بات تدبير الأمن الغذائي رهانا يكتسي أولوية قصوى في ظل التأثيرات السلبية، المتوقعة مستقبلا، للتغيرات المناخية على القطاع الفلاحي، لارتهان هذا الأخير بشكل مطلق بالمناخ ومتغيراته المتسارعة. وقال السيد رياض بلاغي رئيس قسم البيئة والموارد الطبيعية بالمعهد الوطني للبحث الزراعي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنه إذا كان القطاع الفلاحي يساهم بقسط في الانبعاثات المسببة للاحترار المناخي، فإنه يتأثر على نحو أكبر من التغيرات المناخية الناجمة عن ذلك; إذ أن 80 في المائة من التغير الحاصل في مردودية القطاع، مصدرها الأوضاع المناخية السائدة في العالم. // الفلاحة .. قطاع شديد التاثر بالتغيرات المناخية // وأوضح هذا الخبير، الحاصل على جائزة من منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، أن التغيرات المناخية، التي تسترعي مزيدا من الانتباه على المستوى العالمي، تتجلى من خلال التواتر البارز للظواهر المناخية القاسية، في ظل غياب الانتظام المأمول لمردودية القطاع الفلاحي بجميع أنحاء العالم، خاصة ببلدان الجنوب التي تحتكم إلى قدرات متدنية في مجال التكيف مع هذه التغيرات. وسجل الخبير المغربي، بمناسبة اليوم العالمي لكوكب الأرض الذي يصادف الاحتفاء به يوم 22 أبريل من كل سنة، أن مردودية القطاع الفلاحي في المغرب، خاصة بالنسبة للزراعات البورية أو تلك التي لم تستفد من التقدم التكنولوجي المنجز على هذا الصعيد، ستكون الأكثر تأثرا على نحو سلبي بالتغيرات المناخية، مشيرا إلى أن الأمن الغذائي بالمغرب يعتمد أساسا على الزراعة البورية المهيمنة على المساحات المزروعة. وتتوقع الدراسات، المنجزة حول تأثير التغيرات المناخية على القطاع الزراعي المغربي، على الخصوص، حصول انخفاض في إنتاجية القطاع، لاسيما بالنسبة للزراعات البورية التي لم تستفد كليا، أو على نحو بسيط من التقدم التكنولوجي، كالشعير والقمح الصلب والقمح الطري وأشجار الزيتون والخضراوات. واوضح السيد بلاغي أن تأثر المغرب على نحو كبير بالتغيرات المناخية يعود أساسا إلى حجم الاستفادة المتواضعة من التقدم التكنولوجي في هذا المجال، والمكانة التي تشغلها الفلاحة كأحد موارد الدخل (ما بين 15 و20 في المائة من الناتج الداخلي الخام)، وكمجال لتوفير مناصب الشغل (40 في المائة)، وأيضا بالنظر لضعف اعتمادها على آليات التدبير الخاصة بتفادي أو التخفيف من آفة الجفاف. وفي ظل استغلال 85 في المائة من الأراضي الزراعية غير المسقية، يضيف السيد بلاغي، تتأثر إنتاجية أهم الزراعات على نحو سلبي بعدم الانتظام الكبير في مستوى التساقطات وبامتداد فترات الجفاف. وفي ما يخص تأثير التغيرات المناخية على المغرب، سجل الخبير المغربي أن التوقعات بهذا الشأن تذهب إلى ارتفاع في درجات الحرارة، وانخفاض في نسبة التساقطات وازدياد في حدة عدم انتظامها، وينتظر أن يرتفع متوسط درجات الحرارة ما بين 1ر1 و 6ر1 درجة مئوية في أفق 2030 وبما بين 3ر2 و9ر2 درجة مئوية في أفق 2050 وبما بين 2ر3 و 1ر4 درجة مئوية في أفق 2080 . اما حجم التساقطات، فمن المرجح، بحسب نفس الخبير، أن تنخفض بنسبة 14 في المئة في 2030 وبما بين 13 و30 في المئة سنة 2050 ، وبما بين 21 و36 في المائة في 2080 . وبحسب الخبراء في هذا المجال، يتطلب التفاعل ما بين التغيرات المناخية والامن الغذائي إدراج بدائل وأجوبة ملائمة للتكيف بهدف الرفع من