بني حذيفة.. إسم طالما ذكر في كتب التاريخ، مقترنا بالكفاح والمقاومة ونكران الذات من أجل وطن تسود فيه الحقوق والكرامة للجميع، سواء عند بداية القرن الماضي في خضم مقاومة المستعمر، أو أواخر منتصف القرن، وتحديدا خلال إنتفاضة الريف 58/59 تحت قيادة الحاج سلام أمزيان، ومن لا يعرف الحاج تهامي أحد زعماء البلدة في هاته الفترة. بني حذيفة جماعة قروية تبعد مدينة الحسيمة ب 45 كلم على الطريق الوطنية رقم 2 الرابطة بين الحسيمة وتطوان، جماعة تقطنها حاليا ساكنة تقدر ب 5594 شخص، وفقا لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط سنة 2014. تفتقد بني حذيفة في وقتنا الراهن، لأبسط شروط الحياة، لا شبكة طرق تفك عزلتها كما هو منشود، ولا خدمات صحية لساكنتها كما في الدستور، مع العلم أنها دائرة صحية لعدد من الجماعات الأخرى، ولا على باقي الخدمات التي يحتاجها شبابها كما هو مفترض. الصحة غائبة تتوفر الجماعة على مستوصف صحي شبه مهجور، بناية صغيرة وسط المركز كتب على واجهتها "المركز الصحي الجماعي لبني حذيفة مع دار الولادة" ولكن، حين تلج المركز، لا تجد ما يفيد أنه مركز صحي عمومي. سعيد أحد سكان الجماعة يقول: " الطاقم الطبي لا يحترم أوقات العمل نهائيا، كم من مرة جئت هنا ولم أجد أحدا"، بينما يقول علي: " لا نستفيد من الأدوية، في أحسن الحالات بعد أن يتم استدعاء الطبيبة التي عادة ما توجد بمنزلها تصف الدواء وتدعوني لشرائه من الصيدلية". سعيدة بدورها تقول " لم أستفد يوما من جهاز الإيكوغرافيا.. ويوم فاجأني المخاض توجهت نحو عيادة خاصة بالحسيمةالمدينة لأن بني حذيفة لا تتوفر على مولدة ولا على شروط الولادة، بالرغم من أن لافتة المركز كتب عليها دار الولادة". محمد يقول: " لا توجد بهذا المركز مداومة بالليل أصلا، يعني إذ ما داهمنا مكروه بالليل فما علينا إلا الإنتظار حتى النهار.." عثمان وهو ناشط مدني بالجماعة يقول:"المركز لا يتوفر على تقني حفظ الصحة أصلا، ما يعني أن آليات الصحة معرضة باستمرار للتلف ولا من يتكلف بصيانتها أو العناية بها.." أميمة من أسرة التعليم تضيف:" انتشرت هذه الأيام موجة مرض أصابت أغلب الأطفال، اللوزتان، الحرارة المرتفعة والقيء ... وكم هو مؤلم أن تدلف المستوصف الوحيد المتواجد داخل جماعة كبيرة كجماعة بني حذيفة، وإبنك أو إبنتك أوأي مريض من أسرتك في يدك قاصدا الدواء والشفاء، لا دواء . الطبيبة غائبة دائما، والممرضات تتردد على ألسنتهن عبارة واحدة : " لا يمكن لي أن أفعل أي شيء بدون أمر صاحبة الجلالة، القديسة الطبيبة " . هناك حلان لهذه المعضلة : 1- أن تتفضل وزارة الصحة غير مشكورة وتقفل هذا المرفق المشلول الذي لا يقدم إلا صفرا ، أو أن يبادر السكان كلهم، الى توقيع عريضة تستنكر حرمانهم من أبسط حقوقهم، ألا وهي علبة دوليبران أومضاد حيوي ( صرخة مواطنة تنتمي الى تراب بني حذيفة)". الطرق، الله إجيب. تعاني جماعة بني حذيفة من تهالك شبكة المسالك الطرقية القروية جراء عوامل التعرية و الفيضانات، بل وانقطاع هاته المسالك بشكل تام تعزل ساكنة دواويرها عن مركز الجماعة رغم ضعف خدماته المرفقية، ويقول عدد من ساكنة هاته البلدة أنهم حاولوا بشتى الطرق لفت انتباه وزارة التجهيز إلى وضعية المسالك الطرقية والطريق الإقليمية الرابطة بين جماعة بني حذيفة و جماعة زاوية سيدي عبد القادر ومن ثمة باقي الجماعات الأخرى بجبل حمام، إلا أن جميع صرخاتهم قوبلت بالصمت الرهيب. ومن بين المسالك التي وقع بشأنها سكان الجماعة عريضة جماعية بهدف إستصلاحها، المسلك الرابط بين جماعة بني حذيفة ومجموعة من الدواوير الأخرى كدوار إحدوثا، وإهارونن، وتيزمورين وغيرها..وهو المسلك المعروف بطريق محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي أضحى يستعصي حتى على الراجلين..إلا أن المجالس المتعاقبة على تدبير الشأن العام بالجماعة لم تفعل شيئا و لا وزارة التجهيز معها. لتبقى دواوير الجماعة في عزلة تامة خصوصا خلال فصول الشتاء. الهجرة.. فعلت فعلتها وجراء غياب الخدمات المرفقية وضعف النشاط الفلاحي خاصة وأن الجماعة بدواويرها تقع في منطقة صعبة التضاريس، وأمام شح السماء يلجأ سكانها إلى الهجرة على نحو مخيف، بحيث أن الجماعة تناقص عدد سكانها خلال العقدين الأخيرين بشكل ينم على أن أهلها سينقرضون خلال العقود القليلة المقبلة، وبالأرقام، حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، فإن سكان الجماعة تناقص عددهم خلال العقدين الأخيرين فقط ب 1202 شخص، في الوقت الذي كان من المفترض بعد مضي 20 سنة أن يكون تعداد الساكنة قد تضاعف. وتشير إحصائيات أحمد الحليمي لسنة 1994 إلى تعداد سكاني قدر ب 6796 شخص، وفي سنة 2004 تراجع إلى 6382 شخصن ليتواصل التراجع خلال سنة 2014 إلى 5594 شخص. وحسب أهالي الجماعة، فإن أغلبية السكان تفضل الهجرة نحو مدن أخرى كطنجة وتطوان والرباط و الدارالبيضاء فضلا عن الخارج، هروبا من جحيم غياب وضعف خدمات الدولة بالجماعة وتجاوزات بعض رجال السلطة بالمنطقة. وفي غياب لأي تنمية فعلية من خلال برامج تنموية تقلع بالجماعة وتحسن من مستوى الحياة العامة بها، وفي ظل التكالب على ميزانياتها في صفقات مشبوهة وخذلان المجالس الجماعية بها وضعفها في مواجهة الفقر الزاحف على أهاليها، يبقى صدى صرخات أهلها يرن في آذان من مر يوما منها أوعاش فيها، كابوسا مستمرا في الزمن، إلى أن تتحمل كل الأطراف المعنية مسؤوليتها.