إن أوجه الاختلاف بين ما جرى ويجري من حراك وعراك داخل بعض الملاعب العربية والمغرب، يتجسد أساسا في نوعية الوسائل وطبيعة اللاعبين ونوعية الحكام والمراقبين والجمهور. وهي أمور لها وقعها وآثارها البارزة بعد نهاية كل شوط من أشواط تلك المباريات حامية الوطيس، ويمكن لأي كان أن يستقيها بمعاينة سريعة ومجردة للضحايا والتغييرات التي واكبت وتواكب الحراك. والقول أن المغرب يشكل استثناء أو أن الحكومات المتعاقبة على تدبير شؤونه، حدت من خطورته بما حققته من إنجازات لا يراها إلا المهللين بها، هو قول خاطئ. وتفسير خارج النص الحقيقي. فالمصريون مثلا يدركون حق الإدراك أن بلدهم خلقت لتكون جمهورية، عاشت تقتات من أنظمة عسكرية صرفة، تستمد قوتها من توافقات بعض النخب ودعم الحلفاء الأمريكيين وغيرهم. وإسقاط هذا الرئيس ورفع رئيس ثان، ليست زلزالا غير محسوب، ولكنها سحابة عابرة، مخطط لها بإتقان من طرف روادها من داخل وخارج أم الدنيا، ومرحلة من المراحل التاريخية التي اعتاد الفراعنة عيشها بحلوها ومرها. لكن المغاربة بالمقابل، يدركون أن نظامهم الملكي بإيجابياته و(سلبياته لدى البعض)، هو ضامن للوحدة الترابية والعرقية والقبلية، وأن المطالبة بنظام جمهوري أو ...بدولة مدنية؟؟...تعني بالمباشر، المطالبة بتقسيم المغرب إلى دوليات في الشمال والجنوب والوسط و...، وهي دوليات قد تولد بنزعة قبلية أو عرقية أو دينية... كما يدركون أنهم يستطيعون العيش داخل مملكة مستقرة، وانتزاع مطالبهم المشروعة بالتدريج والتدرج . لذا فإن بعض رواد الحراك بالمغرب يسلكون دائما مقولة (إخ منك وعيني فيك )، يريدون الغطاء الملكي، لكنهم يريدون التحكم في نوعية الغطاء وطرق وأساليب ارتدائه... ولكي نكون واقعيين فإن معظم المغاربة المطالبين بملكية برلمانية لا يدركون حتى معناها، وأن الذي يدركون معناها يتجاهلون أن الملكية البرلمانية تتطلب برلمانا قويا بموارده البشرية ومستواها الفكري والأخلاقي. وأن عليهم تصويب سهامهم وسيوفهم صوب لوبيات الفساد والاستبداد التي ملأت كل الميادين والمجالات والأحزاب والنقابات، بمسؤولين مسخرين لخدمة مصالحهم، قبل التفكير في منحهم صلاحيات أوسع. المطالبون بتدخل الملك، ليسوا فقط الوزراء والمسؤولين الكبار، بل إن كل المتضررين من مختلف أقاليم وعمالات المملكة، يخرجون في وقفات ومسيرات واعتصامات حاملين صور الملك، يهتفون بحياته، ويأملون أن يتدخل من أجل إنصافهم... كل هؤلاء وأولائك ليسوا متمردين على الملك، بل إنهم يودون حمايته لهم، ويطلبون منه أن يبسط يديه على كل المرافق العمومية لحمايتها من الفساد والاستبداد، والتدخل من أجل معاقبة المتجاوزين... لكنهم ينسون أو يتناسون أن للمغرب دستور ومؤسسات دستورية من الواجب احترام مهام واستقلالية كل واحدة ... وإن هم أرادوا تدخل الملك فإن عليهم أن يمزقوا الدستور الجديد، ويصوتوا في استفتاء شعبي على دستور يمنح صلاحيات أكثر للملك. فكيف إذن نطالب بصلاحيات أقل للملك ونهتف باسمه من أجل التدخل لإنصافنا؟... وكيف أننا نعلم بالفساد المالي الذي عشعش داخل معظم الجماعات المحلية ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية... ونمنح رؤسائها رخصة التأشير المالي بدلا من العامل والوالي؟... ألم يكن من باب الحكمة أن نمهد لمثل هاته الإصلاحات والصلاحيات التي منحت هنا وهناك باسم الديمقراطية والانفتاح، إلى حين أن نوفر المسؤولين القادرين أخلاقيا وفكريا على القيام بها؟...