هو طارق بن زياد بن عبد الله في رواية ابن عذاري و عند ابن خلدون طارق بن زياد الليثي، وكما اختلف في اسم هذا البطل المغوار اختلف في نسبه فقد ذهبت جماعة من المؤرخين إلى نسبته إلى قبيلة صدف القحطانية فيما يرى المقري صاحب نفح الطيب أنه فارسي همذاني ،و الراجح أنه بربري من نفزة ولد عام 50 ه وتوفي عام 102ه تلقى طارق الإسلام على يد والده الذي أسلم على عهد عقبة بن نافع، وحفظ القرآن الكريم و تعلم اللغة العربية حتى بلغ فيها شأنا عظيما ،يقول عبد الملك بن حبيب في وصف طارق "كان طويل القامة ضخم الهامة أشقر اللون". لا تذكر المصادر التاريخية الشيء الكثير عن حياة طارق قبل توليه أمور طنجة على رأس حامية قوامها ثمانية وعشرون ألف جندي سنة 89 ه باستثناء إشارات لا تعضدها أدلة قوية إلى انه تولى برقة و سمي أميرا لها عندما استشهد زهير بن قيس البلوي سنة 76ه و أخرى عن إقامته بمدينة تلمسان رفقة زوجه "أم حكيم" دون ذكر لأية تفاصيل أخرى، ومما ينسب إلى طارق قبل الفتح أنه كان متقنا للغة العربية خلاف الرأي الذي يزعم أنه أسلم على يد موسى بن نصير في وقت متأخر وهو ما لم يمكنه من الإلمام بالعربية و قد نسب إليه المقري أبياتا تدل على شاعريته و إلمامه باللغة رغم أصوله البربرية يقول فيها: ركبنا سفينا بالمجاز مقيرا عسى أن يكون الله منا قد اشترى نفوسا و أموالا و أهلا بجنة إذا ما اشتهينا الشيء فيها تيسرا و لسنا نبالي كيف سالت نفوسنا إذا نحن أدركنا الذي كان أجدرا كما نسب إليه الإدريسي خطبة بليغة لا يرام شأوها ولا يتيسر نثرها إلا على من أتقن العربية و أحاط بعلومها ،و مما جاء فيها و قد خطب بها في جنده لما جاز بهم البحر نحو بلاد الأندلس: "و اعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا، استمتعتم بالألذ الأرفه طويلا، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي فما حظكم فيه بأوفر من حظي و اعلموا أني أول مجيب لما دعوتكم إليه و إني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله تعالى فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره "و قد ألف الدكتور عبد الحليم عويس كتابا في نفي نسبة هذه الخطبة لطارق أسماه "إحراق طارق بن زياد للسفن أسطورة لا تاريخ" غير أن نسبة هذا الحدث لقائد عظيم من طينة طارق أثارت حماس قادة آخرين من بعده ففي احتلال الإسبان للمكسيك أقدم "أرنان كورت"(قائد الجيوش الإسبانية) على عمل مشابه بعد أن خطب في جنوده خطبة مماثلة لخطبة طارق ومثله فعل أسد بن الفرات في فتح صقلية و الذي يعنينا من كل هذا هو تسليط الضوء على جوانب أخرى من شخصية هذا البطل الفذ الذي برع في جوانب أخرى غير جانب القيادة العسكرية فحتى و إن سلمنا جدلا أنه ليس بصاحب الخطبة العصماء التي ذكرها غير واحد من المؤرخين في سياق التأريخ لفتح الأندلس فحسبه أنه أوتي قدرة عظيمة على التأثير في جنوده ولا يكون ذلك في جيش اجتمع فيه العرب والبربر إلا لمن تمكن من البيان وبرع في مخاطبة الفئتين جميعا وقد سأل عنه الخليفة الأموي مغيثا الرومي فقال:هو من إذا قال لجنده صلوا لأي جهة شاء أطاعوه ولم يختلفوا عليه لعظم حبهم له و تعلقهم به،وفي ذلك أيضا دليل على تأثيره وقوة حجته وقدرته الفائقة على الإقناع. منذ ولاية طارق على طنجة اتقدت همة الرجل و تطلعت أحلامه إلى الضفة الأخرى