يواجه بعض الأطفال عدة صعوبات في التعلم وجود مشكلة في التحصيل الأكاديمي "الدراسي" في مواد القراءة / أو الكتابة / أو الحساب، وغالبًا ما يسبق ذلك مؤشرات، مثل عدم تمكنه من تعلم اللغة الشفاهية "المحكية"، فيظهر الطفل تأخرًا في اكتساب اللغة، مرده إلى مشاكل نطقية يعاني منها، وينتج ذلك عن صعوبات في التعامل مع الرموز. حيث أن اللغة هي مجموعة من الرموز "أصوات كلامية وبعد ذلك الحروف الهجائية" المتفق عليها بين متحدثي هذه اللغة والتي يستخدمها المتحدث أو الكاتب لنقل رسالة "معلومة أو شعور أو حاجة" إلى المستقبل، فيحلل هذا المستقبل هذه الرموز، ويفهم المراد مما سمعه أو قرأه. فإذا حدث خلل أو صعوبة في فهم الرسالة دون وجود سبب لذلك "مثل مشاكل سمعية أو انخفاض في القدرات الذهنية"، فإن ذلك يتم إرجاعه إلى صعوبة تعلم هذه الرموز، وهو ما نطلق عليه صعوبات التعلم. إذن الشرط الأساسي لتشخيص صعوبة التعلم هو وجود تأخر ملاحظ، مثل الحصول على معدل أقل عن المعدل الطبيعي المتوقع مقارنة بمن هم في سن الطفل، وعدم وجود سبب عضوي أو ذهني لهذا التأخر "فذوي صعوبات التعلم تكون قدراتهم الذهنية طبيعية". وطالما أن الطفل/ الطفلة لا يوجد لديه مشاكل في القراءة والكتابة، فقد يكون السبب أنه بحاجة إلى تدريب أكثر حتى تصبح قدرته أفضل، وربما يعود ذلك إلى مشكلة مدرسية، وربما "وهذا ما أميل إليه" يكون هذا جزء من الفروق الفردية في القدرات الشخصية، فقد يكون الشخص أفضل في الرياضيات منه في القراءة أو العكس. ويعتقد أن ذلك يرجع إلى صعوبات في عمليات الإدراك نتيجة خلل بسيط في أداء الدماغ لوظيفته، أي أن الصعوبات في التعلم لا تعود إلى إعاقة في القدرة السمعية أو البصرية أو الحركية أو الذهنية أو الانفعالية لدى الفرد الذي لديه صعوبة في التعلم، ولكنها تظهر في صعوبة أداء هذه الوظائف كما هو متوقع. ورغم أن ذوي الإعاقات السابق ذكرها يظهرون صعوبات في التعلم، ولكننا هنا نتحدث عن صعوبات التعلم المنفردة أو الجماعية، وهي الأغلب التي يعاني منها الطفل. وتشخيص صعوبات التعلم قد لا يظهر إلا بعد دخول الطفل المدرسة، وإظهار الطفل تحصيلاً متأخرًا عن متوسط ما هو متوقع من أقرانه ممن هم في نفس العمر والظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية حيث يظهر الطفل تأخرًا ملحوظًا في المهارات الدراسية من قراءة أو كتابة أو حساب. وتأخر الطفل في هذه المهارات هو أساس صعوبات التعلم، وما يظهر بعد ذلك لدى الطفل من صعوبات في المواد الدراسية الأخرى يكون عائدًا إلى أن الطفل ليست لديه قدرة على قراءة أو كتابة نصوص المواد الأخرى، وليس إلى عدم قدرته على فهم أو استيعاب معلومات تلك المواد تحديدًا. ويرى العديد من علماء نفس الطفل أن صعوبات التعلم هي علم جديد، يعتبر من أنواع الإعاقة الخفية - المستترة، قد يجهل الكثيرون وجوده، مع العلم أنه موجود بشكل كبير في المجتمع، ويجب على الوالدين معرفة كيفية التعامل مع أطفالهم إذا كانوا يعانون من هذه الصعوبات واستشارة تربويين