ألا ترون أن اجتماعات المنتخبين والمسؤولين أصبحت مسرحيات تنتهي بالهراء السياسي والكلام الساقط والمتخلف، وأن المخططات والبرامج والمشاريع أصبحت تناقش مع الصالح والطالح، مع المثقف المتخصص والجاهل... هراء يدون ويحرر باسم الدستور، ويتسبب في عرقلة تدبير شؤون المواطنين... العبث هو الحاكم الوحيد بالمغرب في ضل متمردين ينادون بصلاحيات قبل أن يجدوا من سيتحملها...وقبل أن ينظفوا سفينة التمرد التي بات العديد يحاول الركوب فيها لقضاء مصالحه الشخصية... كان بالأمس حراكا غامضا ... وهو اليوم احتجاجا أشد غموضا... فأرجو التأني والتركيز قبل الغوص فيما لا يحمد عقباه. المغاربة يؤمنون باستحالة وجود و تواجد المغرب بدون ملكية، والمؤمنون بأن النضال هو من أجل نهضة وتنمية المغرب مع الحفاظ على الغطاء الملكي، سواء منهم المقتنعون بما لديهم من ملكية أو المطالبون بملكية برلمانية تسود ولا تحكم...وحديثي لا يعني هؤلاء المطالبين بجمهورية أو بالدولة المدنية أو ... لأن ألسنتهم التي تنطق بما لا تبطن، هي مجرد ترهات لن تجلب للمغرب سوى الدمار. ... إذ كيف يعقل لمواطن مغربي أن يسحب جنسيته المغربية أو أن يمزق جواز سفره الوطني أو بطاقة تعريفه الوطنية، للتعبير عن رفضه أو سخطه عن قرار حكومي أو ملكي... وهل من السهولة بما كان التخلي عن مغربيته، عوض التشبث بها والتضحية من أجلها...أليس التخلي عن الجنسية بمثابة تخلي عن كل المغاربة أطفالا وكبارا ... والقبول بجنسية أجنبية أكيد أنها ستمنحه صفة مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة داخل تلك الدولة، وستجعل منه جاسوسا ليس إلا... التخلي عن الجنسية يعني التخلي عن الأصل والعرق ولا يتمت لصلة لأي شكل من أشكال النضال،... إنها ورقة يشهرونها هؤلاء في وجه المغرب والمغاربة كلما كانت تلك الدولة الأجنبية في حاجة إلى استغلالهم من أجل ابتزازنا...فليبرزوا لنا هؤلاء الرافضين لجنسيتهم المغربية ما لديهم من تبريرات واهية لتاريخهم النضالي في الكفاح إلى جانب الاستخبارات والجواسيس وأعداء الوطن ... هل من سجل يبين مدى كفاحهم وصمودهم في المغرب إلى جانب المقهورين والمستضعفين من الشعب، والذين يحاولون كسب ثقتهم وولاءهم لهم بتعاطفهم الممزوج بالمصلحة الشخصية وحب الذات والمال...الذين انتهى بهم يأسهم في النيل من المغرب إلى اتخاذهم قرار سحب الجنسية أو التطبيل للموالين لهم بسلك أساليب القذف والقدح والضرب العشوائي والتحليلات المملاة عليهم... شخصيا لا أرى في مثل هاته القرارات سوى الجبن والهروب واللاوطنية ومحاولات الركوب والتموقع وإثارة الانتباه... ... وكيف لي كمغربي أن أصدق كلام وصراخ مواطن مغربي لا يعيش بيننا .. لا يخجل بالحديث عن معاناتنا ومطالبنا .... مغربي يتنقل بين دول العالم، لا نسمع صوته ولا نقٍرأ ترهاته إلا عندما يريد الركوب على أحداث داخلية، والغوص في بحور لا علاقة لها بتلك الأحداث من أجل التعبئة البشرية، وتسريب الأوهام...