مردودية النشاط الزراعي وتأمين كميات الغذاء اللازمة لمواجهة الاحتياجات المتزايدة للساكنة. //تحقيق الأمن الغذائي في مواجهة التغيرات المناخية.. ضرورة التزود بآليات سياسية ومؤسساتية وتكنولوجية لرفع التحديات// وحرص السيد بلاغي على التأكيد بأن ضمان الأمن الغذائي على المدى البعيد يستدعي في نفس الوقت التقليص من المخاطر المناخية والعوامل التي تساهم في تدهور الوسط الإنتاجي (تدهور خصوبة التربة، تقلص الموارد المائية، تدهور المحيط البيئي الطبيعي)، إلى جانب التقليص من الفقر وتيسير ولوج أفضل للموارد المالية المساعدة على توسيع الاستثمار في هذا المجال. وأوضح أنه في عالم تغيب فيه كل الضمانات، يستند الأمن الغذائي في المغرب على إنتاج كميات كافية من المحاصيل الزراعية الأساسية (القمح الزيوت والسكر). ولهذه الغاية، يتعين، حسب رئيس قسم البيئة والموارد الطبيعية بالمعهد الوطني للبحث الزراعي، على الحكامة الجيدة للقطاع الفلاحي أن تضع في قلب انشغلاتها "الماء" ليس فقط كعامل إنتاج ذي مردودية على المستوى الاقتصادي ولكن أيضا كمورد نادر يتعين الحفاظ عليه وتوجيهه لإنتاج محاصيل أساسية. وأثار الانتباه إلى أن بدائل التكيف تتطلب أيضا تحسين الحكامة في مواجهة التغيرات المناخية عن طريق تنمية الاستثمارات في القطاع الفلاحي والنهوض بالبحث الزراعي وترتيب مناخ موائم للاستثمار في مجال الفلاحة المستدامة والتنمية القروية في ظل مكافحة الأسباب البنيوية لتدهور الأمن الغذائي. كما يتعين أيضا أخذ إجراءات أخرى، يضيف الخبير المغربي، كالولوج المؤتمن لتمويل القطاع والتشجيع على ذلك، مع أخذ بعين الاعتبار الدور الهام الذي يمكن أن تضطلع به المراة في القطاع الفلاحي، والتقليص من مخاطر تعرض الفلاحين الأكثر هشاشة لتقلبات أسعار المواد الغذائية، وتعزيز النظام الوطني للتعليم والبحث الزراعي ونقل التكنولوجيا والاستشارة في هذا المجال. وأضاف أن البدائل الممكنة لمواجهة التغيرات المناخية تتوقف أيضا على انخراط كل الفاعلين، بما فيها الجماعات المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، في التخطيط وتنفيذ السياسات الزراعية والاستثمار في مجال تطوير التكنولوجيات الحديثة بأثمنة تنافسية ومناسبة. ولتدبير أيضا المخاطر المتصلة بالمناخ، يرى السيد بلاغي أنه يتعين تعميم المعلومات التي تبثها الأرصاد الجوية، ووضع آليات لتدبير المخاطر المناخية (التأمين الفلاحي، الإنذار المبكر للحالات القصوى، التوقعات الخاصة بحجم المحاصيل ) و العمل على مواجهة والتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية. وبالنسبة للباحث محمد آيت قاضي مهندس زراعي ورئيس المجلس العام للتنمية الفلاحية، فان المغرب، وكما هو الشان بالنسبة لباقي البلدان، يوجد في حد التماس مع الاختلالات المسجلة على مستوى المنظومات البيئية العامة، والتي تمثل التغيرات المناخية الملحوظة حاليا تمظهرها الأكثر حدة. وأكد السيد آيت قاضي، الذي هو أيضا عضو في لجنة التوجيه بالمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، أن المغرب ليس له من خيارات أخرى، إذ عليه أن يتعايش مع هذه التغيرات، ويتكيف معها وفقا لسياقاته الخاصة، مشددا على ضرورة أن تتطور الزراعة في المغرب بإرساء آليات التكيف مع هذه التغيرات بغية دعم مسلسل القضاء على الفقر بالعالم القروي، والمساهمة بالحجم المطلوب في تحقيق الأمن الغذائي.