واختصاصيين خصوصا وأن الطفل الذي يعاني من هذه الصعوبات يحتاج إلى معاملة من نوع خاص. وإدراك الوالدين للصعوبات أو المشكلات التي تواجه الطفل منذ ولادته هام جدا حيث يمكن علاجها والتقليل من الآثار السلبية الناتجة عنها. ورغم أن هذه المشكلة تزعج الأهل أو المعلمين في المدرسة العادية، فإن التعامل معها بأسلوب العقاب قد يفاقم المشكلة، لأن إرغام الطفل على أداء شيء لا يستطيع عمله يضع عليه عبئًا سيحاول بأي شكل التخلص منه، وهذا ما يؤدي ببعض الأطفال الذين لا يتم اكتشافهم أو تشخيصهم بشكل صحيح للهروب من المدرسة "وهذا ما يحدث غالبًا مع ذوي صعوبات التعلم أيضًا إذا لم يتم تشخيصهم في الوقت المناسب". ويصنّف الدكتور عبد الله محمد الصبي، أخصائي طب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة إلى نوعين: الأولى: صعوبات التعلم النمائية Devel-pmental Learning Disabilities، وهي الصعوبات التي تتعلق بالوظائف الدماغية، وبالعمليات العقلية والمعرفية التي يحتاجها الطفل في تحصيله الأكاديمي، وقد يكون السبب في حدوثها اضطرابات وظيفية تخص الجهاز العصبي المركزي، ويقصد بها تلك الصعوبات التي تتناول العمليات ما قبل الأكاديمية، التي تتمثل في العمليات المعرفية المتعلقة بالانتباه والإدراك والذاكرة والتفكير واللغة، والتي يعتمد عليها التحصيل الأكاديمي، وتشكل أهم الأسس التي يقوم عليها النشاط العقلي المعرفي للفرد. والصنف الثاني هو صعوبات التعلم الأكاديمية : Academic Learning Disabilities، ويقصد بها صعوبات الأداء المدرسي المعرفي الأكاديمي، والتي تتمثل في القراءة والكتابة والتهجئة والتعبير الكتابي والحساب، وترتبط هذه الصعوبات إلى حد كبير بصعوبات التعلم النمائية. عقبة في طريق النجاح يقول د. بطرس حافظ بطرس مدرس برياض الأطفال في جامعة القاهرة إن مجال صعوبات التعلم من المجالات الحديثة نسبيا في ميدان التربية الخاصة، حيث يتعرض الأطفال لأنواع مختلفة من الصعوبات تقف عقبة في طريق تقدمهم العلمي مؤدية الى الفشل التعليمي أو التسرب من المدرسة في المراحل التعليمية المختلفة اذا لم يتم مواجهتها والتغلب عليها. والأطفال ذوو صعوبات التعلم أصبحت لهم برامج تربوية خاصة بهم تساعدهم على مواجهة مشكلاتهم التعليمية والتي تختلف في طبيعتها عن مشكلات غيرهم من الأطفال. وقد حددت الدراسة التي قام بها د. بطرس حافظ مظاهر صعوبات التعلم لطفل ما قبل المدرسة في عدة نقاط: من حيث الادراك الحسي: فإنه مثلا قد لا يستطيع التمييز بين أصوات الكلمات مثل[ اشجار اشجان، سيف صيف، ولا يركز أثناء القراءة، مشكلة اكمال الصور والاشكال الناقصة والعاب الفك والتركيب، قد لا يستطيع تصنيف الأشكال وفقا للون أو الحجم أو الشكل أو الملمس، قد لا يستطيع التركيز علي ما يقال له أثناء تشغيل المذياع أو التليفزيون وقد يكون غير قادر على التركيز على ما يقوله المعلم بالفصل. من حيث القدرة على التذكر، يأخذ فترة أطول من غيره في حفظ المعلومات وتعلمها كحفظ الألوان وأيام الاسبوع: فلا