من أنت أيها المغربي الذي تفرض نفسك كوصي على المغاربة بتصريحاتك وتخميناتك، وتجعل من نفسك العارف والفاطن والذكي الذي أرسله لنا القدر من أجل تنويرنا، وكأننا أميون نعيش في الكهوف؟... من أنت ومن أين تقتات في حياتك اليومية المسخرة؟ ..، وعلى يد من تتعلم فن الكلام ومن يهمس لك بذلك الهراء اللغوي الذي لا تتردد في نقله بالقلم واللسان إلى المغاربة، ولسان حالك يقول إنهم مغفلون و(مكلخين)، ومستعدين للسير خلفك...كيف لي أن أثق في مغاربة جبناء لجئوا إلى خارج أرض الوطن من أجل الخدمة كعبيد لدى المخابرات الأجنبية والخصوم.. فقد خابت آمال المتربصين بالنظام والخونة والموالين لخصوم الوطن... وتبخرت مخططاتهم بعد أن تعثرت وانزلقت جمالهم وبغالهم في الطريق، وانكشف المستور والمراد ...فجأة تجمعوا واستجمعوا قواهم وقرروا ركوب دوابهم، وجر وراءهم عربات الوهم البشري، متخيلين أن المغاربة ساذجون... ينتظرون عونهم، وأنهم مستعدون للاستغناء عن وسائل نقلهم، من أجل مرافقتهم على متن تلك العربات المشحونة باللغو والهراء...نعتونا بالجبناء و(لحاسين الكابة) للملك... آملين استفزازنا وجعلنا نغير من مواقفنا، وكأن تلك المواقف التي نتخذ كل يوم، ليست سوى ألبسة وأغطية و(ماكياج) من السهل الاستغناء عنها، لمواكبة موضة فئة منحرفة و مسخرة... ناموا وحلموا... وضنوا أن أحلامهم يمكن تحقيقها باستبلاد واستحمار الشعب المغربي... فظهروا في وضعيات مخجلة ومضحكة، رفهت عن المغاربة .. ... نحن جبناء... لأننا رفضنا السير وراء الخراف السياسي الذي تنسجونه بخيوط وعتاد أجنبي، وبعيون وآذان وأياد انتقامية، تتصيد الأخطاء، هدفها تصفية حسابات مع النظام لا أقل ولا أكثر. ولا تعيرنا أي اعتبار، نحن بالنسبة لكم الكتلة والقوة والصخرة التي ستمكنكم من كسر ظهر النظام وإسقاطه... تسارعون الزمن وتنتظرون بلهفة وشوق استجابة الشعب المغربي الطيب...الذي فطن لتحركاتكم المشبوهة...نحن جبناء و(لحاسين الكابة) للملك، لأننا قررنا التصدي لكم، بعدد أن وجدنا أن الملك هو من يريد إسقاط النظام... نظامكم الذي نسجتموه في الكواليس بدعم من الخصوم والمفسدين... وقفنا على أنكم أنتم رواد الفساد والاستبداد، الذين استطعتم أن تنفذوا إلى داخل مرافقنا العمومية، وتضعون عصيكم في عجلات قطار التنمية... لتشلوا أو تعطلوا سيره... ... نحن مع الملك لأن الملك مع الشعب... ولن نكون حلفاء ل (الحلوف) الخنازير...التي تشتغل وفق أجندات أجنبية، والتي لا تحتاج الشعب إلا من أجل توسيع دائرة الإعتصامات والوقفات الاحتجاجية..وتسخره ليشتغل لديها حمالا (طالب معاشو)، مهمته حمل الشارات واللافتات التي تحمل عبارات ومطالب لم يشارك في وضعها ولا مناقشتها... تسخره ليكون (بوقا) لها، يهتف بشعاراتهم... لن نكون معكم مادمتم تركبون على مطالب المغاربة التي هي بأيادي المنتخبين والحكومة، وتوهمونهم بأنها بيد الملك... تطلقون خطابات مزدوجة توحي وكأنهم مصابون بانفصام في الشخصية، تريدون الشيء ونقيده في آن واحد...تطالبون الملك بفرض تحقيق مطالب ليست من اختصاصاته... وفي الوقت نفسه تطالبون بالتخفيض من صلاحياته... أليس هذا منتهى العبث السياسي...