تم، أمس الثلاثاء بروما، تقديم مؤلف يحمل عنوان "المغرب في ظل الدينامية المتوسطية الجديدة .. تحديات الإصلاحات بالرباط والعلاقة الاستراتيجية مع إيطاليا"، وذلك بحضور ثلة من رجال السياسة ومثقفين وباحثين وصحفيين. ويعد هذا المؤلف، الذي نشره المعهد الإيطالي لآسيا والمتوسط الذي يوجد مقره بالعاصمة الإيطالية، باكورة عمل فريق من الباحثين أكدوا أن ما حفزهم على تقديم هذا العمل هو التقدير الإيجابي الذي يكاد الإيطاليون يجمعون عليه اتجاه المغرب. ويقترح هذا البحث، الذي كتب مقدمته السيد حسن أبو أيوب، سفير المغرب بإيطاليا، والذي صدر باللغة الإيطالية، أن يعيد بناء دينامية تشكيل الهوية التاريخية والوطنية المغربية. ويقف هذا الإصدار، الذي أنجز بتنسيق بين فرانسيسكا باسيفيسي وموريزيو كوسيانسي، أيضا من خلال توقفه عند الأوجه ذات الطابع السياسي والاقتصادي والتجاري والاستراتيجي، عند المسار الذي نهجه المغرب على درب الحداثة والتنمية الاقتصادية. وشكل حفل تقديم المؤلف، الذي نشطه رئيس المعهد الإيطالي لآسيا والمتوسط السيد غيدو فولوني، بذلك مناسبة للمشاركين من أجل استحضار تاريخ المغرب العريق، مسجلين أن هذا التاريخ كان دائما مطبوعا بالتعددية وروح التسامح والتعايش بين الشعوب والمجتمعات ومن خلال تنوع التأثيرات الثقافية. ولاحظوا أن موقع المغرب شجع منذ العصور القديمة، على التبادل الثقافي والاقتصادي، ويوضح أيضا في الوقت الراهن، لماذا تشكل المملكة نقطة جذب استراتيجية هامة على المستويين الإقليمي والدولي. وأعرب منجزو هذا المؤلف عن رغبتهم في أن يشكل هذا الأخير أداة للتعريف بمعطيات هامة عن المغرب المعاصر والتحولات المتميزة التي شهدها خلال السنوات الأخيرة، خاصة بالنسبة للفاعلين في الحياة السياسية والمقاولاتية، وذلك بالنظر إلى العجز الملحوظ في هذا المجال باللغة الإيطالية. وأشادوا، في هذا السياق، بالتطور الديمقراطي الذي يشهده المغرب وانفتاحه الاقتصادي الذي حشد اعتراف وتقدير المجتمع الدولي، داعين بالمناسبة تعزيز الصداقة المتينة التي جمعت دائما بين إيطاليا والمغرب. ولدى تدخلهما، في ذات السياق، نوه رئيس جمعية الصداقة الإيطالية-المغربية، تيريزيو ديلفينو، والسيناتور سينزيا بونفريسكو، بالمغرب فيما يتعلق بالمسار النموذجي الذي تم نهجه لحد الآن والذي استحق من خلاله وضعا خاصا بالمنطقة. وأبرزا أيضا أوجه التشابه بين المغرب وإيطاليا، باعتبارهما بلدين غنيين بثقافتيهما وتاريخيهما، معربين عن أملهما في أن يشكل هذا الإصدار قيمة مضافة في تعزيز معارفهما المتبادلة وتحقيق تقاربهما. من جهته، أشار سفير المغرب إلى أن "المعهد الإيطالي لآسيا والمتوسط نجح عبر هذا المؤلف في إثارة اهتمام تيارات مختلفة من الرأي العام الإيطالي حول المغرب واقتراح مسارات جديدة للكتابة والبحث عن المغرب". وشدد الدبلوماسي المغربي، في هذا الإطار، على المسؤولية الملقاة على عاتق كل مغربي للمساهمة في التعريف ببلاده وبقيمه الأصيلة والعمل على تبديد الصور النمطية التي تمس بسمعته وهيبته. وبخصوص دينامية الإصلاح التي يعرفها المغرب