يستطيع تقديم معلومات عن نفسه أو أسرته، وقد ينسى أدواته وكتبه أو ينسى أن يكمل واجباته، و قد يقرأ قصة ومع نهايتها يكون قد نسي ما قرأه في البداية. كما تظهر صعوبات التعلم من حيث التنظيم، تظهر غرفة نومه في فوضى ولا يسعى لترتيبها، عندما يعطى تعليمات معينة لا يعرف من أين وكيف يبدأ. وقد يصعب عليه تعلم وفهم اليمين واليسار، فوق وتحت وقبل وبعد، الأول والآخر، الأمس واليوم. إضافة إلى عدم ادراكه مدى مساحة المنضدة وحدودها فيضع الأشياء على الطرف مما يسبب وقوعها كذلك اصطدامه بالاشياء واثناء الحركة. وقد يكون أكثر حركة أو أقل حركة من غيره من الأطفال أما من حيث اللغة فقد يكون بطيئا في تعلم الكلام أو النطق بطريقة غير صحيحة "ابدال حروف الكلمة". وقد يكون متقلب المزاج ورد فعله عنيفا غير متوافق مع الموقف فمثلا يصيح بشكل مفاجئ وعنيف عندما يصاب بالاحباط. وقد يقوم بكتابة واجباته بسرعة ولكن بشكل غير صحيح أو يكتبها ببطء دون إكمالها. أما بخصوص أعراض ضعف التركيز فتظهر مصاحبة مع فرط النشاط أو الخمول الزائد، وتؤثر مشكلة ضعف التركيز بشكل واضح على التعلم، حتى وإن كانت منفردة، وذلك للصعوبة الكبيرة التي يجدها الطفل في الاستفادة من المعلومات، بسبب عدم قدرته على التركيز على الفترة المناسبة لاكتساب المعلومات. ويتم التعامل مع هذه المشكلة بعمل برنامج تعديل سلوك. مشكلة ثقة أشارت دراسة أعدتها الدكتورة معصومة أحمد ابراهيم أستاذة علم النفس الى أن اضطراب الانتباه يظهر عادة عقب الولادة وتتحدد ملامحه بصورة أوضح عند التحاق الطفل بالمدرسة التي تحتاج الى نظام وتركيز واستقرار فتظهر الأعراض المصاحبة لهذا الاضطراب في الجوانب السلوكية والانفعالية. وأوضحت الدراسة المنشورة في مجلة "دراسات عربية" في علم النفس الصادرة في جمهورية مصر العربية أن أعراض مشكلة قصور الانتباه تتمثل في عدم قدرة الطفل على التركيز في المنبهات المختلفة لفترة طويلة بسبب صعوبة متابعته للتعليمات أثناء أداء الأعمال التي يكلف بها. وأكدت الدكتورة معصومة ابراهيم في دراستها أن الأطفال الذين يعانون من هذه المشكلة يتسمون بالضعف في القدرة على التفكير مما يؤدي الى زيادة أخطائهم علاوة على اندفاعهم وحركتهم المفرطة بصورة عشوائية دون سبب أو هدف واضح ما يسبب صعوبات في التعلم والتأخر الدراسي. وربطت بين قصور الانتباه وصفة الاكتئاب كسمة شخصية لدى بعض الأطفال والتي أوضحت أيضا ميل الذكور الى الكآبة أكثر من الاناث حيث حصلوا على درجات مرتفعة في متغيرات التشاؤم وضعف التركيز وعدم الشعور بالثقة وشعورهم بالوحدة وانخفاض تقدير الذات وهي المتغيرات المستخدمة في الاستبيان الخاص بالعينة محل الدراسة. فالطفل الذكر على حد تعبير الباحثة يكون في العادة أكثر حساسية وقابلية للتأثر بالضغط الاجتماعي بسبب وجود فجوة بين ما يتوقعه الوالدان من الطفل وبين ما يستطيع أن يؤديه بالفعل مما يؤدي ذلك إلى شعوره بعدم الثقة في ذاته وقدرته. التشتت الذهني يؤكد د. بطرس حافظ بطرس أن صعوبات التعلم تعد