قال الأديب المغربي العربي بن جلون إن القصة المغربية مرت بمراحل تاريخية هامة, انطلقت في مرحلة مقاومة الاستعمار, وتطورت بعدالاستقلال, واتجهت في مرحلة السبعينيات والثمانينيات إلى الاهتمام بالجانب الشكلي لتتحول الآن إلى القصة القصيرة جدا أو الأقاصيص. وأوضح الكاتب المغربي الذي استضافه، أمس الثلاثاء، مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية لتنشيط ندوة حول موضوع " القصة المغربية بين التأسيس والتجنيس" أدارها الأديب المصري منير عتيبة المشرف على المختبر، أن كل الدراسات التي تناولت الأدب المغربي تسجل بأن الظروف التاريخية لبلدان المغرب العربي تختلف كليا عن بلدان المشرق التي نشأت بها الجماعات الفكرية والحركات الدينية والأسواق الأدبية مثل سوق عكاظ. وأضاف أنه في الوقت الذي قدمت فيه الحملة العسكرية الفرنسية في مصر دون أي قصد، موارد أثرت الحياة العلمية والثقافية والفكرية، كانت الحملات الفرنسية والإسبانية والإيطالية في المغرب بمثابة الأخطبوط الذي يتصيد الثروات ولا يفسح مجالا للعلم أو المعرفة أو الثقافة. وفي معرض حديثه عن ظهور الأدب والثقافة في المغرب استحضر الروائي المغربي بعض الإشراقات التي فتحت عيون المثقفين على العلم والمعرفة مثل جامعة القرويين وجامع الأندلس، مبرزا أن ظهور المطبعة في المملكة عام 1852 مكن من ازدهار الكتابة والتأليف رغم اقتصار ذلك في البداية على اللغة والفقه. كما تناول بداية نشأة فن القصة في المغرب بالتزامن مع بداية الحركة الوطنية التي قاومت الاستعمار وساهمت في النهضة التعليمية والتثقيفية والأدبية، مشيرا إلى أن المحاولات الأولى للقصة غلب عليها الطابع الاجتماعي من خلال سعيها لشرح الظواهر الاجتماعية لتقويم السلوكات الشائعة آنذاك، لتظهر بعد ذلك القصة التاريخية التي كانت تتحدث عن النضال العربي ضد الاستعمار. وتابع أن القصة في هذه الفترة كانت امتدادا طبيعيا للقصة الشعبية التي تعتمد على الخوارق وتقوم على أسس غير منطقية فنتج عن هذه المحاولات فن شكلي بدائي أو ما يطلق عليه مقال قصصي غير مكتمل. ولفت إلى أن القصة في عهد الاستعمار كانت أداة من أدوات المقاومة، فلم تهتم بالشكل بقدر ما حاولت تعميم اللغة العربية وصيانتها، وبعد الحصول على الاستقلال انطلقت مرحلة التشييد والتجديد، أي تجديد الحركة الفكرية من خلال إنشاء دار الفكر واتحاد كتاب المغرب ومغربة الجامعة وإصدار عدد كبير من الملاحق الثقافية في الصحف المغربية والمجلات الثقافية. وأبرز العربي بن جلون أن الملاحق الثقافية لعبت دورا كبيرا في الحياة الثقافية من خلال نشر القصة وترجمة النصوص القصصية، مؤكدا أن كتاب هذه المرحلة ساهموا بشكل كبير في تطوير القصة المغربية غير أن معظمهم انتقل لكتابة الرواية والسير الذاتية والشعر. واعتبر الروائي المغربي أن القصة في فترة السبعينيات والثمانينات، هيمن فيها الاتجاه الاجتماعي ، واهتمت بالشكل على نحو كبير، والاعتماد على الغرائب والعجائب، وهي المرحلة التي بدأت منها مرحلة التجنيس ، حيث اعتمد الكتاب في كتاباتهم على الحلم والوهم واللغة الشعرية واللعب بالكلمات ، ليصبح لها أسلوب فني وشكلي مختلف جذب النخبة وأبعد عنها القارئ العادي. وأبرز أن القصة في شكلها الحالي شهدت تغيرات جذرية حيث تحولت إلى قصة قصيرة جددا تتألف من 20 إلى 50 كلمة بالرغم من إدراك الكتاب استمرار صعوبة الكتابة مع استخدام هذا العدد من الكلمات، مشيرا إلى أن هناك من أرجع هذا التحول إلى الايقاع السريع للحياة، أو إلى قلة الاهتمام بهذا الفن، أو إلى رغبة في التجريب أو التنويع. ليخلص إلى فن قصص التربية غير النظامية الذي يقدمه بتعاون مع عدد كبير من المنظمات العالمية، ومن أهمها منظمة "البحث عن أرضية مشتركة" لكتابة قصص للأطفال الذين لم تمكنهم ظروفهم من الالتحاق بالمدارس واكتساب المعرفة والتربية النظامية، ولكنهم توجهوا للعمل بالحرف المختلفة. وقال إن هذه القصص تقدم للأطفال الفرصة للتعرف على القوانين المجتمعية في مجالات متنوعة، منها التعامل مع الآخر والزواج ومعاملة الجيران والعلاقة بين العمال ورب العمل وفكرة الوساطة والانتخابات وغيرها. وقدم الأديب المغربي قراءة لنموذج قصصي للكاتب عبد الجبار السحيمي، أحد رموز الحداثة الأدبية المغربية، إلى جانب قراءة قصصية لمجموعة من أعماله. وتأتي استضافة مكتبة الاسكندرية للروائي المغربي العربي بن جلون في إطار اهتمام المختبر بالتواصل مع الإبداع والمبدعين العرب من خلال عقد سلسلة من اللقاءات مع عدد من هؤلاء المبدعين.