تغيّرت مكانة قناة " الجزيرة " في الإعلام العربي ، بعد الثورة المصرية . كان ذلك التغير متوقعاً مع أول اختبار تعرّضت له لدى حصول الانتفاضة البحرينية في الخليج . لم تعد حاملة لقب أطلقه عليها البعض بأنها المساهمة في صناعة الثورة . تراجع فرح مراسلي القناة وإدارتها باحتلال موقع الريادة في نقل أحداث الثورات العربية ، والحديث عن ذلك الموقع في الندوات السياسية والإعلامية ، فيما " طارت " تصريحات وزير خارجية قطر حمد عن استقلال القناة الإعلامي . ومثل " الجزيرة " ، أبدت جميع القنوات العربية انحيازها لثورة دون غيرها ، ولانتفاضة دون أخرى ، فأكدت كل قناة مرة جديدة أنها تتبع لإدارتها السياسية ، وأنها تنقل الأحداث ، ليس كما تحصل ، ولكن استناداً إلى ما يتم اختياره منها ، سواء عبر إعداد الأخبار في الأستديوهات ، أو عبر التوجيهات التي تعطى للمراسلين في مواقع الحدث . من بين ثلاث قنوات الأكثر انتشاراً ، وهي بالإضافة إلى " الجزيرة " كل من " العربية " " والمنار " ، برزت كل من " الجزيرة " و" العربية " مؤيدة للتغيير في جمهوريات : سوريا ، (قبل إعلان الملك السعودي وأمير قطر تأييدهما للرئيس بشار الأسد) ، ومصر وليبيا ، وتونس والجزائر ، بالإضافة إلى إيران . في المقابل ، يجب ألا يطال التغيير ، الملكيات والإمارات ، حسب تغطية القناتين ، وتشمل بالدرجة الأولى دول الخليج العربي والأردن ، مع العلم أنها أحوج ما تكون إليه ، لأن أنظمة الممالك والإمارات تنتمي إلى مراحل الملكية الإقطاعية ، من دون أن تساهم الثروة المباشرة الناتجة عن أموال النفط في حصول تغييرات في تركيبتها العشائرية والقبلية . أما قناة " المنار " فتظهر تأييدها لحصول التغييرات في كل من شمال أفريقيا والخليج العربي والمغرب العربي ، على أن يستثنى من التغيير كل من سوريا ولبنان وإيران . لذلك تتجاهل التظاهرات التي تجري في لبنان لإسقاط النظام الطائفي ، وتعرض التظاهرات المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد ، ولنظام الجمهورية الإيرانية . تبين سياسة التجاهل تلك أن وسائل الإعلام العربية لا تزال تعيش في مرحلة التعبير عن المواقف السياسية ، ونكران عالم الاتصالات الواسع ، الذي أصبح ، كما هو معروف أكبر بكثير من أن تحدّه نشرات أخبار ، وما يتيحه بالتالي من معرفة ما يحدث في بلد ما ، من دون العودة حتى إلى النشرات الإخبارية . لكن تلك المواقف السياسية ، تنتشر عبر الأثير الذي يشكل أهم منبر إعلامي ، فهو أكبر من مهرجان وأكبر من تظاهرة ، لأن الأثير ينتقل من بلد إلى آخر ، وينتشر عبر الكرة الأرضية ، بواسطة الأقمار الاصطناعية التي تشترك فيها القنوات الإعلامية وتعتبر " الجزيرة " و " العربية " القناتين الأهم من حيث الإمكانيات المادية والإعلامية ، لكنهما تتبعان للإمارة القطرية ، والمملكة السعودية ، أي لنظامين مالكين ، وليس من مصلحتهما حصول التغيير . لكن قناة " المنار " تتبع للمقاومة التي ترفع لواء التحرير من الاحتلال الإسرائيلي ، وهي حتى الآن لا تجمع بين التحرير وبين تأييد التغيير في الأنظمة ، إلا إذا كان ذلك يصب في مصلحة المقاومة ضد إسرائيل . ويؤدي ذلك التوجّه إلى وضع " المنار " نفسها في موقع ملتبس تجاه مؤيدي المقاومة والتغيير معاً ، وربما يكون ذلك ناتجاً عن الالتباس في الموقف السياسي للمقاومة نفسها تجاه ما يحصل حالياً ، مع العلم أن التحرير يفقد معناه تدريجياً إذا لم يترافق مع التغيير في تركيبة الأنظمة وسياستها واقتصادها . فالنظام الملكي ليس أكثر ظلماً من النظام الطائفي لكي تتجاهله " المنار " ، ونظام حسني مبارك وزين العابدين بن علي ليسا طبعاً أكثر ظلماً من الأنظمة الملكية لكي تتجاهلهما " الجزيرة " و " العربية " . مع ذلك فالتغيير مستمر ، وعلى الإعلام العربي الانتباه أيضاً إلى أن التغيرات لن تنساه .