دخلت مدونة السير الجديدة في المغرب حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر 2010، منهية بذلك جدالا طويلا بين الحكومة من جهة، وبين التمثيليات النقابية الممثلة لقطاع النقل من جهة أخرى ترى ما هي تداعيات هذه المدونة على حرب الطرق ، هل ستغير من سلوك السائقين؟ هل ستحد من نزيف الطرق مليار درهما؟ هل تعتبر المدونة آلية من آليات تحديث المجتمع المغربي؟ هل هذه المدونة جاءت متوافقة مع سيرورة تطور المجتمع المغربي؟ أم تعتبر متجاوزة له؟ أي تأثير لقانون السير الجديد على سلوك السائق و الراجل في الأيام الأولى لتطبيقه؟ ألم يتم تسييس هذا القانون؟ ألا يدخل هذا القانون في سياق صراع أجندة انتخابات الذي يكلف المملكة المغربية أكثر من 4000 قتيلا و42000 من المعطوبين و الجرحى و المعاقين سنويا، و
11 2012؟ أي نقط يتم الخلاف فيها؟ هل تعتبر هذه المدونة إسقاطا لقانون إحدى الدولة الإسكندنافية المتقدمة،على المغرب كدولة نامية؟ ألا يعتبر إخراج مدونة السير، إذعانا لشروط العولمة، و أن الإصلاح يبتغي - في عمقه – خصخصة قطاع نقل البضائع و الأشخاص؟ الحراك الحزبي داخل البرلمان المغربي
لا بد من الإشار ة إلى أن "قانون الوزير غلاب وزير النقل والتجهيز المغربي" أثار منذ بداية طرحه أمام أنظار البرلمان نقاشا عموميا امتد إلى الأحزاب السياسية و النقابات و قسم كبير من الشارع المغربي بين مؤيد و معارض. وهددت النقابات المنضوية تحت لواء أرباب النقل بشل الإضراب في أبريل الماضي، و تدخل حزب الأصالة و المعاصرة المعارض على الخط، وتوسط من أجل وقف الإضراب، بعد ذلك سيتدخل للتصويت مع الأغلبية من أجل تمرير قانون المدونة الجديد، وأخيرا دخل صف المعارضة متذرعا بغياب النصوص التطبيقية. ويمكن تفسير تدخل حزب "الجرار" إلى عاملين أساسيين : 1. المناورة من أجل كسب الأصوات النقابية الرافضة لمدونة السير الجديدة،و بالتالي إمكانية خلق تنظيم نقابي موازي، لأن هذا ينقصه باعتباره حزبا دخل نادي الكبار و حصل على الأغلبية في انتخابات الجماعات المحلية لسنة 2009 . 2. التموقع السياسي لإنتخابات 2012 البرلمانية، وهذا ما بدا من صراع مع حزب الإستقلال في عدة مدن كفاس و تطوان...إلخ. بداية التطبيق
لقد لاحظ المتتبعون إبان الأيام الأولى من دخول مدونة السير حيز التنفيذ ، نوعا من الوعي أو بالأحرى تخوفا من ارتكاب أخطاء من طرف السائقين، و احتراما للقانون، واعترافا بأن المغرب دخل عهدا جديدا، وأن مرحلة قد ولى عهدها، وبذلك تكون المدونة قد حققت نسبة كبيرة من أهدافها، لكن في المقابل هناك عدة أمور تثير عدة تساؤلات من قبيل الأحكام السالبة للحرية و تداعياتها الإجتماعية،كالطرد من العمل ، وتشريد عائلات، بالإضافة إلى نسبة الحمولة بالنسبة لشاحنات نقل البضائع، التي يعتبرونها مجحفة، وأن الزيادة في أثمان البضائع يتحملها في آخر المطاف الزبون. كما يتخوف المواطنون من مدى إسقاط المدونة من دولة السويد التي تمتلك بنية طرقية جد متطورة، وتجهيزات رائدة، ودخلا فرديا عاليا، يعتبر من بين الأعلى على المستوى العالمي، و -إسقاط هذا القانون - على المملكة المغربية التي تمتلك بنية تحتية من الطرقات، ما زالت تتخندق في صف الهشاشة رغم المجهودات التي قامت بها الدولة في العشرية الأخيرة، بالإضافة إلى أن القانون الجديد الذي دخل حيز التنفيذ يستدعي موارد بشرية مؤهلة داخل جميع الأجهزة التي تسهر على سلامة الطريق و تطبيق القانون، وتحسيس المواطنين المغاربة، الذين يخضعون لعامل تأثير الإشاعة، ويرفضون قانونا لم يطلعوا عليه. و المجتمع المدني مطلوب منه العمل على القيام بدور التحسيس، ولعب دور الوساطة بين الدولة والمواطنين من أجل تكريس قيم المواطنة، والإنخراط في هذا القانون الذي صوت عليه ممثلو الشعب . أهداف تنفيذ مدونة السير