و لكن ليس قبل أن يطهر المغرب الأقصى من بقايا القوط، يروي ابن بشكوال أن أقوى باعث حرك كوامن الرغبة في الفتح لدى طارق رؤيته لرسول الله في منامه يقول له "يا طارق تقدم لشأنك" و يتقدم طارق لشأنه لا يلويه عنه شيء فيحاصر يوليان بسبتة إلى أن يستسلم يوليان و يصير عونا للمسلمين على عدوهم، و قد كان لخلال طارق الحميدة أبلغ الأثر في افتتاح الكثير من المدن دون كبير عناء ،فقد كان وفيا بعهده مستنفدا لطرق السياسة و الحيلة ما أمكن قبل إعمال السيف فلذلك تجد اليهود الذين رزحوا تحت نير العبودية على عهد القوط من أكبر المهللين للفتح الإسلامي و غيرهم من المسيحيين كثيرون من بينهم أبناء ملوك و أمراء فمما يروى أن أبناء "غيطشة" أيدوا طارق في معركته ضد لذريق و أبقى طارق على أموالهم وضياعهم وفاء منه لهم و عرفانا بأياديهم. إن قصة فتح طارق للأندلس لمما تحير له الألباب فقد أسقط بلاد الأندلس تحت قبضته و ضمها لخلافة الوليد في ظرف لا يتجاوز العام و لم يكن معه حين جاز إلى عدوة الأندلس سنة 92ه غير سبعة آلاف جندي و أمده موسى بن نصير بخمسة آلاف حين تناهى إليه خبر جيش لذريق الذي يفوق تعداده مائة ألف و لكن المقارنة بين لذريق و جيشه و طارق وجيشه توضح أسباب انتصار طارق و تفوقه… كان لذريق ملكا شجاعا لكنه ظالم مستبد كرهته العامة التي حكمها بقوة الحديد كما كرهه الأمراء ،يذكر الرواة أن يوليان والي سبتة أرسل ابنته إلى قصر لذريق و اسمها فلورندا لتعلم آداب الأمراء و طرق عيشهم جريا على عادة أسياد عصره و كانت فلوراندا بارعة الجمال لم يكد يقع بصر لذريق عليها حتى اغتصب عفافها، فبعثت إلى والدها تخبره بما حدث فأقسم أن يديل دولته متى أمكنه ذلك …هذا هو لذريق في سلمه ،و في حربه يقول عنه الفيلسوف "جيبون": و "لقد يسخر ألاريك مؤسس دولة القوط عند رؤية خلفه (ردريك) متوجا باللآلئ … متشحا بالحرير والذهب مضطجعا في هودج من العاج "هكذا يشخص لذريق لمواجهة طارق الفتى البربري الشجاع ، المحارب بالفطرة ،المندفع للموت اندفاع لذريق للهو و الملذات …. و أما جيش طارق فمعظمه من البربر الذين جازوا إلى عدوة الأندلس طلبا لأخراهم وفيهم يقول القائد المغوار موسى بن نصير… (إنهم أشبه العجم بالعرب لقاء ونجدة و فروسية و سماحة وبادية).و قد التقى الجمعان قرب قادس عند وادي لكة فكانت الغلبة لجيش المسلمين بقيادة طارق الذي لم يهزم له جيش قط و قد خلص طارق إلى لذريق وسط قواته وحرسه فقتله ،و بعد هذه المعركة الفاصلة انداح الجيش المسلم في بلاد الأندلس يفتحها مدينة مدينة وحصنا حصنا فدانت له قرطبة ومالقة وطليطلة وتقدم الفاتح طارق يتتبع فلول القوط حتى بلغ جنوبفرنسا. و كما أزاح طارق المسيحية من حكم الأندلس أزاح اللاتينية كذلك و كان فتحه من أهم أسباب انتشار اللغة العربية و تزايد الاهتمام بها من قبل المسيحيين أنفسهم يقول القس "ألفرو"القرطبي وقد هاله اهتمام بني جلدته بالعربية" إن إخواني في الدين يجدون لذة كبرى في قراءة شعر العرب و حكاياتهم و يقبلون على دراسة مذاهب أهل الدين و الفلسفة المسلمين لا ليردوا عليها وينقضوها، و إنما لكي يكتسبوا من ذلك أسلوب عربيا جميلا صحيحا و أين نجد الآن واحدا من غير رجال الدين يقرأ الشروح اللاتينية التي كتبت على الأناجيل المقدسة ". وفي سنة 93 ه اجتاز موسى بن نصير البحر نحو طارق في