أنظمة التقاعد بالمغرب، إصلاحات استعجالية ... في ظل صعوبات مالية ؟ اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد تقترح منظومة تقاعد من قطبين عمومي وخاص
يعيش نظام التقاعد بالمغرب هذه الأيام مخاضاً عسيراً قد يؤدي إلى تفاقم أوضاع المتقاعدين، كما يعيش المتقاعد اليوم على هموم ووقع هذه الوضعية الخطيرة التي تعرفها كافة أنظمة التقاعد ببلادنا، الوضعية التي قد تؤدي إلى حرمان هؤلاء المواطنين الذين أفنوا شبابهم في خدمة بلدهم، من حقهم المكتسب وهو التقاعد بعد سنوات من الكد والتعب، وطل بعد أن تعرضت صناديق التقاعد لحملة ممنهجة ومحكمة، وعلى مدى سنوات طويلة، لأكبر عملية اختلاس وسرقة، التي عاشتها هذه الصناديق في العقدين الأخيرين، مما ترتب عن ذلك من اختلالات مالية كبيرة و عجز في الموارد المادية، الأمر الذي دفع بالحكومة إلى إحداث لجنة وطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، يرأسها رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران، عهد إليها بوضع تصور واضح واقتراحات عملية وسريعة لإنقاذ هذه الصناديق من الافلاس، والحفاظ على الحقوق المكتسبة للجيل الحالي والأجيال القادمة من المتقاعدين. ومن المتوقع أن تشهد هذه الصناديق بروز أول عجز لها سنة 2013 بالنسبة للصندوق المغربي للتقاعد، وسنة 2021 بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وسنة 2026 بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسنة. وفي سنة 2020 ينفذ احتياطي الصندوق المغربي للتقاعد، مما سيجعل الدولة في عجز عن أداء المعاشات. وفي هذا الإطار تعتزم الحكومة فتح حوار وطني حول إصلاح شامل لأنظمة التقاعد٬ يرتكز على سيناريوهات من شأنها أن تحافظ على سلامة مختلف مكونات صناديق التقاعد، والتي تواجه بعضها صعوبات متصلة بالعجز المالي كالصندوق المغربي للتقاعد .
ويتوخى الإصلاح المستقبلي٬ لأنظمة التقاعد بالمغرب، حسب مذكرة تقديمية لمشروع قانون المالية لعام 2013 ٬ ضمان خطة متوازنة ومستدامة للأنظمة على المدى الطويل سواءً تعلق الأمر بالأنظمة العمومية الإجبارية : الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو تعلق الأمر بالصندوق المهني المغربي للتقاعد، الذي يعتبر نظاما اختياريا (يسير من طرف القطاع الخاص) من أجل الحفاظ على الحقوق المكتسبة وعلى معدل المردودية على المستوى الاقتصادي. وقد عملت اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد، على وضع تشخيص واضح ومشترك للوضعية الحالية لهذه الأنظمة، واستكشاف وتدبير مختلف سبل الإصلاح في إطار دراسة حول إصلاح قطاع التقاعد، حيث خلصت إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة وهي :
1 - يقر السيناريو الأول على الإبقاء على التنظيم المؤسساتي وآليات التشغيل الحالية مع إدخال إصلاحات من شأنها تحسين الوضعية المالية للأنظمة. 2 - يهم السيناريو الثاني بلورة تنظيم مؤسساتي ثنائي يهدف إلى إدماج الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد في قطب عمومي٬ والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و الصندوق المهني المغربي للتقاعد في قطب خاص. 3 - يتوخى السيناريو الثالث إقامة نظام موحد يضم كافة العمال .
ويتميز نظام التقاعد المغربي بتواجد عدة أنظمة، والتي تختلف عن بعضها البعض حسب إطارها القانوني، وكيفية تدبيرها ومواردها والخدمات المقدمة لمنخرطينها . وقد عرف عدد المستفيدين من أنظمة التقاعد ارتفاعا بوتيرة أسرع من عدد المنخرطين خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى اختلال المعدل الديموغرافي لأنظمة التقاعد.
وقد أدى تدهور المعدل الديموغرافي والمستوى العالي للخدمات المقدمة من طرف بعض أنظمة التقاعد، أدى إلى اختلال توازن بين نفقات وموارد مختلف الأنظمة٬ كما أن الحالة المالية لأنظمة التقاعد ستعرف مستقبلا ترديا أكبر بسبب الانتقال الديموغرافي، الذي يعرفه المغرب والتغيير الجدري الذي يعرفه هرم الأعمار.
