يتمحور نقاش صاخب هذه الأيام حول الفساد وسبل مكافحته وهو نقاش يطرح مرارا في المغرب دون جدوى على غرار المثل الجاري( أسمع جعجعة و لا أرى طحينا )، والشيق في القضية هذه المرة أن الحكومة أخدت على عاتقها التحدت عن المعضلة، بعد ما كان مجرد النبس بها من طرف أفراد المجتمع المدني يقود صاحبها توا نحو الأبواب الواسعة للسجن كما وقع لأصحاب رسالة إلى التاريخ أو القبطان أديب ....و كثيرون غيرهم. وبديهي أن يكون الحديث عن الفساد في بلادنا يشبه حكاية المتعوس في (هبش تجبد حنش ) بعد أن صارت محاكم البلد تتميز عن سائرها في العالم بإرسال كل من أشار إلى لص كبير، أو أدن : بيا أيتها العير إنكم لسارقون إلى غياهب السجن حتى أصبح لدينا زيادة على ضحايا الزيوت المسمومة و ضحايا النجاة و ضحايا العمرة.....،ضحايا من نوع آخر يسمون ضحايا كشف الفساد . . لكن عندما تتحدث الحكومة عن الفساد الذي نخر البلاد و العباد ، فلا يستوجب دلك أدنى مسائلة بل قد يعد دلك من سائر مكرماتها التي تسعى إليها سبيلا في حملاتها الانتخابية ، حيت تحدثت الحكومة وعلى غير عادتها وبإطناب عن الفساد، وأطل علينا من على الشاشة الوزير سعد العلمي بطلعته البهية ليقول بعظمة لسانه أن ديدان الفساد تنخر 2 في المائة من الناتج المحلي. وبتفرس بسيط لهذا الرقم يتضح أن ميزانية الفساد تعادل أوتفوق الميزانية المخصصة للبحت العلمي في بلادنا لذلك ربما يتفوق أفواج المتخرجين سنويا من معاهد الفساد الذين يحببون السرقة بالعقل والفن على كل أساليب مكافحة الفساد . ولو تفوه أحد من المجتمع المدني بما تحدت به الوزير إلى وسائل الإعلام لجرجر من سريره بثياب النوم نحو النيابة العامة التي ستفتح له على الطاير محضر بتهمة البلاغ الكاذب أو بتبخيس عمل أمنا الحكومة ، لذلك لم أستغرب لدعوات بعض المواطنين التي طالبت الوكيل العام باعتقال الوزير سعد العلمي على ما تفوه به أمام الملأ في التلفزيون و إيداعه بسجن العلو احتكاما بمنطق ما سلف. والظاهر أن الحكومة تحدثت عن الفساد ليس كما قد يعتقد البعض لكشف المفسدين و تقديمهم للعدالة لتقول كلمة الفصل فيهم ، مادام أن ناهبوا المال العام معروفون لديها بأسمائهم وبعناوينهم وبأرقام سياراتهم وفيلاتهم الفخمة و حسابات أرصدتهم... بل وتعرف ربما حتى ألوان كلاسينهم ، ولكن تحدثت عن الفساد فقط من نافلة القول بالمعروف و التحسيس به ليس إلا، لذلك أفردت بطريقة تشبه عفا الله عما نهب خطة جديدة قديمة من 43 لمكافحة الفساد ولو أني أقترح أن تضيف بندا إضافيا لها كي تكتمل الخطة وتكون مناسبة لعدد أرجل أم الأربعة و الأربعين المعروفة في عالم الحشرات. والمضحك في فزورة مكافحة الفساد الجديدة أن الحكومة تعهدت في الخطة بحماية الهيئات الكاشفة له وكأنهم حوكموا في السابق من طرف محاكم خارج البلد وتم وضعهم مع البابيون في سجن ألكاتراس وليس بسجن العلو أوالقنيطرة أو... و المفروض أن تقوم بإنصافهم عن السنوات التي قضوها في السجن وإرجاعهم إلى عملهم بل و مكافأتهم لأنهم كشفوا اللصوص ،وهي بدون فعلها لذلك وبهذه الخطة تريد فقط غسل يديها إلى الكوعين من تركة ضحايا كشف الفساد في صحن من ذهب، وتريد زيادة عن دلك أن تنشف يديها في منشفة الرأي العام مما علق بهما من وليمة منتهية الصلاحية لنقول لها بالصحة و العافية. والصحيح أنه كلما لاحت ضغوطات أجنبية لإعمال عدم الإفلات من الجرائم الاقتصادية وتصاعدت أصوات لمحاكمة ناهبي المال العام بالمغرب تبادر جهات إلى إعلان خطة و تلتف لفا لولبيا ضد إعماله، وكلما نهب صندوق من الصناديق تسارع إلى تشكيل لجنة للتحقيق في سبل طي القضية طيا لينا ، لدلك ولتسمية الأشياء بأسمائها فالخطة تشبه محاولة تبييض صفحة اللصوص الكبار وهي صك من صكوك الغفران عنهم ليس إلا، وفوق ذلك و- الله أعلم - مزايدة انتخابية وقودها القيل و القال وبنزينها الضحك على الذقون. كل مغربي أعرفه وأجادله في موضوع الفساد يؤكد ألف ما مرة أن فساد اليوم أكبر بكثير من ما سلف، إلا أمي زهرة بالمناسبة أقدمها لكم : نادلة بالمقهى التي أجلس فيها عادة ،ولا علاقة لها بالسياسة ولا بالإغريق فهي تمضي يومها منكبة على غسل وتنشيف الكؤوس و الأباريق، إلا أن رأيها مختلف تماما في موضوع الفساد بل تبدو متفائلة أكتر ربما من الحكومة . فما إن أتم الوزير تصريحه على الشاشة حتى أطلقت أمي زهرة زغرودة تاريخية توثق للحدث ، صمكت بها كل زبناء المقهى قبل أن تصرخ في العلالي: الله يحفظ حكومة سي عباس غاديا تشد الشفارة ..فتعالت قهقهات المتقهوجين من كل حدب وصوب، و الذين تعودوا على مثل هده الفواصل المستملحة من أمي زهرة تلقي بها من حين لآخر بين النشرات الإخبارية ، لكن ما إن خفت ضجيج القهقهات حتى عادت أمي زهرة نحو طاولتي بخطى طائرحدر وهي ترمق لمن حولها ذات اليمين وذات الشمال، واتضح لي من حركاتها أن ورائها نبأ على درجة من الخطورة. وذاك ما تأكدت منه في النهاية وهي تهمس في أدني اليسرى : قالك غاديين يشدو الشفارة طز يامالي طز... يشدو شفار....و يخليوا مافيا تسرق. فضحكت مليا في خاطري ، قبل أن أنتبه إلى رب المقهى وهو من عشاق نشيد بلادي بلادي ... يهم بالخروج منها، كان يتناول فنجانه ربما في زاوية ما بيننا ، قبل أن تطلق أمي زهرة زغلوطتها أو زغرودتها البلعانية . وعادت أمي زهرة الى أباريقها سالمة .