بعد تجمع عدد من النشطاء الإسبان في مدينة العيون ليرفعوا علم جماعة البوليزاريو، و بعد الإعتداءات التي تعرض لها المواطنون من مغاربة بلجيكا على يد شرطة الإستعمار الإسباني بسبب حملهم العلم المغربي عبوراً من مليلية، يبدو جلياً أن الإسبان دخلوا في حرب الرايات على مستوى السلطة التنفيذية و على مستوى المجتمع المدني. فالشرطة الإسبانية بإعتبارها جهاز معين من الإدارة السياسية التابعة للحكومة باعتدائها على حاملي العلم المغربي عبرت عن تورط السلطات التنفيذية في هذا الأمر. و النشطاء الإسبان الذين تسللوا إلى الأراضي المغربية بصفة الإنتماء إلى جمعيات مستقلة عبروا عن تورط المجتمع المدني الإسباني في حرب الرايات هذه لاستفزاز المغرب والمغاربة. فما هي ملابسات هذا التحرك الإسباني و ما هو هدفه ؟ ثم كيف يمكن للمغاربة الإستفادة من حرب الرايات هذه لصالحهم ؟ إسبانيا و تغطية الأزمة بالرايات بالرغم من زحف إسبانيا الحلزوني للهروب من شبح التحول إلى محمية إقتصادية، فإنه لا زالت هناك مشاكل إقتصادية أساسية اشار إليها تقرير لجريدة "ايل بايس" مثل مشكل العجز التجاري المزمن ومشكل فقدان القدرة على منافسة الشركاء التجاريين و مشكل التضخم و الإرتفاع الصاروخي لأسعار المنازل و مديونية العائلات وغيره 1. و تزامناً مع إستمرار هذه الأزمة التي لو اعطيت ما تستحقه من التغطية الإعلامية لكان كل الكلام عليها لأهميتها لدى المواطن الإسباني، نرى كيف يتم خلق مشاكل بديلة لا علاقة لها بمشكل المواطن الإقتصادي الحقيقي في محاولة لتوجيه اهتمامه نحو الخارج. و مع غياب مبررات جادة لتحرك إستفزازي من هذا القبيل، لا يمكن إدراج هذا الأمر إلا في إطار سياسة تصدير الأزمة لإشغال بال المواطن الإسباني بعيداً عن مطالبه الملحة التي فشلت الدولة في الإستجابة لها. هذا من ناحية قلب حرب الرايات الإسبانية الذي نلمسه في ما ذكر من الأحداث و الوسائل الموظفة فيها. و الأمر الآخر الذي يجب التنبيه إليه هو القالب الذي تم اعتماده من أجل إضافة عنصر التشويق إلى حرب الرايات كي يسهل استهلاكها محلياً. فالهجوم على المواطنين المغاربة بعنف و سحب الأعلام المغربية يدغدغ مشاعر الجماهير و يصلح للإستخدام في إخماد نار الثورة في إقليم الباسك التي كلما زادت حدة الأزمة الإقتصادية كلما زادت إشتعالاً، و كذلك إخماد نار الإحتجاج في باقي المناطق و التي لا أحد يضمن عدم انتشارها بشكل واسع. فالمواطن إذا أعطيته الشعور بالعظمة فإنك تسلب منه التعبير عن الإنكسار. ملابسات حرب الرايات عرضت جريدة "ايل الفارو" الإسبانية وجهتي نظر مختلفتين فيما يخص التدخل العنيف الذي مارسته شرطة الإستعمار الإسباني في حق خمسة من مغاربة بلجيكا 2. ففي حين ترى الحكومة المغربية -وكما جاء في بلاغ لوزارة الخارجية- أن تدخل شرطة الإستعمار الإسباني كان بسبب حمل العلم المغربي، اكتفت الجريدة و التي من المفروض أن تكون أقرب إلى توضيح وجهة نظر إسبانيا بالقول أن إسبانيا ترى أن الحدث بسيطاً دون ذكر التفاصيل. وأمام هذا الغموض الذي ينتاب وجهة نظر الإسبان لا يسع المتتبع إلا التسليم بوجهة النظر المغربية خاصةً و أن التغطية الشعبية لهذا الحدث تثبت أن الإعتداء كان على أساس حمل الرايات فقط . و إلا فإذا كان هؤلاء المغاربة متعنتين في مسألة التعاون مع الشرطة الإسبانية كما افادت وكالة الأنباء الرسمية الإسبانية "إفي" فما السبب إذاً في عدم تعنتهم خلال دخولهم المغرب عبر الأراضي المحتلة ؟ ثم كيف يعقل لمن ثبت تعاونهم مرات عديدة في الماضي بأن لا يتعاونوا مرةً واحدةً دون سبب؟ إن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، بل بادر بعد هذا كله مجموعة من النشطاء الإسبان إلى مدينة العيون ليرفعوا أعلام منظمة مسلحة مدعومة من الخارج ويطالبوا بإستقلال إقليم خاضع لسيادة المغرب، ليلقوا بعد ذلك الغضب الجماهيري ويرحلوا إلى الخارج. و في الحدث الثاني هذا موقفين مختلفين. الأول هو أنه تم قمعهم من طرف الشرطة المغربية والثاني كما ذكر رسمياً في المغرب واشرت إليه أنهم تمت مواجهتهم من طرف الجماهير. و الأرجح في هذا هو الإحتمال الثاني لأنه لو كان بإمكان الإسبان توثيق أن الشرطة المغربية هي التي قمعت هذا التجمع الذي لم يرخص له لما قامت مدريد بإغلاق الملف 3. و بإغلاق هذا الملف يبدو أن هناك منحاً آخر في حرب الرايات الإسبانية يتراجع فيه الرسميون لحساب مبادرات المجتمع المدني كمبادرة تحريك أسطول نحو الصحراء 4 دعماً للإستقلال الوهمي. كيف يمكن للمغرب الإستفادة من حرب الرايات؟ في هذا الجزء سوف اطرح خلاصة بعض من الأفكار التي تبرز إمكانية تحريف حرب الرايات الإسبانية عن مسارها و إبطال مفعولها و استثمارها من أجل المغرب والمغاربة. أولاً : فيما يخص المغاربة المعتدى عليهم، يجب أن توظف الجهود الرسمية و الشعبية لملاحقة المسؤولين في شرطة الإستعمار الإسباني من أجل تقديم الإعتذار والتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية. والأهمية هنا تكمن في كون ملاحقات كهذه تعد فرصة ذهبية لإسماع الآخر الأوروبي والدولي ومن خلال قضية الإعتداء هذه مسألة الأراضي المحتلة في شمال المغرب من طرف المستعمر الإسباني. و لا شك أن طرح هذا الأمر على الواجهة من شأنه الإسهام في تعجيل انجلاء الإستعمار. ثانياً: إذا كان الإسبان بالشكل المذكور يدعمون منظمة مسلحة تستهدف الوحدة الترابية للمغرب، فما العيب في دعم المغرب لمطالب الإستقلاليين الباسك؟ أنا هنا لا أقصد منظمة إيتا الإرهابية و لكن من الممكن التعاطي بإيجابية مع احزاب إنفصالية تعارض العنف كحزب أرلار اليساري الإنفصالي الصاعد في إقليم الباسك والحاصل على أربعة مقاعد برلمانية 5. فمن الممكن استضافة مثلاً رئيس الكتلة البرلمابية الإنفصالية اينزان ازنارو في برنامج حوار للتعريف بمشروعه الحضاري. و إستعمال أوراق كهذه شيء في قمة الحضارة إذ يكون الضغط على الخصم العنيد بالوسائل الديموقراطية والحضارية التي تعري ادعاءاته الباطلة. ثالثاً: إذا كان هدف حرب الرايات هو تصدير الأزمة و إلهاء المواطن الإسباني عن مشكلته الإقتصادية الحقيقية فلنعمل كمغاربة و خاصة الإعلاميين على تسليط الأضواء على كوارث الإقتصاد الإسباني و متابعتها و مناقشتها في الإعلام المرئي و المسموع والإلكتروني على حد سواء وبمختلف اللغات. وهذا يجعل الخصم يحس بعدم فاعلية حرب الرايات و ما ينجر معها من مناوشات هنا وهناك، ومن اطلاقات إعلامية لا فائدة فيها للهروب من موجة التوعية التي ندعوا إليها. بمناسبة هذا الموضوع يحضرني سؤال عن عدد المقالات و التقارير في الإعلام المغربي التي تطرقت للسياسة الداخلية الإسبانية! سؤال إذا كان جوابه وافياً فإن للمغرب ورقة ضغط على الرأي العام الإسباني من موقع الملم بنقاط الإهتمام لديه ونقاط الضعف لدى حكومته المتغطرسة، وهذا فيه أمل لتفعيل الثقافة و الحوار من أجل نيل المطالب العادلة للمغرب. أما إذا كان جواب هذا السؤال ليس وافياً وكان اعلامنا و سياسيونا لا يجيدون التكلم بلغة الخصم، فما عليهم إلا الأخذ بما طرحناه من أفكار وترجمتها على أرض الواقع، هذا عوض إنتاج تقارير و مقالات و خطب تحذر من الأسطورة الصفوية تارةً و السبئية تارةً أخرى، تاركةً واقع الإستعمار الإسباني الغاشم يعبث بكرامة المغرب. [email protected] ___ الهوامش 1. ايل بايس ، اكونوميا، ماي 2009 2. شبكة ناظور اليوم، يوليو 2010 3. هسبرس، سبتمبر 2010. 4. المصدر السابق 5. موقع حزب أرلار الإنفصالي aralar.net