استعادت مدينة مراكش المغربية بهجتها بعدما طوت صفحة الأحزان التي خلفها الاعتداء الإرهابي على مقهى سياحي وخلف 17 قتيلا أغلبهم من السياح الأجانب فضلا عن 21 جريحا . وعادت الحياة إلى المدينة الحمراء التي عاشت على مدى أسبوع كامل حالة وجوم وخوف على مستقبل مدينة تعيش من السياحة وتمثل الصناعات الحرفية اليدوية التي يقبل عليها السياح والزوار مصدر عيش أغلب الأسر فيها . ورغم أن موقع التفجير ما يزال يجتذب هيئات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية وتلاميذ المدارس والكثير من المواطنين للتظاهر والوقوف للتنديد بالإرهاب وشجب كل أشكاله وإبداء التعاطف مع الضحايا وأسر القتلى إلا أن الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي ترتبت عن التفجير بدأت تخف وتتراجع . وانتقلت مشاهد الدمار الذي أصاب مقهى (أركانة) إلى مرئيات ممزوجة بخيال الحكواتيين في حلقات الساحة والذين أبدعوا في تصوير منفذها الإجرامي ومعاونيه وسبح خيالهم في نسج حكاية صنعه المتفجرات وأهدافه التآمرية من استهدافه الأبرياء وقيم التسامح والتعايش في مدينة ظلت أبدا رمزا لتلاقي الثقافات وحوار الحضارات . وشد الحكواتيون في حلقاتهم رواد الساحة إلى رواية تبدو صدقا من فرط الحذق في حبكها ولهف الناس على إشباع فضولهم لمعرفة المزيد عما وقع مما لم ينقل أو يقل حيث تنافس الرواة في وصف المشاهد الدرامية المدرة لمشاعر الألم والمثيرة للعواطف ونقل صور الموقوفين وهم رهن الاعتقال وكيف وقعوا في قبضة الأمن المغربي . وتجمع الرواة في الساحة التي كانت مسرحا للاعتداء الإرهابي إلى جانب لوحات فنانين تشكيليين مغاربة وأجانب جاؤوا إلى (جامع الفنا) للتعبير بالفن عن تضامنهم وتنديدهم بالإرهاب بالإضافة إلى لافتات وأعلام وباقات الورد التي يترحم بها السياح والمواطنون على أرواح الضحايا . وأكد وزير السياحة والصناعة التقليدية المغربي ياسر الزناكي الذي زار موقع التفجير الليلة الماضية في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) أنه على الرغم من الاعتداء الذي استهدف الأسبوع الماضي مقهى بمدينة مراكش إلا أن النشاط السياحي بالمدينة يمر " في ظروف عادية " . وقال " إننا فوجئنا بالموقف الايجابي للسياح الذين لم يثنهم الاعتداء الإرهابي عن زيارة المغرب والمجيء إلى مراكش والتجول في الساحة والشوارع المحيطة بها والاستمتاع بالفرجة التي تقدمها والتلذذ بأشهى مأكولات مطاعمها الشعبية والسياحية " . وأوضح الزناكي أن منظمي الأسفار السياحية واصلوا برامجهم نحو وجهة المغرب ولاسيما مراكش مؤكدا أنه لم يتم تسجيل إلغاء أية حجوزات سياحية مهمة ومشددا في نفس الوقت على أن المغرب تنعم بالأمن والاستقرار . وأشار إلى أن قطاع السياحة بالمغرب سجل ارتفاعا نسبته 16 في المائة خلال شهر أبريل الماضي مضيفا أن الأمر يتعلق بنمو مهم على الرغم من الظرفية الجيو- سياسية الصعبة . في هذا السياق أكد السائح البريطاني نيك ماي في تصريح ل(كونا) وهي تستقصي آراء بعض رواد ساحة (جامع