ردا على ملف العدد 408 الذي أعده هشام ناصر أسبوعية الوطن الآن، العدد 411 فكري الأزراق [email protected] www.fikrielazrak.tk قد يستغرب القارئ من غلاف العدد 408 من أسبوعية "الوطن الآن" المعنون ب : "ميلاد الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف : ابتزاز أو سعي للإنفصال" والذي أعده الصحفي هشام ناصر، ذلك أن القارئ البسيط الذي يفك بالكاد طلاسم الحروف الأبجدية سيستغرب من حديث الصحفي عن المواجهات بين المتظاهرين وقوات القمع المخزنية، التي حدثت ب "بوكيدارن" وربطها بمشروع الحركة، وبالإنفصال في الوقت الذي لم يُوجه فيه ولو نصف سؤال عن الأحداث المذكورة للذين قام باستجوابهم في الملف المذكور، ذلك أن التقديم الذي استهل به معد الملف تحليله، تسائل عن الخلفيات السوسيوسياسية لأحداث "بوكيدارن" وهو ما يفرض عليه –من زاوية المعالجة الصحفية المهنية- أن يوجه أسئلته إلى المعنيين بالأمر، وهم أصحاب مشروع الحكم الذاتي للريف، وهو ما لم يتم نظرا لكون الصحفي أعد ملفه قبل أزيد من شهر من اندلاع أحداث بوكيدارن ، وحاول الربط بين الأمرين فقط لتلطيخ صورة الحركة دون الأخذ بعين الإعتبار المسافة الزمنية بين هذا وذاك. إنه من منطق التعاطي الإعلامي الجاد والمسؤول، احترام المسافة الزمنية والسياسية والمكانية الفاصلة بين مختلف أنواع الأحداث سواء ذات الخلفية الإجتماعية كما حدث في بوكيدارن، أو غيرها من الأحداث المتسلسلة على أرض الواقع السياسي الريفي، وبالتالي لا يمكن ،وفق شروط وأخلاقيات مهنة المتاعب، الخلط العَمدي بين ملف حول قضية سياسية استراتيجية بالنسبة للريف وللمغرب أعده صاحبه قبل أزيد من شهر من اندلاع أحداث اجتماعية بسيدي بوعفيف، بوكيدارن، وبين هذه الأخيرة وأحداث وقعت بمدينة العيون بعد أسابيع من إعداد الصحفي لملفه، وهو الملف الذي لم ينشره في وقته لأسباب تخص إدارة الأسبوعية، والذي –أي الملف- حاول صاحبه ملائمته مع أحداث تسلسلت في المسافة الزمنية التي أعقبت إنجازه وهو ما يعني من ضمن ما يعنيه أن صاحب الملف كان يبحث منذ البداية عن طرق تمكنه من رسم صورة همجية، تعصبية، للحركة من أجل الحكم الذاتي للريف التي حملت مشعل الدفاع عن منطقة عانت كثيرا نتيجة سياسة الدولة الجاكوبينية المركزية. "ما وقع بالحسيمة، هل هو، أيضا، مقدمة للزج بالمنطقة في دوامة من العنف والإضطرابات، خاصة أن صدى ما وقع في العيون لم يهدأ حتى اليوم، وما زال الحطب يتهاطل على نيران الأزمة بالصحراء من كل جانب" هكذا يتحدث هشام ناصر عن مقدمة لعنف افتراضي تقوم به الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف، لا يوجد إلا في مخيلة صاحب الملف، فقراءة سريعة لجغرافية الأحداث المذكورة، تفند "ادعاءت الصحفي" وهنا لا بد من تسجيل الملاحظات التالية : 1- المواجهات بين المتظاهرين الريفيين وقوات القمع المخزنية، حدثت جراء إفراغ عائلة فقيرة من مسكنها، الشيء الذي دفع أصحاب الضمائر الحية إلى التضامن مع أسرة صغيرة تؤكد كل المعطيات المتطابقة أنها متضررة، وإقحام مشروع الحكم الذاتي في هذه الواقعة ليس بريئا، ويهدف إلى صب المزيد من الزيت على نيران الأزمة السكنية والإجتماعية الحادة التي تعرفها منطقة الريف. 