حدثتني صديقتي عن شعورها بالذنب وعن المها الكبير الذي لم تستطع التخلص منه رغم كل هذه السنين، كلما التقيتها تحدثني عن ضميرها الذي لم يجد سبيله إلى الراحة، وعن عيون الأطفال التي تذكرها بماض ثقيل.. ذكريات ألمها عمرها أكثر من عشر سنوات عندما اضطرت للقيام بثلاث عمليات إجهاض لأنها قدرت أن ظروفها المادية لا تسمح لها بالمزيد من الأطفال..مرت السنين ولكن صديقتي لا تزال نادمة على ما قامت به ولم تجرؤ على البوح بما في نفسها لأحد، إلى أن شعرت ببعض الأمان تجاهي فأشركتني في سرها ذات مساء وبكت كثيرا وهي تشير لبعض أطفال العائلة وتقول كان سيكون لي طفل في هذا العمر.. حاولت أن أخفف عنها بما أستطيع، ونصحتها بالتوجه إلى أحد العلماء عل نصيحته لها تقنعها بالتوقف عن الشعور بكل هذه التعاسة.. كل من استشارته كان يحاول إقناعها بأن الله يقبل توبة عبده المذنب، وما عليها إلا أن تكثر من الاستغفار والدعاء والصدقات و تحاول أن تنسى ما كان ، لكن ذلك لم يجعلها تتوقف عن إثارة الموضوع معي في كل مرة وبنفس الألم..إلى أن كان لقاؤنا الأخير فقالت لي "لو كانت العبودية لا تزال قائمة، لقمت بتحرير ثلاث رقاب.." نظرت إليها وقد تملكني الرعب مما تمنت وقلت لها :"حرام عليك..تتمنين أن يستمر ملايين البشر عبر كل هذه السنين في العذاب في إطار واحد من أبشع السلوكات التي مارسها البشر على بني جلدتهم، لكي تعتقي لوجه الله ثلاثة منهم ويرتاح ضميرك؟" في هذه اللحظات وقبل أن يتوقف لساني عن نطق الكلمات الأخيرة، لمعت في ذهني فكرة.. أ يوجد في مجتمعاتنا اليوم أشخاص يحتاجون فعلا إلى من يحررهم من شيء ما سلبهم آدميتهم؟ الجوعى والمرضى لم يخل منهم مجتمع مهما كان فاضلا..و ذوي الاحتياجات الخاصة.. لكن الجوع والمرض أو الإعاقة لا يسلبون الحرية دائما. الجهل..هناك..مهلا.. برقت في ذهني فكرة كبرق خاطف أوحت لي بشيء ما.. صورة "لحسن" بابتسامته التي تشبه الأطلال رغم أنه لم يتجاوز عقده الثاني إلا ببضع خطوات..شاب طيب لكنه يكاد لا يغادر أسوار السجن إلا ليعود إليها لأسباب ترتبط بالإدمان، أسر لي مرة عندما صادفني في الحي أسير بمفردي أنه يريد التخلص مما هو فيه، ويتمنى أن يفتح عينيه ليجد نفسه توقف عن تعاطي كل شيء بما في ذلك التدخين..ربما كان يقول أي كلام تحت تأثير المخدرات، لكن وحسب ما قاله لي بعض "الخبراء" فإن الإنسان في هذه اللحظات يكون قادرا على البوح بكل شيء بصدق لا يستطيعه لحظات صحوه..كان يطاردني كلما رآني ليسألني "كاين شي جديد فداك الشي اللي قلت ليك" إلى أن اختفى مجددا خلف أسوار السجن.. أليست هذه رقبة تتوق الى التحرير؟ لا أعرف ما هو رأي علمائنا الأفاضل، لكني اقترحت على صديقتي أن تتحمل مصاريف علاج بعض المدمنين على المخدرات، وتكون بكل مدمن وجد العلاج بفضلها قد حررت رقبة.. كادت صديقتي تطير من الفرح، خصوصا أن ظروفها المادية جيدة جدا الآن، ولأول مرة تغلق هذا الموضوع وهي تبتسم كأنها عثرت عن حل للغز قديم وتغادرني وهي تقول :سأعتق رقبتين عن كل إجهاض قمت به، يعني ستة رقاب..سأبحث عن جمعية مهتمة بهذا الموضوع..شكرا ..وبالسلامة هاد الساعة.