تعتبر مدونة السير مسارا جديدا داخل بنية المجتمع المغربي، من خلال تغيير سلوك المواطن، في تعاطيه مع الطريق، واحترامها و احترام الآخر، وإدخال تجهيزات حديثة، والدفع بتقوية قدرات المؤسسات التي تسهر على تنفيذ المدونة. وتجب الإشارة إلى أن المرامي الإستراتيجية لمدونة السير خاضعة لمنطق العولمة، والإنفتاح على الأسواق، في سياق معاهدة أيزنشتات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والوضع المتقدم مع الإتحاد الأوروبي. لأن النقص في حمولة شاحنات البضائع، يعني أوتوماتيكيا أن الذي يملك شاحنة واحدة، لا يمكن أن يتنافس مع من يملك أسطولا من الشاحنات، وهذا الإتجاه يسير نحو خصخصة نقل البضائع والأشخاص. فلا غرابة إن رأينا في السنوات القليلة القادمة، شركات أوروبية أوأمريكية، تنقل البضائع على المستوى الداخلي، و نقل الأشخاص بأثمان تنافسية وبأحسن الخدمات، تقضي بعدها على صاحب الشاحنة أو السيارة الوحيدة، الذي ينسحب ويتحول إلى عامل بسيط بعدما كان مالكا . تأثير مدونة السير على غلاء الأسعار
واصلت أسعار الخضر والفواكه والمواد الغذائية تسجيل مستويات قياسية، خلال الأسبوع الأول من تطبيق مدونة السير، وبلغت الزيادات المسجلة في الخضروات، على الخصوص، ثلاثين في المائة، حسب المناطق. وهم ارتفاع الأسعار المواد الغذائية الأساسية دائمة الحضور في المائدة المغربية، مثل الطماطم، والبطاطس، والتفاح، والسكر، والشاي. وتراوحت هذه الزيادات بين درهمين وثلاثة دراهم في الكيلوغرام الواحد من كل مادة . وربط الحاج صالح، تاجر خضروات وفواكه في سوق الجملة بالدارالبيضاء، هذا الارتفاع بمدونة السير، التي فرضت على أرباب الشاحنات عدم تجاوز الوزن القانوني للشاحنة بحمولتها، فبينما كانت الشاحنات تدخل الأسواق محملة بحوالي 20 طنا من السلع، أصبحت الآن لا تتجاوز 10 أطنان، ما فرض على التجار رفع ثمن المواد الغذائية، لضمان هامش مريح من الربح. ومن المرتقب، حسب المهنيين، أن تواصل الأسعار ارتفاعها، ما دامت النصوص القانونية لمدونة السير تفرض احترام الحمولة. وشملت الزيادات في الأسعار أغلب المدن المغربية، خاصة المعزولة منها، والتي لا تتوفر على أراض فلاحية صالحة للزراعة في محيطها، مثل مدينة الحسيمة، والقرى والدواوير التابعة لعمالة إقليم ميدلت. ففي الحسيمة، قفز ثمن البطاطس من أربعة دراهم إلى خمسة دراهم، في حين، سجل ثمن الطماطم ما بين سبعة وعشرة دراهم، حسب الجودة وتوفرها بالسوق، وشمل هذا الارتفاع السكر والشاي. وفي إقليم ميدلت وخنيفرة، انتقل سعر البطاطس من أربعة إلى سبعة دراهم للكيلوغرام، أما الطماطم، فانتقلت من ستة إلى عشرة دراهم للكيلوغرام، وشمل الارتفاع ثمن الشاي والسكر، إذ انتقل ثمن الأخير من 12 إلى 17 درهما. وعبر عدد من السكان عن انزعاجهم من هذا الارتفاع في الأسعار، الذي ساهم فيه دخول مدونة السير حيز التنفيذ .