وبهذه المناسبة دعا خبراء مغاربة٬ إلى توسيع قاعدة المستفيدين من التقاعد٬ وقال أستاذ الاقتصاد عبد السلام صديقي (جامعة محمد الخامس-أكدال الرباط)٬ إن "التحدي الرئيسي الذي نواجهه اليوم يتمثل في توسيع وعاء المستفيدين من التقاعد، حيث يتعين الاهتمام بالشرائح الاجتماعية التي لا يغطيها النظام والتي لا تؤدي أية مساهمة . وحسب ذ. الصديقي فإن هذه الشرائح تشكل الغالبية العظمى من الساكنة وتشكل أزيد من 67 بالمائة.
وأكد الخبير لحسن عاشي من جهته على أنه يتعين وضع نظام للتقاعد لفائدة جميع الفئات النشيطة الأخرى كالمهن الحرة والتجار والفلاحين والحرفيين ، حيث أن إقرار هذا النظام سيمكن من التوفر على قاعدة كبيرة وتجديد مستمر للسكان المساهمين مقارنة مع أصحاب التقاعد. وحسب هذا الخبير٬ فمن الحكمة تمديد سن التقاعد ، جراء ارتفاع أمل الحياة في المغرب٬ الذي انتقل من 62 سنة في أوائل الستينيات، إلى 73 عاما حاليا. وفي افتتاح أشغال اجتماع اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد الأربعاء الماضي بالرباط، قال رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران "إن اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد أعدت مذكرة تقترح إرساء إصلاح شامل يروم إنشاء منظومتي تقاعد للقطبين العمومي والخاص. " وأوضح في نفس السياق بأن القطب العمومي لهذه المنظومة سيهدف إلى تجميع أنظمة المعاشات المدنية والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد٬ بينما يعمل القطب الخاص في آن واحد على تقوية الوضعية المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتدعيم ترسانته القانونية، لتمكينه من الاضطلاع بشكل أفضل بدوره الاجتماعي٬ وتوسيع التغطية لفائدة غير الأجراء. ويعتبر هذا الإجراء هو الأنسب نظراً لخصوصيات القطاعين العام والخاص .
وركز بنكيران في هذا الاجتماع على نظام المعاشات المدنية، الذي في الحقيقة يوجد حالياً في وضعية صعبة مقارنة مع باقي الأنظمة الأخرى، حيث شدد على الشق الثاني من الإصلاح الذي يكتسي برأيه٬ "طابعا استعجاليا، من خلال إدخال إصلاحات مقياسية، وذلك بغية تقوية قاعدته المالية وتأخير بروز العجز فيه".
ويندرج هذا الاجتماع الذي ترأسه رئيس الحكومة، والذي حضره عدد من أعضاء الحكومة، ومدراء صناديق التقاعد، ورئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والأمناء العامون للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، والكاتب العام لصندوق الايداع والتدبير، في إطار الالتزام بمواصلة الحوار والتشاور المثمر بين الحكومة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، للبحث المشترك على الحلول الصحيحة والواقعية، التي ستضمن ديمومة وسيرورة أنظمة التقاعد، والرفع من مستوى وفعالية التغطية٬ موضحا أن ديمومة هذه الأنظمة ستمكن من استمرار صرف المعاشات للمتقاعدين الحاليين والقادمين وذوي حقوقهم٬ كما ستمكن من استمرار قطاع التقاعد في القيام بدوره الاقتصادي كمستثمر مؤسساتي فاعل يساهم في تمويل الاقتصاد وتنمية الادخار الوطني.
وقال بن كيران٬ بهذا الخصوص : "إننا نسعى إلى توافق يرتكز على روح المسؤولية الوطنية التي تساهم في تبني الإصلاح الأنسب لبلادنا، مع الاسترشاد واستحضار أنجح التجارب الدولية في هذا المجال، مؤكدا عزم الحكومة على "القيام بالإصلاحات اللازمة بشكل جماعي وتوافقي كلما أمكن ذلك لما فيه مصلحة بلادنا، وضمانا لنجاح نموذجنا التنموي التضامني".
وأضاف مصدر مقرب من اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد بأن هذه الأخيرة قررت العمل على الرفع من وتيرة اجتماعاتها للبث في نتائج عمل اللجنة التقنية كلما تقدمت في أشغالها.