يندرج البحث ضمن سلسلة تعريفية بقبائل ياث يزناسن ومميزاتهم الحضارية. ويكشف معطيات تؤرخ لمرحلة استيطان مدينة أبركان –بركان- شرق المغرب ونواحيها. وهو من إصدارات مرصد الإبداع الأدبي والعلمي والتقني ولمؤلفه الباحث عبد الله لحسايني. يطرح الكاتب تساؤلات عن سبب طمس دور اليزناسنيين في التأريخ الرسمي المكتوب، كما يرد بمعطيات موثقة عن دورهم في صد التوغل الفرنسي عن المغرب منذ حرب ايسلي وعن ضريبة الدفاع عن الوطن التي دفعوها والتي تمثلت في احتلال فرنسا لقلب السلسلة الجلية اليزناسنية ب"تفوغالت" سنة 1859، والتي اعتبرها الجنرال دومرتنبري آنذاك استردادا لهيبة فرنسا التي لطخها بنو يزناسن بالوحل. ويستمر الكاتب في الغوص في جذور الشراسة وحب الموطن لهذه القبائل الزناتية، فيخلص إلى أن اليزناسنيين والمنطقة الشرقية ككل كانوا غصة في حلق الاستعمار الروماني، حيث تنعدم الآثار الأركيولوجية الدالة على أي تواجد مستقر للدولة الرومانية الاستعمارية. كما يتحدث عن تميز ساكنة السلسلة الجبلية منذ القديم فيستحضر حضارة إنسان تفوغالت قبل 20 ألف سنة ، ويرد عن الشكوك المتعلقة بالعملية الجراحية الاولى في التاريخ بعرض تقارير لمختصين. كما يشير إلى الجانب الفني واللغوي في مجتمع بني يزناسن والذي تحتكر فيه الأمازيغية الزناتية لسان الساكنة التي لم تُعرب بعد. كما يتفرد بها الفن المحلي الموسوم بالإيقاعات الحربية لفلكلور الركادة، والذي وصل إلى العالمية مؤخرا. ولئن برز في البحث بعض الجوانب القانونية المتعلقة بالاستيطان التشريعي الذي تلا العسكري، بعد تمكن الفرنسيين من رقاب الدولة المغربية إلا أن طبع الكتاب الأساس يبقى توثيقيا وتأريخيا بامتياز. فقد أرخ بذلك لمرحلة الإنكسار التي تلت استيطان الأرض والجبل. وركز في جانب مهم منه على مرحلة الاستيطان الفرنسي وكشف عن أبعادها الإستراتيجية وخططها التكتيكية وأسسها المستقبلية. الاستيطان التشريعي استهل كتاب "أبركان تحت الاستيطان" بمقتطف من الخطاب التاريخي للعاهل المغربي بالأمم المتحدة في دورتها 69، والذي حمّل فيه جلالته الدول الاستعمارية مسؤولية الأوضاع الصعبة والمأساوية التي تعيشها الدول التي تعرضت لهيمنتها الاستعمارية. وقد جاء الكتاب تنزيلا لمضامين الخطاب السامي، حيث عرض نموذجا واقعيا لما خلفه الاستعمار الفرنسي من خراب في المجتمع المغربي وبالخصوص في منطقة بني يزناسن بنواحي مدينة بركان الحالية. وقد تعقب البحث مراحل استيطان كل من مستوطنات قشلة شراعة والسعيدية وأكليم والركادة وسيدي بوهرية وتغاسروت وغيرها، وحاول اعادة كتابة كرونولوجيا الاستيطاني انطلاقا من إحدى المستوطنات بالشويحية وكشف الخطط االتي استعان بها المستوطن للاقتحام السلسن، ومنها خطة خلق البائع و التخفي وراء النائب وعدم الحضور الشخصي إلا في حالات نادرة . لقد بعثرت فرنسا الاستعمارية النظام العقاري المغربي من أجل خلق ارتباك تشريعي يسهل لها استيطان الأرض بشكل لا يلفت الانتباه. هذا الاستيطان الذي غيّر نمط حياة اليزناسنين والمغاربة ككل، أدى إلى تشريد شريحة واسعة من المُلاك والفلاحين، الذين كانوا يُعتبرون من الطبقة الثرية . إن كتاب "أبركان تحت الاستيطان" يعطي أُسسا موضوعية لمطالبة الدولة الفرنسية بالاعتذار عن هذه المأساة، لذوي حقوق الضحايا من اليزناسنيين والمغاربة ككل. والتعويض عن الضرر، ولو عبر المساهمة في التصحيح بكشف ملابسات التفويتات التي تمت لصالح مستوطنيها، عن طريق بالتدليس والإكراه. يقول العروي واصفا حالة المغربي الذي واجه الاستيطان، قائلا: " أولم نعد نرى الفرد المغربي ، وقد جُرّد من كل ما كان يملك ماديا ومعنويا، قابعا في بيته لا يكاد يخرج إلى الشارع إلا مستحييا، ينظر إلى أرضه الضائعة نظرة المودع النادم البائس، تلك النظرة الغائرة التي كثيرا ما أثارت انتباه سوّاح القرن الماضي.