يحاول حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الإسلامية في المغرب، جاهدا طمأنة مختلف الجهات والأطراف داخل البلاد وخارجها بأنه لن يمس الحريات الفردية والشخصية للمواطنين في شيء، وأنه لن يدخل في جدل الصراع حول قضايا حظر الخمور أو فرض الحجاب على المغربيات. وأكد قادة هذا الحزب "الإسلامي"، الذي حقق فوزا باهرا في الانتخابات البرلمانية ليوم الجمعة المنصرم، أن الأولوية يجب أن تُوجه إلى مشاكل الشغل والتعليم والصحة، وملفات آنية أخرى أكثر أهمية، لكن دون التفريط في مسألة تجديد نظام القيم المغربية الأصيلة. وسبق لحزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه رئيس الحكومة المرتقب عبد الإله بنكيران، أن أثار مرارا قضية مخاطر رواج الخمور في البلاد، وانتقد المهرجانات الغنائية التي تتضمن مظاهر الميوعة والانحلال، وذلك في العديد من المناسبات سواء في البرلمان أو في بعض الصحف ووسائل الإعلام، طيلة فترة تواجده في صف المعارضة للحكومات السابقة. وسارع قادة حزب العدالة والتنمية المغربي في الأيام الأخيرة، مباشرة بعد إعلان فوزه الكاسح بأزيد من ربع مقاعد مجلس النواب، إلى توجيه رسائل "طمأنة" إلى جميع الاتجاهات والجهات، تفند فيها ما يروجه البعض أحيانا من كون الحزب ، لدى قيادته للحكومة الجديدة، قد يضيق على الحريات الشخصية، أو سيسن قوانين تمنع الخمور في البلاد، أو سيُجبر النساء على ارتداء الحجاب، وغيرها من الأقاويل والادعاأت. وعلق الدكتور لحسن الداودي، القيادي في "العدالة والتنمية" على ما يروج حول نوايا الحزب عند تسييره للشأن العام، بالقول إن الأجدر بالمناقشة والخوض في هذه الظرفية بالتحديد هو المشاكل الكبرى للمغرب، عوض التفرغ في الرد على من يروج مثل هذه الأقاويل المغلوطة وغير الصائبة تماما. وتابع الدوادي بأن حزب العدالة والتنمية، وإن كان متهيبا من جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه من طرف المغاربة سواء من صوت لفائدة الحزب أو من لم يصوت، فإنه لن يتردد أبدا في تحمل مسؤولياته في تدبير الشأن العام بكل ما أوتي من صدق وأمانة، خاصة محاولة إيجاد الحلول المُرضية في ملفات عويصة، من قبيل الشغل والتعليم والصحة، التي شهدت تراجعات ملموسة خلال السنوات الأخيرة. وفند المتحدث نزوع حزب "العدالة والتنمية" نحو التضييق على الحريات الشخصية، خاصة بالنسبة للنساء، موضحا أن الحزب طالما دافع انطلاقا من مبادئه ومرجعيته الإسلامية عن حقوق المرأة في إطار هوية المجتمع وقيمه الأصيلة، وأن النساء في الحزب ناضلن وما زلن يشتغلن بكل حرية داخل مؤسسات الهيئة، دون أي مشكل أو مُركب نقص يذكر. وكان مصطفى الرميد، أحد قياديي حزب الإسلاميين بالمغرب، قد أكد لإذاعة محلية أمس الاثنين، بأن العدالة والتنمية "لن يقفل الحانات الموجودة في البلاد، لكنه لن يسمح بفتح حانات جديدة"، وذلك في جوابه لسؤال حول مدى صحة اعتزام حزب "المصباح" إغلاق حانات الخمور، بعد تسلمه مقاليد تسيير الشأن العام في البلاد. وتأتي تصريحات قياديي العدالة والتنمية المغربي في نفس اتجاه ما ذهب إليه أمينه العام، ورئيس الحكومة المنتظر الذي سيستقبله العاهل المغربي لتعيينه رسميا في هذا المنصب، وذلك عندما تحدث في مؤتمر صحفي له عقب الفوز بالانتخابات بأن العدالة والتنمية لديه أولويات سيتولاها رأسا، ولن يدخل في صراع أو جدال مع "شبكة المخمورين، أو في قضية اللباس الخاص بالمغربيات". وأعرب بنكيران على أنه يمتلك قناعة شخصية تفيد أن حل الحكومة لمشاكل العديد من فئات المجتمع المغربي، في مجالات الشغل والتعليم وغيرها، سيفضي بدون شك إلى الحد من تعاطي الكثيرين لتناول الخمور، مردفا أنه "في ما يهم الحريات الشخصية، فلا توجد هناك حكومة يحق لها أن تمسها". وكان حزب العدالة والتنمية قد دخل الانتخابات التشريعية ليوم الجمعة المنصرم ببرنامج سياسي طموح جلب اهتمام وتعاطف الكتلة الناخبة، متضمنا لخمس توجهات كبرى تعهد بالالتزام بها إذا ما قاد الحكومة الجديدة، ومن ضمنها "إحياء وتجديد نظام القيم المغربية الأصيلة على أساس المرجعية الإسلامية والهوية المغربية". ويركز برنامج الحزب، الذي أوصله إلى سدة الحكم بالمغرب، على جانب القيم الأخلاقية كأساس لنهضة المجتمع، ويسعى في سبيل ذلك إلى أن يجعل من وزارة الأوقاف وزارة محورية تشترك في كافة البرامج التي تشتغل على ملفات القيم والهوية في الوزارات الأخرى، وذلك بهدف "نشر قيم الوسطية والاعتدال ومعالجة تحديات القيم والتدين في ظل العولمة المتسارعة، وفق قيم الانفتاح الإيجابي والفعال"، بحسب تعبير البرنامج السياسي للحزب. وتُثار قضايا الحريات الخاصة ومنع الخمور عند تولي "العدالة" للحكم، بسبب مواقف الحزب السابقة التي كان ينتقد فيها بحدة مظاهر إفساد الأخلاق في المجتمع، وكان أعضاؤه نشيطين في العمل البرلماني من خلال مساءلة الحكومات المنصرمة حول هذه الاختلالات التي تمس الجانب الهوياتي والسلوكي للمواطنين. وسبق للحزب الإسلامي أن انتقد كثيرا ما سماه الفراغ القانوني الذي أفضى إلى تحويل بعض الفنادق والمؤسسات السياحية إلى أماكن للفساد والميوعة، وتعاطي الخمور بكل أنواعها، كما هاجم غير مرة تنظيم مهرجانات غنائية تتسم بآفات سلوكية وشذوذ أخلاقي، يسيء إلى الطبيعة المحافظة للمجتمع المحلي، وفق عدد من تدخلات الفريق البرلماني لحزب الإسلاميين