والأوراش الكبرى التي فتحها في مختلف المجالات، أكد السيد أبو أيوب أن المملكة تعيش لحظة مهمة من تاريخها، وتستعد لإقرار إصلاح دستوري جريء من شأنه تعزيز دورها أكثر في منطقتها، باعتبارها فاعلا في خدمة النهوض بالحوار والتبادلات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. وينقسم هذا الكتاب إلى أربعة فصول تتناول على التوالي مواضيع "المغرب في التاريخ : بناء دولة مستقلة وحديثة"، و"عهد محمد السادس : تحدي الانتقال الديمقراطي والإصلاح" و"التضامن الاقتصادي للمغرب والآفاق الجديدة للنمو" و"المغرب في السياق الدولي والعلاقات مع إيطاليا". وبالإضافة إلى المعطيات ذات الطابع التاريخي في فترة ما قبل الاستعمار إلى حين الحصول على الاستقلال وتوطيد الوحدة المغربية في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني، تطرق الكتاب إلى الأوراش الاجتماعية والسياسية الكبرى التي تم إطلاقها منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، مشيرا على الخصوص إلى "الثورة" التي شكلتها مدونة الأسرة، ومسلسل الجهوية والسياسات المتبعة في مجالي الشباب والتكوين. وتوقف مؤلفو الكتاب أيضا عند قوة الاقتصاد المغربي وانفتاحه على الخارج، مشيرين، في هذا الصدد، إلى الإمكانيات التي يزخر بها قطاع السياحة ومخطط "المغرب الأخضر" في المجال الفلاحي. كما تناولوا، في الختام، موضوع علاقات المغرب مع محيطه الإقليمي والدولي، مذكرين بصفة خاصة بأن المملكة تتمتع بوضع متقدم في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي. وتم كذلك تخصيص تحليلات حول تعزيز السلام بالمنطقة، ومشكل الإرهاب وقضية الصحراء المغربية، فضلا عن علاقات المغرب الاقتصادية مع إيطاليا. وكان المعهد الإيطالي لآسيا والمتوسط قد نظم بداية شهر دجنبر الماضي بروما، مؤتمرا حول موضوع "العالم العربي في مواجهة الإصلاحات .. المغرب نموذجا ". وقد شكل هذا المؤتمر مناسبة للمشاركين لتسليط الضوء على دور المغرب باعتباره شريكا مركزيا واستراتيجيا بمنطقة المتوسط بالنظر إلى موقعه الجغرافي وتاريخه وأصالته وخصوصياته، وهو ما كان له وقع إيجابي على مبادلاته الاقتصادية والثقافية مع إفريقيا وأمريكا والعالم العربي. وكان المتدخلون أكدوا خلال هذا المؤتمر، الذي عرف مشاركة ما يقرب من 150 شخصية مغربية وإيطالية من نواب ورجال أعمال وأكاديميين وصحفيين فضلا عن ممثلين عن المنظمات غير الحكومية الدولية، أن هذا الدور المركزي للمغرب ومشروعه المجتمعي الطموح الذي تم اعتماده منذ سنوات لضمان انتقاله الديمقراطي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، يجعل من المملكة بالتأكيد نموذجا يتعين تحفيزه ودعمه. ويعمل المعهد الإيطالي لآسيا والمتوسط، الذي تأسس سنة 1974، بتعاون مع عدة مؤسسات إيطالية على التشجيع على إنشاء نظام للتعاون النشيط والفعال مع جهات إيطالية وأجنبية. ويضع المعهد كل خبرته وشبكته من المتخصصين في مجالات مختلفة رهن إشارة البرلمانيين والمقاولات ومختلف البلدان والمناطق، ولا سيما من خلال بحوث وتنظيم ندوات وزيارات وبعثات اقتصادية.