فقد العالم الإسلامي مفكرا عملاقا بحجم أمة الإسلام في خطّ طنجة – جاكرتا , وفقد فيلسوفاومرجعا بحجم كل التراكمات الحضارية و الفكرية و الثقافية و الفلسفية في الجغرافيا التي تدين بالإسلام , فقد العالم الإسلامي المفكر المبدع و المؤسس المؤصل السيد محمد حسين فضل الله الذي عاش بكل قواه وحواسه و جهده للإسلام و المسلمين . يذكّرنا المفكّر العملاق السيد محمد حسين فضل الله بجيل المثقفين الموسوعيين في العالم الإسلامي الذين جمعوا بين علوم النقل و العقل , و الذين برعوا في كل ميادين المعرفة الإسلامية و الإنسانية , ففضل الله كان فقيها و أصوليا و نحويا ولغويا و سياسيا و فيلسوفا حتى أسميته بفقيه الحضارة ..قبل وفاته بقليل دخلت على مكتبه في بيته و كانت الأوجاع تسري في جسده الشريف , فقال لي : عيشوا للإسلام و إنفتحوا على الآخر على قاعدة الإسلام الحضاري المنفتح .. وهو يوصل إليّ هذه القاعدة و التي تعتبر وصية في حد ذاتها , كونها من الجمل الأخيرة التي سمعتها منه , إنما أراد أن يعطيني أهم أساس لمنطلقه الفكري الإسلام المنفتح على الآخر ... لقد نجح المفكر الإسلامي العملاق محمد حسين فضل الله في فهم منطلقات الشريعة الإسلامية و إدراك مقاصد الشريعة , فأبدع إجتهادا للحياة , وأكدّ أن الإسلام دين حياة , آمن أنّ الإسلام دين إحياء وليس دين قتل , وقد أهلّه إجتهاده المطلق أن يفهم كنه الشريعة الإسلامية , فأستنبط للمسلمين أحكاما تتماشى مع الحياة , ومع إنسانية الإنسان .. برع في الفقه والأصول و اللغة والنحو والتفسير و المنطق و علم الكلام والفلسفة و فقه الدولة و الإقتصاد وعلم الفلك و الحساب , ورغم تسخيره حياته كل حياته للتحصيل العلمي و التفوق في كل ميادين المعرفة الإسلامية و الإنسانية , فقد علمّ هذه العلوم , ولم يكن يعرف معنى الراحة أو الخلود إلى الحدائق الغنّاء , كان شعلة متقدة في تدريس طلبة وطالبات العلم , و إلقاء المحاضرات و عقد اللقاءات الكثيرة مع الناس البسطاء و الشخصيات السياسية و الفكرية , كان قنديلا لا ينضب زيته , و حركة لا تعرف الجمود , و مشعلا لا يقبل الإنطفاء , و كان يجد بين كل هذه المهام وتلك لحظات بل سويعات للتأليف والكتابة في مجال الفقه و الفكر الإسلامي والتفيسر و الرد على أسئلة المستفتين , كان يرى أن كل ثانية من ثواني حياته , و كل دقيقة من دقائق عمره يجب أن تكون للإسلام و المسلمين ... ولم يكن كغيره يكتنز القناطير المقنطرة من الأموال الشرعية , بل إستخدم هذه الأموال في بناء دور للأيتام و معاهد للفقراء و مراكز للتعلم و الفكر و الثقافة , و كان أبا للمستضعفين و الفقراء و المحتجين , حتى عرف بأنه أبو المساكين .. دعا المسلمين بإخلاص إلى الوحدة و نبذ الفرقة , و تجاوز الخلافات الفقهية الضيقة حماية للإسلام من التحديات المحدقة به من قبل الإرادات الغربية و على رأسها أمريكا التي حاولت إغتيال السيد فضل الله في منطقة بشر العبد سنة 1986 ..وقال عندها بشجاعة وجرأة : القتل لنا عادة و كرامتنا من الله الشهادة ... سيكتب التاريخ المعاصر و سيسجل المستقبل القريب والبعيد أن عملاق الفكر الإسلامي محمد حسين فضل الله كان مؤسسا للمقاومة الإسلامية في لبنان , و كثير من المقاومات في العالم الإسلامي , وكان أبا روحيا لكثير من الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي و مسددا لها وراشدا لها ومحذرا أياها من السقوط في كمائن المتآمرين على العالم الإسلامي ...و كان يرى الحركة الإسلامية بدون فكر وفقه حضاري و سياسي أسبه بالأعمى الذي لا يبصر ويتخبّط في أخطائه القاتلة . كان مسكونا بهم القضايا الكبرى , و منشغلا بهم الإنسان المعاصر , كان منحازا للحق ضد الظلم , و للمستضعفين ضد المستكبرين , و كان قلبه بحجم الكرة الأرضية يسع حتى الذين تطاولوا عليه وحسدوه و غاروا من مكانته العملاقة و شككوا في مرجعيته الفقهية و حاولوا التطاول عليه , كان يستغفر لهم بقدر ما يحملون عليه , ولذلك حضر تشييع جثمانه كل العالم الإسلامي , و من الصعوبة بمكان أن يحظى رجل في الراهن البشري بكل هذا الإجماع العالمي , لقد أحبه أهل جميع الديانات ,كما أحبه أصحاب كل المذاهب , لقد إحترمه كل الأحرار في العالم .. ذلك هو فضل الله الرمز و الجامعة و القدوة و المرجع الفقهي و السياسي و الثقافي و الفلسفي ,والذي ستظل أفكاره كأفكار الخالدين و العمالقة تحرك أجيالا بإتجاه التكامل الحضاري .... لقد رحل المفكرّ الإسلامي العملاق محمد حسين فضل الله وترك وراءه مدرسة متكاملة الأركان , و مشروعا كامل الأدورات , و رؤية سياسية و ثقافية وفلسفية ستشكّل نبراسا للأجيال الراهنة والقادمة والتي ستجد فراغا كبيراوتشعر بحزن بالغ عندما تفتقد ذلك الصوت الشجي الأبوي كل يوم في مسجد الحسنين في منطقة حارة حريك : يا أبنائي عيشوا للإسلام ... لقد عاش السيد فضل الله للإسلام , وعاش لكل المسلمين الذين إستوعبوا رسالته , و تفاعلوا مع فكره فتحول مسجده في حارة حريك إلى ساحة قل نظيرها يوم تشييع جثمانه ..جثمان المرجع الذي أبدع في الراهن العربي و الإسلامي أكبر مدرسة إسلامية لبناء الحياة , وكما كان كل المعادلة في حياته , سيظل كل المعادلة بعد مماته , و عندما قدمت تعازيّ لإبنه العالم الجليل السيد علي فضل الله في وفاة والده , قلت له , يا سيد علي الآن صرت غريبا . بالفعل الآن اصبح المسلمون غرباء بغيابه عن دنيانا , و ما يخفف الوطأ علينا هو بقاء أفكاره كالنجوم التي ترشد المتعطشين إلى فكر بحجم الحياة , فكر العملاق محمد حسين فضل الله ....