزارة الداخلية وتتابع وقائع العملية الانتخابية لحظة بلحظة. وكونها متخصصة في مجال الحقوق، تشرح للناس آلية التصويت من البداية حتى النهاية "أشرح للناس معنى الحزب السياسي ومعنى المرشح المستقل وماذا نقصد بصناديق الاقتراع وبالقوائم الانتخابية. الناس لا يعرفون أي شيء عن الانتخابات. عدد كبير من الليبيين يعتقدون أننا سنصوت من أجل اختيار رئيس جديد للبلاد ولا يدركون أبدا ماذا نقصد بالمؤتمر الوطني العام". لكن رغم ذلك، الليبيون عازمون على التصويت السبت المقبل، والدليل أنهم يطرحون أسئلة كثيرة عن شخصية المرشحين وبرامجهم الانتخابية" فضلا عن انتماءاتهم السياسية". قبل الثورة كنت أمكث في المنزل بسبب عدم توفر فرصة عمل، اليوم حياتي تغيرت بالكامل وبالرغم من تواجد بعض الثوار المسلحين في المدينة، أذهب إلى عملي دون خوف والسبت المقبل سأنتخب برفقة والدتي وأصوت لصالح حزب الوفاق الوطني الذي يقوده محمود جبريل، وهو حزب ليبرالي منفتح على الأفكار الديمقراطية. السبت المقبل هو يوم الفصل بين يأس الماضي والحياة الواعدة الحياة في طرابلس باتت مستقرة نوعا ما والحركة الاقتصادية استرجعت حيويتها رغم زحمة السير والحرارة المرتفعة. لكن آثار معركة يوليو/تموز 2011 لا تزال ظاهرة، لا سيما في الأحياء الشعبية مثل حي بوسليم حيث وقعت معركة شرسة بين كتائب القذافي وثوار مصراتة والزنتان، فضلا عن منطقة باب العزيزية التي دمرت بالكامل من قبل الثوار لمحو أثار معمر القذافي ونظامه الذي يرمز إلى العنف والتعذيب. نظام لا ينساه أبدا أسامة الهادي عبد الله الذي يعمل شرطي في الداخلية بعد أن عانى من نظام القذافي لمدة سنتين. ولد أسامة في قرية القلعة بمنطقة الجبل الغربي وعمل في القوات الخاصة بالصحراء الكبرى قرب الحدود الليبية التشادية. ويسترجع معاملته السيئة من قبل مسؤوليه والقسوة التي كان يتعامل بها رجال الشرطة مع الليبيين. يقول أسامة: "النظام السابق لم يكن عادلا والشرطة أيضا لم تكن عادلة. الناس كانوا يخشون الشرطي ولا يتكلمون معه. أما الآن، فالوضع تغير. أصبحنا محترمين من قبل قادتنا ومن المواطنين، كما تحسنت ظروف عملنا ورواتبنا. فر أسامة من الشرطة في مارس/آذار2011 بعد أن أرسله النظام مع فرقة من عناصر الأمن إلى مدينة الزاوية قرب الحدود مع تونس لقمع مظاهرات لكن من دون سلاح. لكن أسامة قرر الفرار والالتحاق بالجبهة في الجبل الغربي قبل أن يعود إلى قريته في القلعة ليستقر هناك حتى سقوط نظام القذافي. "لكن بعد سبتمبر/أيلول 2011 يواصل أسامة، عدت بإرادتي إلى العمل وطلبت الالتحاق بوظيفتي السابقة على الحدود بين تشاد وليبيا، لكن الوزارة رفضت وقررت إبقائي هنا في طرابلس، مضيفا أن ظروف عمله تحسنت كثيرا والنظام الجديد يحترمه ويقدره مثل جميع قوات الأمن الليبية. وينتظر أسامة بفارغ الصبر يوم السبت المقبل لكي يدلي بصوته للمرة الأولى في حياته، واصفا هذا اليوم بيوم الفصل بين يأس وعنف الماضي ومستقبل مشرق وحياة واعدة" عصر القوة ذهب مع معمر القذافي مالك خليفة طالب يدرس في جامعة "سالفورد" بمدينة مانشيستر البريطانية عاد إلى ليبيا لقضاء أيام العطلة ومتابعة أول عملية انتخابية يشهدها هذا البلد. يقول مالك الذي يبلغ من العمر 22 سنة: "الكل ينتظر الحكومة والسلطات الجديدة. الحياة أصبحت أفضل وأحلى دون القذافي وأتباعه، منوها أن ليبيا بفضل نفطها وسواحلها يمكن أن تصبح أغنى وأجمل بلد في العالم". لكنه يخشى أن يعود السياسيون إلى تقاليدهم القديمة وينهبوا من جديد ثروات البلاد. ودعا مالك اللبيبين، لا سيما الشباب إلى مضاعفة العمل وعدم العيش على الطريقة الخليجية. وقال: "تغيير النظام في ليبيا لا يعني تغيير الوضع بالضرورة. ينبغي على الليبيين أن لا يكونوا كسالى لأن الديمقراطية دون التطور الاقتصادي لا تعني أي شيء في نهاية المطاف". المصدر: فرانس 24