من الإعاقة التي تؤثر في مجالات الحياة المختلفة وتلازم الإنسان مدى الحياة وعدم القدرة على تكوين صداقات وحياة اجتماعية ناجحة وهذا ما يجب أن يدركه الوالدان والمعلم والاخصائي وجميع من يتعامل مع الطفل. فمعلم الطفل عليه أن يعرف نقاط الضعف والقوة لديه من أجل اعداد برنامج تعليمي خاص به الى جانب ذلك على الوالدين التعرف على القدرات والصعوبات التعليمية لدى طفلهما ليعرفا أنواع الأنشطة التي تقوي لديه جوانب الضعف وتدعم القوة وبالتالي تعزز نمو الطفل وتقلل من الضغط وحالات الفشل التي قد يقع فيها. ويعد التشتت الذهني من أبرز الأسباب المؤدية إلى صعوبات التعلم، ويرى بعض الأطباء ان التشتت الذهني مرض يصيب الأطفال، وان وراء هذا المرض مشاكل نفسية واجتماعية، فيما يرى آخرون ان سببه تناول أنواع معينة من الأغذية. وتشير البحوث الطبية والنفسية ان الطفل يمكن ان يعد مريضاً بالتشتت الذهني عندما تظهر عليه علامات سوء السلوك وارتباك التصرف في مواقف عدة مختلفة وعلى امتداد بضعة أشهر. ويعاني الطفل الذي يصاب بالتشتت الذهني من صعوبات في التعلم ليس بسبب عجزه أو ضعف ذكائه، بل لعدم قدرته على التركيز على الدروس، واذا ما استطاع ان يركز أطول مدة ممكنه في الصف "الفصل الدراسي" فإنه يشكو احياناً من القلق والصداع والشعور المستمر بالعطش ، ومن المحتمل انه يعاني من الاصابة بالرشح الموسمي بشكل أكثر من أقرانه أو يكون مهيأ للاصابة بالربو. ومن الأعراض التي تبدو واضحة على هؤلاء الأطفال ممن يصابون بالتشتت الذهني انهم قليلو النوم وقد يضطرب اكلهم ويصابون بتقيؤ او اجترار الطعام. وبالنسبة إلى حل مشكلات هذه الصعوبات، ففيما يتعلق بالقدرة على التذكر، يجب على الوالدين أن يتأكدا من أن أجهزة السمع لدى طفلهما تعمل بشكل جيد، وعليهما أن يدعاه يلعب ألعابا تحتاج الى تركيز وبها عدد قليل من النماذج ثم زيادة عدد النماذج تدريجيا. وفي نهاية اليوم أو نهاية الرحلة أو بعد قراءة قصة يدعوان طفلهما إلى تذكر ما مر به من أحداث. وأن يتأكدا أنه ينظر الى مصدر المعلومة المعطاة ويكون قريبا منها أثناء إعطاء التوجيهات كالنظر الى عينيه وقت اعطائه المعلومة. ويجب تعليم الطفل مهارات الاستماع الجيد والانتباه، ومحاولة استخدام مصطلحات الاتجاهات بشكل دائم في الحديث مع الطفل أمثال فوق، تحت، ادخل في الصندوق. ولحل المشاكل المتعلقة بالادراك البصري يجب التحقق من قوة إبصار الطفل بشكل مستمر بعرضه على طبيب عيون لقياس قدرته البصرية. وبخصوص مشاكل القدرة على القراءة، يجب التأكد من أن ما يقرؤه الطفل مناسبا لعمره وامكانياته وقدراته واذا لم يحدث يجب مناقشة معلمه لتعديل المطلوب قراءته. وقد يتساءل العديد هل تستوجب هذه الصعوبات هناك حلول دوائية؟ إلا أنه يجب الاعتراف بأن الاتجاه السائد في علاج هذه الصعوبات هو الاتجاه " التأهيلي " فقط دون أي مشاركة دوائية. غير أن بعض الأطفال من جهة وبعض المدارس الطبية - العصبية - من جهة أخرى تطرح مشاركة دوائية في الخطة العلاجية لهؤلاء الأطفال