2- الأحداث الإجتماعية التي هزت بلدة بوكيدارن الهادئة، لم يشارك فيها أي شخص محسوب على الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف، والربط بين هذا وذاك من منظور أحادي إقصائي غير مقبول في اللعبة الديموقراطية المتعارف على قواعدها كونيا، والحالة هاته منظور صحفي يتشدق بالنزاهة، وهو ما يجعل هذا الأخير أقرب إلى شخص سلطوي يرمي بالتهم المجانية على عواهنها، منه إلى الصحفي المهني الباحث عن الحقيقة مهما كان الثمن. 3- ربط الأحداث الإجتماعية بمشروع سياسي ريفي دون مراعاة قواعد وشروط الربط بين الرابط والمربوط، يعطي الإنطباع بأن صاحب الربط، الصحفي في هذه الحالة، لم يستطع أن يخرج بعد من القالب الجاهز لدولة المخزن المغربية، ولم يستطع أن يميز بين الصورة النمطية للريفيين لدى المركز وبين الحقائق والأشياء الملموسة التي شاهدها بعينيه أثناء زيارته للمنطقة، ذلك أنه –أي الصحفي- حاول تمرير صورا نمطية للريف والريفيين (ريف التمرد، الإنفصاليين،...الخ)، وهي نفس الصور التي أنتجها المخزن المركزي للإنتقام من منطقة احتضنت أكبر حركة تحررية في العالم، والتي –أي الصور النمطية- تناقض أفق الإحتجاج والإنتفاض بالريف على مر التاريخ، فالأخيرة كانت دائما من أجل التوزيع العادل للسلطة والثروة، ومن أجل العدالة الإجتماعية. يقدم الصحفي في تحليله معطيات متناقضة لا يستطيع العقل السليم أن يستوعبها، فهو يتحدث، من جهة، عن استعداد الريفيين لتأسيس حزب سياسي ريفي جهوي، رغم الخلط الذي وقع فيه سواءا عن قصد أو دونه، فحين تقول الحركة من أجل من الحكم الذاتي للريف بأنها تدافع عن حق الجهات في أن تكون لها أحزاب وتدعو إلى إحداث تجارب حزبية جهوية، لا تقصد أن تتحول إلى حزب سياسي ريفي، ومن جهة ثانية يتحدث عن النزوعات الإنفصالية للحركة بقوله : "فضلا عما يثار من هواجس من طرف بعض الأحزاب الوطنية بخصوص اختفاء قياديي الحركة وراء شعار الدفاع عن مصالح الريف من أجل تمرير أفكار شوفينية ومواقف انفصالية لا ترى في الدولة إلا دعامة تاريخية لأعداء الريف" ، ولنتسائل سذاجة مع صاحب التحليل : إذا كانت الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف لديها نزعات انفصالية فلماذا ستحتاج إلى ذراع سياسي حزبي الذي "سيكون من مسؤوليته تحمل أعباء المطالبة بتمتيع الريف بحكم ذاتي موسع" ؟ ولو كانت الحركة انفصالية و "لا ترى في الدولة إلا دعامة تاريخية لأعداء الريف" هل كانت ستطالب يوما بتعديل قانون الأحزاب السياسية للسماح بظهور الأحزاب الجهوية على غرار كل البلدان التي خطت خطوات كبيرة جدا في الديموقراطية المحلية والتسيير الذاتي؟ وهل من المنطقي أن تبحث عن آليات قانونية ، وفق ما يسمح به القانون المغربي، للدفاع عن مشروعها الفكري والسياسي، الذي يهدف إلى تقرير مصير الريف اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وسوسيواجتماعيا؟ وهل يعقل أن تكون حركة سياسية ريفية تبذل مجهودات على قدم وساق للدفع بالمسلسل الديموقراطي المتعثر إلى الأمام، وبالتالي دمقرطة وتحديث الدولة، أن تكون انفصالية؟ للحركة من أجل الحكم الذاتي للريف أهداف ومطالب واضحة، وعلى رأس هذه الأهداف التأسيس للعمل السياسي الجهوي، وتجاوز التبعية المفرطة للمركز، والمساهمة، بمعية القوى الديموقراطية الحداثية، في بناء دولة المؤسسات، لأجل الإنخراط في التاريخ بشكل ليس بالضبط شكل الدولة المركزية، ولا تريد حركتنا الفتية أن تركن إلى هامش التاريخ للأبد، أما ربط الصحفي مع النزوعات الإنفصالية وتواجد أعضاء الحركة في بلدان أوروبا الغربية فهو محاولة أيضا غير بريئة للإصطياد في الماء العكر، فالأشخاص المتواجدون بأوروبا الغربية هم ريفيون يحملون معهم مشاكل موطنهم ومسقط رأسهم أينما حلو وارتحلو، فإذا كان لكل الناس وطن يعيشون فيه فنحن لنا وطن يعيش فينا. أما عن تواجدهم بأوروبا الغربية، فهي سياسة الدولة المخزنية التي نهجت التهجير القسري والتعسفي في حق أبناء الريف بهدف إفراغ المنطقة من طاقاتها، فهل تم توفير بدائل للريفيين تسمح لهم بالإستقرار في وطنهم الأصلي حتى لا يسيرون أفواجا في مفازات المنفى وبحار التيه الجماعي حتى تحولوا إلى لاجئين دون صفة لاجئين؟ وهل من المنطقي أن يحاسب أبناء الريف بسبب تواجدهم في بلاد المهجر بعد أن ضاقت بهم السبل في وطنهم ليقرروا الهجرة بعيدا لاجترار يأسهم؟ ومن جهة أخرى يتحدث الصحفي عما أسماه ب "العزلة الخانقة" التي تعيشها الحركة، مما جعلها تقوم ب "مد جسور التواصل مع جماعة العدل والإحسان"، وفق ما كشفته "مصادر "الوطن الآن" بحركة المطالبة بالحكم الذاتي للريف"، وهذا معطى من بين معطيات أخرى لا وجود لها في أرض الواقع، وإيراده بهذا الشكل غير بريء، إذ أن المرجعية الفكرية للحركة من أجل الحكم الذاتي للريف، التي هي جزء من الحركة الأمازيغية في بلاد ثامزغا ،شمال أفريقيا، تتعارض على طول الخط مع المرجعية العربوإسلاموية لجماعة الشيخ ياسين، وتوظيف المعطى الذي استقاه الصحفي من مصادره بالحركة –رغم الإمكانية المتاحة لنا للتساؤل حول مصادر الصحفي، حيث لا يمكن أن يدعي أي كان أنه منتمي للحركة- يهدف إلى محاولة فك الإرتباط بين الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف والحركة الأمازيغية الحاملة لمشعل الحداثة، وذلك عن طريق "توريط" حركة الحكم الذاتي مع الجماعة الإسلامية الحاملة لمشعل العروبة والإسلام، وبالتالي محاولة "إضعاف" الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف، والتقليص من حدة تأثيرها وتجذرها في الأوساط الشعبية. وعن الشق المتعلق بإستفادة الحركة من التجارب الدولية الناجحة على مستوى التسيير الذاتي، يتحدث الصحفي عما أسماه ب "التماهي مع تجارب خارجية لا تتوافق مع الخصوصيات الثقافية للريف" دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن القواسم المشتركة بين الريف كمنطقة جغرافية وسكانية تمر حاليا من ظروف تشبه كثيرا الظروف التي مرت منها العديد من المناطق في البلدان الديموقراطية الحداثية وآخرها منطقة كاطالونيا بالجارة الإيبيرية التي لا تبعد عنا إلا ب 14 كلم، دون الحديث عن القيم الكونية المتعارف عليها عالميا التي نهلت منها كل التجارب التي تستحضرها الحركة في مشروعها، وتعتبر الأعراف الأمازيغية مرجعا مهما في مشروع الحركة نظرا لإستيعابها للقيم الإنسانية والكونية المشتركة، وهي القيم التي كانت غائبة شيئا ما عن مجتمعنا الأمازيغي الريفي من قبل بسبب إشاعة ثقافة "العروبة والإسلام" فقد كان لتغييب العرف الأمازيغي من المرجعية القانونية لدولة ما بعد الإستقلال، والإحتفاظ بالقانون الفرنسي والشريعة الإسلامية أثر على فهم الريفيين لإشكالية الخصوصي والكوني في القوانين والقيم، حيث لم يستطيعوا أن يلمسوا مدى التقارب الموجود بين الأعراف الأمازيغية، والقيم الكونية المتعارف عليها عالميا، وخاصة في المجالات والقضايا التي تبدو فيها الشريعة بعيدة عن الإنسجام مع تلك القيم، مما خلق صعوبة في إشاعة ثقافة حقوق الإنسان بالريف وبالمغرب عموما، بسبب نشاط التيار السلفي الذي لم يجد صعوبة كبيرة في ترسيخ فكرة وجود حقوق دينية خصوصية بدل حقوق الإنسان العالمية.