من تابع عن كثب زحف سيل الأنباء المتناسلة، بخصوص الرجّة الإنتخابية على مستوى بلدية الناظور، منذ الرابع من شتنبر الجاري وإلى حدود الآن، متبيّناً في الحين ذاته للخيط الناظم فيها بين الأحداث التي سرت على وتيرة متسارعة تكاد لا تدع للمراقبين حيّزاً للربط والتمحيص والتحليل من أجل تكوين صورة واضحة المعالم عن تشكّل ملامح الخارطة السياسية المتمخضة في مرحلتها الجنينية، لا شكّ أنّه سيتوقف عند بعض الأسماء التي لم يكن يُتوقع أن تمسك زمام الأمور من ناصيتها لتوجيه دفّة حركيتها رغما عن عدّة إعتبارات موضوعية من شأنها جعل صاحبها في موقع ضعف وليس موقع قوّة على الإطلاق. عبد القادر مقدّم عن حزب العدالة والتنمية، وأحد أعضاء المجلس البلدي المنقضي الولاية، يصدق عليه القول رجل الكولسة بإمتياز، أي يشتغل خلف الكواليس، أكثر منه رجل سياسة، حسب العارفين به، وكما إستشف الجميع مؤخراً في تعاطيه مع مأزق اِستعصاء تشكيل التحالفات الحزبية، فبالرغم من حرصه على عدم الظهور إعلاميا، بالنظر إلى الطبيعة الشخصية للرجل، إلاّ أنّه إستطاع التحكّم في زمام أمور التحالفات وتغليب الكفّة لصالحه في الوقت الذي كانت فيه الأمور تتملص من يدي سلميان حوليش ويُسحب من تحت أرجله البساط، من طرف غريمه سعيد الرحموني الذي لجأ إلى قادة المركز لرمي الكرة في ملعبهم، مع أن السؤال الذي يثار في هذا الصدد لماذا تقاعس إلياس العماري القيادي النافذ بحزب البام، عن التدخل دعما لوكيل حزبه سليمان حوليش منذ بدء الحملة الإنتخابية وإلى حين لاحت الساحة بمأزق التحالفات، على غرار نظرائه في الأحزاب الأخرى؟ سليمان حوليش بدا على نحوٍ جلي منذ البداية، وكأنه في موقف ضعف، في ظلّ غياب الدعم اللوجيستي من قادة حزب المركز، رغما عن التغوّل الذي حاول الظهور به وسط الساحة على المستوى الجماهيري والشعبي، وكذا الهالة الإعلامية المرافقة لحملاته، بيد أنّ أمر عقد التحالفات كانت متعذرة عليه إمساك زمامها وسط هذه الإعتبارات والشروط، مما وصلت الأمور إلى النفق المسدود، إذ إلى هنا قام الرجل بكلّ ما كان يُفترض عليه القيام به، ما تبدّى في لحظة من لحظات الصراع حول رئاسة البلدية، كون حوليش إكتفى بأخذ موقع المتفرج على ما ستؤول إليه نتائج المعركة، لإنعدام تأثيره في مجريات الصراع وتحويل دفّتها لصالحه، أمام سعيد الرحموني ذات الكعب العالي في الميدان السياسي الذي أفلح في زعزعة فكرة ضمان الرئاسة المترسخة لدى خصومه، وتأليب الرأي العام المحلي ضدّ غريمه قبل الإجهاز على حظوظه التي اُعتبرت أوفر في الظفر بالمنصب الشاغر، إلى أن يبادر رجل الكواليس عبد القادر مقدّم إلى أخذ المبادرة التي قصمت ظهر التحالف القوي القائم على الأخطبوطية السياسية للعائلات. والآن، وبصيغة لعلها أكثر سداداً، إذا إعتلى وكيل لائحة حزب الأصالة والمعاصرة سليمان حوليش، كرسي القصر البلدي، فإن الفضل يعود بالأساس ولا ريب، إلى وكيل لائحة العدالة والتنمية عبد القادر مقدّم، الذي رمى بسهامه ليصيب كبد الهدف، قالباً بذلك الموازين في آخر لحظة لا تفصلها عن أول إجتماع لأعضاء المجلس المنتخب سوى أيام معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، حيث نجح في لملمة شمل بوتقته المنتخبة بلون البيجيدي، ولا أحد إلى الحين مطلع على مضمون الحوار الذي أجراه مقدّم مع عبد الإله بنكيران كبير البيجيديين، ليمنح الضوء الأخضر له لإنشاء التحالف مع حزب الجرار، دونما إقامة أيّ إعتبار لتدخلات على المستوى الرفيع لقادة الأحزاب الأخرى المشكلة لأطراف النزاع على صعيد بلدية الناظور، وحَسمَ بالتالي مُقدّم المعركة لصالح حوليش الذي صرّح في إحدى مهرجاناته الخطابية إبان الحملة الدعائية، أنّ وكيل البيجيدي الأول تعهد إليه بالتزكية على الرئاسة، وهو ما تمّ فعلاً، وهكذا يكون مقدّم قد قاتل بكاريزما سياسية لكي لا ينكث العهد..