ثمانية عشر ألف جندي معظمهم برابرة وهنا لابد من الإشارة إلى دور البربر القوي في الفتح الذي لا يختلف فيه مؤرخان و المؤسف أن أولئك الذي يذكرون تعداد جنود البربر في جيش الفاتحين موسى و طارق، لا يتورعون عن نسبة الفتح إلى العرب فالدكتور سوادي عبد محمد الذي أفرد شخصية طارق بالتأليف ضمن سلسلة تحمل اسم "نوابغ الفكر العربي" لا يفتأ يذكر دور طارق في قيادة الجيش العربي المسلم نحو النصر. و قد نسج على نفس منواله الدكتور محمد شلبي صاحب كتاب "حياة طارق بن زياد فاتح الأندلس "و الدكتور علي حسين الشطشاط في مؤلفه "تاريخ الإسلام في الأندلس من الفتح العربي حتى سقوط الخلافة "و الدكتور حسين مؤنس الذي اعتبر الفتح في كتابه موسوعة تاريخ الأندلس ثمرة لجهاد العرب الطويل؟؟؟. والحق أن النصر كان ثمرة لجهاد البرابرة المسلمين الذين أبلوا أحسن البلاء تحت إمرة موسى وطارق (وهو رأي الذهبي الذي كان أكثر المؤرخين إنصافا) دون إنكار دور العرب و الموالي الذين صنع منهم الإسلام أمة واحدة تذوب فيها نزعة القبيلة و تتلاشى فلا يبقى منها أثر. تختلف الروايات في وصف لقاء طارق وموسى بعد انطلاق الفتح، بين قائل بأن موجدة موسى على طارق بلغت حد همه بقتله بعد ضربه و سجنه إلى قائل بأن موسى لم يتعد حدود عتاب طارق لمغامرته في بلاد لا يدري عن مجاهيلها شيئا خاصة وأن سبب فشل عقبة بن نافع قبله مرده إلى توغله بجيش صغير ظل يتناقص كلما فتح بلادا جديدة إذ كلما غادر مدينة ترك فيها حامية من جنده فكان أن انتفض عليه خصومه ووقفوا حائلا بينه وبين مقر الخلافة، و يرجح الدكتور حسين مؤنس الرأي الأخير و الذي يعضده استمرار طارق في قيادة الجيش بعيد اللقاء مع موسى من نصر إلى آخر، غير أن مسيرة القائدين ستتوقف بعد استدعاء الخليفة لهما و انتقالهما إلى دمشق. وهنا تضطرب الروايات مرة أخرى في كيفية استقبال سليمان بن عبد الملك لهما فقد ذهب مجموعة من الرواة إلى أن سليمان أهان موسى و ألجأه إلى التسول ليدفع غرامة عظيمة فرضها عليه، لأن أحلامه أرعبت خلفاء بني أمية خاصة بعد أن فكر في التوجه بجيشه نحو القسطنطينية انطلاقا من الأندلس مخترقا القارة الأوروبية برمتها و هناك من مال إلى القول بأن موسى ظل في كنف سليمان معززا مكرما إلى أن وافته المنية وهذا أقرب للسداد ،فهل يعقل في أعراف السياسة أن يلجئ الخليفة قائدا عظيما كموسى للتسول ؟ وكيف يستقيم له بعد ذلك أن يأمر فيمن يخلفه فيطاع ؟ وإذا علمنا أن ثلاثة من أولاد موسى استمروا في ولاياتهم بالمناطق التي افتتحها والدهم ولم ينزعوا أيديهم من طاعة سليمان صار الشك في هذه الأخبار أقوى و أما طارق بن زياد فلم يكن حظه في خيال بعض الرواة بأحسن من حظ قائده فقد نسجوا حوله بعد انقطاع أخباره بدمشق لدى وفوده على الخليفة الكثير من الحكايات فقيل بأن صيته وما نقله عنه مغيث الرومي إلى الخليفة حالا دون إسناد ولاية الأندلس إليه، فهو الذي إذا أمر جنده بالصلاة إلى أي قبلة شاء لا يختلفون عليه، ويكفي ذلك منه لإثارة مخاوف الخليفة فإذا أضيف إليه أن طارق يمثل موهبة عسكرية فذة قلما يجود التاريخ بمثلها فلا أقل من أن يعزل خوفا على بلاد المغرب و الأندلس من نفوذه،ومن ثم ألجأه سليمان للتسول أمام أبواب المساجد وكانت نهايته كنهاية موسى، وبالتدقيق في مثل هذه الروايات يتبين أنها مجانبة للصواب إلى أبعد الحدود فسلوك سليمان بن عبد الملك وطارق فيها لا ينسجم البتة مع شخصيتيهما. فسليمان هذا هو الخليفة العادل الذي جهز جيشا جرارا لفتح القسطنطينية وعزم ألا يعود إلى أهله حتى يتم الفتح أو يموت دونه ومات مرابطا في "دابق" وفيه قال ابن سيرين "يرحم الله سليمان افتتح خلافته بإحياء الصلاة واختتمها باستخلاف عمر بن عبد العزيز " ،وقد شهد له معاصروه بالعدل والورع فهل يستقيم ذلك وإيقاع كل هذا الظلم بفاتح عظيم كطارق ؟ ثم هل يكون طارق الأبي الشجاع من الذين تهون لديهم كرامتهم فيمدوا أيديهم أمام أبواب مساجد دمشق؟ وهل عدمت دمشق رجلا ذا مروءة يصل طارقا ويقيه مذلة السؤال؟ والراجح أن سليمان بن عبد الملك قضى نحبه مرابطا بدابق سنة 99 ه بينما توفي طارق سنة 102 ه وقيل بعد ذلك في معركة بلاط الشهداء التي حدثت سنة 114 ه، فوفاة طارق على هذا تأخرت عن وفاة سليمان، والذي خلف سليمان لم يكن غير التقي الورع "عمر بن عبد العزيز" فهل شارك عمر الذي سمي لعدله بخامس الخلفاء الراشدين في ظلم طارق وإذلاله ؟ ولماذا نسبوا لسليمان التسبب في نهايته على ذلك الوجه وقد مات بعده؟ كثير من الشوائب في قصة هذا البطل تحتاج إلى بعض من التنقية خاصة وأن المصادر الموثوقة لا تذكر شيئا ذا بال عن طارق بعد ذهابه إلى عاصمة الخلافة ولعل تلك الرواية التي تتحدث عن عودته إلى المغرب متخفيا وجوازه إلى عدوة الأندلس أن تكون أقرب إلى الصواب فهي تقدم صورة منسجمة إلى أبعد الحدود مع شخصية بطل مجازف كطارق إذ قيل أنه شارك في معركة بلاط الشهداء ومات مقاتلا مع الكتيبة التي صمدت إلى جوار عبد الرحمان الغافقي ، كانت بلاط الشهداء آخر حلم للمسلمين بالتوغل في أوربا وإذا صح أنها شهدت مصرع الفاتح العظيم طارق بن زياد فقد قيض له أن يصل بداية الفتح بنهايته. وأن يعيش النصر والهزيمة وأن يقف على أسباب كل منهما تارة وهو قائد وأخرى وهو جندي انتصر طارق وجنده حين تعلقت قلوبهم بالآخرة ونبذوا الدنيا خلف ظهورهم وحين كان الجيش كتلة واحدة لا فرق فيها بين عربي وبربري وحين قال القائد العربي موسى في إخوانه البرابرة أنهم أكثر الناس شجاعة وسماحة، لم يثنه عن قول كلمة الحق فيهم اختلاف الأعراق واللغات ما دام دينهم واحدا، وحين قدم طارقا للقيادة لكفاءته لا لشيء آخر. فلما تغير الحال وصارت الغنيمة غاية لذاتها جرت على الجيش المسلم سنن الأولين فكانت الغنيمة في بلاط الشهداء كما في "أحد" سبب الفشل والتعثر ، على أن سببا آخر انضاف إلى تعلق الجند بالغنيمة في صنع انتكاسة بلاط الشهداء لا يقل أهمية عن سابقه ،يقول الدكتور راغب السرجاني :"أمر آخر كان في جيش المسلمين وكان من عوامل الهزيمة وهو العنصرية والعصبية القبلية التي كانت بين العرب والأمازيغ(البربر) في هذه الموقعة ولقد شاهد الفرنسيون أثر هذه العصبية ووعته كتبهم"ُ ثم وظفوا ذلك الوعي في الإجهاز على الحركات التحررية بالجزائر في حقبة الاستعمار ،وكان الأساس التاريخي للظهير البربري سيء الذكر بالمغرب ،ولعل طارقا وعى كل تلك الدروس قبل أن يسلم الروح لباريها ولم يكتب له أن يدون منها شيئا فحسبه أنه مضى لشأنه كما أمر في تلك الرؤيا ،لم تثنه غنيمة ولم يفت في عضده أن يصير جنديا مهملا بعد أن كان قائدا عظيما ملء السمع والبصر، ولم يرجع به عن غايته ما شجر بين إخوانه العرب والبربر من خلاف.