لا يكترث للشهرة ، أو للبحث عن ناشرين ، أو لتسويق نفسه في وسائل الإعلام . هادئ جداً ، لا تفارق الابتسامة وجهه الأمازيغي النحيل . بين لحظة وأخرى ، يدخن سيجارة بشيء من الشرود . هكذا هو محمد حمودان، الشاعر والروائي المغربي وأحد أبرز الأقلام المغاربيّة التي عبّرت عن نفسها في لغة موليير . صاحب " فرنش دريم " (2005) حلّ أخيراً ضيفاً على " أصدقاء المقهى الثقافي " و " لقاءات ابن رشد " في المغرب ، ليناقش روايته السجاليّة الصادرة مؤخراً بعنوان " السماء ، والحسن الثاني ، وماما فرنسا " (لا ديفيرانس ) . في هذه الأخيرة ، يكتب ملحمة معاصرة عن حياة المهاجرين في الضواحي الفرنسيّة ، من خلال قصّة طالب مغربي ، ضاق ذرعاً بتضييقات الإدارات الرسميّة الفرنسيّة عليه . لغة حمودان الساخرة ، أربكت النقاد الفرنسيين . في إحدى مقالات " لو نوفيل أوبسرفاتور " وقف الكاتب حائراً أمام " أسلوب يراوح بين جمل أكاديمية جداً ، وأخرى عادية جداً " . لكنّ حمودان يعتبر مثل هذه المراجعات ضيقة الأفق وسطحية . " لقد نسبت اللغة الأكاديمية إلى شخص أكاديمي ، لأسخر من طريقة الكلام والتعبير عند المثقفين الفرنسيين " . بلغة متهكّمة يصورّ لنا شخصيات تعيش صراعات غرائبية : صديق البطل ، وهو مهاجر مغربي غير شرعي ، يقرر ارتداء لباس اليهود الأرثوذكس ، لتفادي حملات تدقيق الهوية ! هنالك أيضاً تلك الفتاة الفرنسيّة الكاثوليكية التي تدخل في دوامة من عقد الذنب ، بعد إقامة علاقة جنسيّة مع البطل . في الرواية أيضاً استعادة لأجواء سلا ، مدينة الطفولة ، حين يكتب عن مرحلة اعتبر فيها ظلّ الملكية المطلقة على عهد الحسن الثاني ، امتداداً لسلطة السماء على الأرض ... ابن قرية المعازيز المتاخمة لمدينة الخميسات (شرق الرباط) ولد عام 1968 ، وهناك أمضى سنوات طفولته الأولى قبل الانتقال إلى سلا . عاصمة القراصنة الأندلسيين المطلة على الأطلسي ، تحولت إلى إيثاكا حمودان ، فلم تفارق مخيّلته ، وبقي يرحل إليها باستمرار في أعماله السردية . لم تنازعها في ذلك إلا فرنسا التي قصدها أواخر الثمانينيات ، لإنجاز أطروحة عن المسرحي والأديب الفرنسي الكبير جان جينيه . من سلا التهميش ، حيث عاش اكتشافاته الأولى في الحياة والأدب ، إلى الضاحية الباريسية سان دونيه ، حيث واصل تتبع آثار الأدباء الكبار وقراءة أعمالهم . " اهتمامي بالفرنسية بدأ في الجامعة ، وصرت مجبراً على إتقانها أكثر حين درست الأدب الفرنسي " ، يقول حمودان الذي أصدر مطلع التسعينيات ديوانه الأول " صعود شذرة عارية تتساقط " . تلت الديوان الأول أعمال شعرية أخرى ، نشر معظمها عن دار " لا ديفيرانس " ، وجعلت اسم الشاعر الشاب يلمع في صفوف متتبعي حركة الشعر المغربي المكتوب بالفرنسية . حتّى إنّ " معجم الأدباء المغاربة " للروائي المغربي سليم جاي ، وصفه بسليل محمد خير الدين (1942 1995) ، الشاعر والروائي المغربي الشهير الذي لقّب بالطائر الأزرق . " أجد أنني أكثر تأثراً برامبو وبودلير وبالأدب والشعر العربي القديم . ولم أقرأ لخير الدين إلا عملين بعد صدور المعجم " ، يقول حمودان لصحيفة " الأخبار " اللبنانية . لكنّ البحث عن صلات قربى مع " الطائر الأزرق " ، يستند ربّما إلى خلفيّة أخرى . يجمعهما أوّلاً انتماء مشترك إلى الثقافة الأمازيغية ، واستخدامهما للغة رافضة ومتمردة تكسر أفق انتظار القارئ . وتمتدّ القرابة أيضاً إلى أعمال تلتصق بشكل من الأشكال بالراهن المغربي ، وبأسئلة الذات ، والهجرة، والمهمشين ، بين مغرب ما بعد الاستقلال ، و... " ماما فرنسا " . هذه الأخيرة ستحضر بقوة في باكورته الروائية " الحلم الفرنسي " ، حيث يحكي قصة شاب يهاجر إلى فرنسا بعدما رشا موظفاً في مصلحة جوازات السفر ، بزجاجة نبيذ . السّكر في إحدى حانات الرباط ، كان امتحان عبور البطل إلى الضفة الأخرى من المتوسط . لكنّ عاصمة الأنوار ستغلق أبوابها بوجه الشاب المغربي المهاجر .