الفنا) في الموقع الذي استهدفه التفجير أن الإرهاب أصبح يهدد كل العالم وأن الناس لو ارتهبوا لها لبقوا في منازلهم عاجزين مشيرا إلى أن أفضل سلاح لمقاومة الإرهاب هو مواجهته وعدم الخوف منه لأن لا أحد يموت قبل أجله . وأضاف السائح البريطاني أنه استرجع مع الحدث الإرهابي في مراكش مشاهد الاعتداء الإجرامي لقطارات الأنفاق في لندن والتي كانت من ورائها أياد آثمة إرهابية استنكرها بشدة . وأوضح أنه يستمتع بعطلته في مراكش وأنه لم يلحظ منذ وصوله إلى المدينة الحمراء ما من شأنه أن يعكر صفو إقامته السياحية أو يؤثر على برنامجها مبديا دهشته وإعجابه بساحة (جامع الفنا) التي وصفها بالفريدة في العالم . من جانبه أكد الحبيب الزطوطي وهو مواطن مغربي من مدينة الدارالبيضاء أنه جاء إلى ساحة جامع الفنا إمعانا في تأكيد موقف كل المغاربة المندد بالإرهاب والمتضامن مع الضحايا وأسرهم مشيرا إلى أنه اصطحب معه أسرته إلى موقع التفجير ليضعوا إكليلا من الزهور تعبيرا عن الأمل في غد أفضل تشيع فيه قيم الحب والأمن والسلام . وذكر أن ساحة جامع الفنا تعيش إيقاعها اليومي دون أدنى تأثر أو تغيير وأن مراكش تجاوزت محنة يومها الدامي وتواصل حياتها " على غرار المدن التاريخية العظيمة التي خبرتها المعارك الكبرى والمحن الجليلة أنها لا تضعف ولا تهن أمام التحديات التي تواجهها " . بدورها قللت السائحة الايطالية إيزابيلا من تأثير حدث مقهى (أركانة)الإرهابي على السياحة في مراكش التي تعتبر وجهة سياحية مفضلة لدى الايطاليين ومواطني الاتحاد الأوربي بصفة عامة لما تتميز به من هدوء وصفاء . وأوضحت أنها تنعم في ساحة جامع الفنا وفي كل الأمكنة التي ارتادتها في مراكش بحرارة الاستقبال وكرم الضيافة مشيرة إلى أنه ليس هناك في المدينة ما يدل على أنها كانت في الأسبوع الماضي عرضة لاعتداء إرهابي . وأكدت السائحة إيزابيلا أن مراكش تعيش وضعها الطبيعي وأنها طوت صفحة الأحزان واستعادت بهجتها وأن السياح الذين يقبلون عليها الآن يستمتعون مرتين مرة لكونهم ينعمون بجمالها وسحرها الفتان الطبيعي والسياحي ومرة أخرى لأنهم سيعلنون تضامنهم مع المغرب ومع ضحايا الاعتداء الإرهابي الذي استهدف المدينة الحمراء . يذكر أن مراكش شهدت يوم 28 أبريل الماضي اعتداء إرهابيا بحقيبة متفجرات تزن 15 كيلوغراما من المواد الناسفة متحكم فيها عن بعد استهدفت مقهى (أركانة) بساحة جامع الفنا إحدى أشهر الساحات التراثية في العالم ما خلف 17 قتيلا أغلبهم من السياح الأجانب بينهم ثمانية فرنسيين و21 جريحا بجروح متفاوتة الخطورة . وأعلنت السلطات المغربية ليلة يوم الخميس الماضي عن توقيف ثلاثة مشتبه في ضلوعهم في الحادث بينهم المنفذ الرئيسي للعملية وهو مواطن مغربي في العقد الثالث من عمره أبدى ولاءه لتنظيم القاعدة . في المقابل نفى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يتخذ من دول الساحل وجنوب الصحراء قاعدة خلفية لنشاطاته الإرهابية في بيان نشرته اليوم وسائل إعلام محلية مسؤوليته عن عملية مراكش الإرهابية .