صنع الزعيم المحافظ عبد العزيز بلخادم الحدث السياسي في الجزائر بامتياز خلال الأيام الماضية، وأدهش الأنصار كما الخصوم، بعناد شديد أظهره في معركة إزاحته من قيادة جبهة التحرير الوطني، الحزب الرئيسي في منظومة الحكم بالبلاد. ويبدو أن بلخادم يعيش هذه الأيام ثالث أبرز محطة في حياته السياسية ككل. الأولى كانت في عام 1992 عندما تنحى عن رئاسة المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، بعد حله بقرار من وزير الدفاع آنذاك خالد نزار، على خلفية أزمة إلغاء الانتخابات التشريعية حينها.. والثانية عندما عاد مقربا إلى الحكم بعد ذلك بعشر سنوات، وتحديدا عندما قرر القادم الجديد لقصر الرئاسة، عبد العزيز بوتفليقة، ضمه إلى فريقه الجديد ومنحه الموقع الأقرب منه. والثالثة عندما اشتدت الأصوات المطالبة بإزاحته عن حزب جبهة التحرير، وتكللت بنزع الثقة منه الأسبوع الماضي. ويبدو أن المشهد السياسي في الجزائر بدأ يتحول تدريجيا، منذ بدء ثورات الربيع العربي في الدول المجاورة. ويربط مراقبون للشأن السياسي الجزائري، بين «عناد بلخادم» في وجه خصومه، وتخلي السلطة ومؤسسة الرئاسة عنه في مواجهة خصومه الذين يريدون إزاحته. ويضع كثيرون هذا «التخلي» في سياق أوسع يتعلق بقرار مفترض اتخذه النظام، وربما لأول مرة، بالابتعاد عن المعارك الداخلية للأحزاب، عله يضفي شيئا من المصداقية على وضعه كمراقب محايد. ويذهب أصحاب هذا الرأي أبعد عندما يضعون هذا «الحياد» الجديد للحكم، خصوصا في معارك قيادة جبهة التحرير، إلى محاولة صياغة منظومة جديدة للحكم في عز «الربيع العربي». وبدأت ملامح هذه المنظومة الجديدة تتأكد بعد انفراط عقد التحالف الرئاسي الذي كان مكونا من جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، وبروز حزب آخر مقرب من السلطة، هو حزب «تاج» بزعامة عمار غول. وفاجأ بلخادم المراقبين ومناضلي وقادة حزب «جبهة التحرير»، لما عاد إلى اجتماع «اللجنة المركزية» الجمعة الماضي، بعد أن سحب غالبية أعضائها الثقة منه عبر صندوق الاقتراع الذي دعا إلى الاحتكام إليه، بعدما اتسعت دائرة المعارضين المطالبين برحيله؛ فقد ظن الجميع أن الرجل سيتوجه مباشرة إلى مكتبه بالحزب، الذي جاء إليه عن طريق الانقلاب على الأمين العام السابق علي بن فليس نهاية 2003، فيأخذ أغراضه ويعود إلى بيته نهائيا. عاد بلخادم إلى «اللجنة المركزية» ليقول لأنصاره إنه باق في حزبه، ولن يغادر بلاده، وسيواجه خصومه الذين وصفهم بأن لهم أغراضا ومصالح شخصية. وأكد نيته مواصلة النضال لعدم تمكين «هؤلاء» من تحقيق مآربهم، وقال لأنصاره: «كل عضو في اللجنة المركزية له الحق في الترشح للأمانة العامة للحزب، وأنا عضو فيها ولا يمكن أن نترك الحزب في أزمة على بياض». ولم يعلن بلخادم حينها أنه سيترشح، ولكن كل المؤشرات كانت توحي بأنه راغب في العودة إلى القيادة؛ فقد ترشح ثلاثة أعضاء من اللجنة المركزية المحسوبين عليه، وطلب من الطرف الخصم أن يقدم مرشحيه فرفض. والخطة التي أعدها جناح بلخادم في الحزب، هي أن يتنازل المرشحون الثلاثة في النهاية لصالح ترشح بلخادم. وقد فهم قادة «حركة تقويم وتأصيل جبهة التحرير الوطني» هذه المناورة، وانسحبوا من الاجتماع. وقال عبد الكريم عبادة رأس «التقويميين» ل«الشرق الأوسط»، إن «هذا الرجل سحبنا منه الثقة فيما معناه ارحل عن الحزب لأنك لست مرغوبا فيك.. ألم يفهم الرسالة؟!». وأضاف: «لا يحق لبلخادم بعد أن قال صندوق الاقتراع كلمته أن يصعد إلى المنصة لتسيير الأشغال، هو يتصرف وكأنه لا يزال أمينا عاما». ويقول بلخادم في اتصال هاتفي: «هل تعلمون لماذا أرفض مغادرة الحزب ودخول بيتي كما يطالبون؟ ببساطة لأن هؤلاء لم يختلفوا معي حول خط وتوجهات الحزب السياسية.. تمنيت لو اتهموني بخيانة الحزب حتى لو كان غير صحيح.. هؤلاء يعارضونني لأنني لم أعين قطاعا منهم بالمكتب السياسي، وقطاع آخر لم أرشحه لانتخابات البرلمان (مايو/ أيار الماضي)، وجزء منه رفضت النزول عند طلب يخص عائلته وأصدقاءه. بمعنى آخر، هؤلاء ثاروا ضدي بسبب مصالح شخصية خاصة وذاتية، لا علاقة لها أبدا بطريقة تسيير الحزب. أما تهمة التحالف مع الإسلاميين كي يدعموا ترشحي المفترض للانتخابات الرئاسية، فهو كلام لا يصدقه طفل صغير، أي مصداقية لهذا الكلام وأنا أول من قال قبل سنتين تقريبا إن فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو مرشحنا لولاية رابعة لو أراد ذلك؟!». وقال بلخادم لأنصاره في قاعة نصف فارغة، بعد انسحاب الخصوم تاركين له تسيير ما بقي من أشغال الاجتماع، دون الاعتراف بشرعية ما يفعل: «ما يجمع خصومي هو رحيلي من المنصب، ولا يحق لهم المطالبة بأي شيء آخر، وفي المسؤوليات هناك من يصعد ثم ينزل ثم يصعد من جديد». وفهم من كلامه أنه سيعود إلى القيادة نكاية في معارضيه. ونقل عن بلخادم قوله إنه لا شيء في قوانين الحزب يمنعه من الترشح لخلافة نفسه، فهو يشعر بأنه قوي بأصوات 156 عضوا قياديا جددوا له الثقة، ويراهن على تشتت أصوات المعارضين ال160 في حال تعددت الترشيحات. والسيناريو الذي يراهن عليه بلخادم يتمثل فيما يلي.. «عندما يترشح للأمانة العامة سيضمن كتلة متماسكة من الأنصار ستصوت لفائدته ولا يوجد ضمنها من يرغب في الترشح. بينما يرغب ستة على الأقل من كتلة الخصوم في خلافته، وستتوزع الأصوات فيما بينهم، فيخرج هو منتصرا بالأغلبية». وقد تفطنت مجموعة الوزراء، من بينهم الطيب لوح وعمار تو وعبد العزيز زياري ورشيد حراوبية للخطة، فأعطوا إشارة للأنصار بالانسحاب وترك المجال لبلخادم يتصرف في الأشغال وحده، وبذلك أي قرار أو إجراء يخرج به سيكون لا محالة ناقص شرعية وستعود الأزمة إلى نقطة البداية. يقول عمار سعداني، رئيس البرلمان الأسبق وأحد خصوم بلخادم، ل«الشرق الأوسط» إن «الأمر مطروح من زاوية أخلاقية وسياسية، فالسيد بلخادم خسر معركة الثقة التي خاضها برغبته، وعليه أن يتنحى؛ لأنه في وجوده سيكون الحزب مقسما إلى فريقين، بل إلى عدة فرق، ومن مصلحة الحزب أن يتوقف عن تعنته. ولكن ما دام هو مصرا على موقفه، فالرئيس بوتفليقة ينبغي أن يتدخل لفض هذا النزاع». لكن كيف يتدخل الرئيس؟ وبأي طريقة؟. يجيب سعداني: «أليس هو رئيس الحزب؟ إذن مطلوب منه أن يستدعي أطراف الصراع ليحكم بينهم بما يراه مفيدا لتماسك الحزب». وافترق المتصارعون على القيادة السبت الماضي، على أن يلتقوا في غضون أسبوعين لاختيار أمين عام جديد. وسألت «الشرق الأوسط» بلخادم عما سيفعله في الأيام التي تسبق استئناف الاجتماع، فقال: «إذا كان القانون يمنحني حق الترشح، فسأمارس حقي كاملا». وأبدى تصميما على مواصلة الصراع، وكأن خصومه هم من سحبت منهم الثقة وليس هو. ولكن من هو هذا الرجل السياسي العنيد المثير للجدل، المتمسك بقيادة الحزب الذي تخرج منه غالبية الكوادر التي سيرت البلاد، منذ نصف قرن؟ فقد ولد بلخادم في بيئة اجتماعية فقيرة تكافح من أجل لقمة العيش، ما دفعه إلى مغادرة قريته بولاية الأغواط (500 كلم جنوب غربي العاصمة)، إلى مدينة أفلو الكبيرة بنفس الولاية، وهي منطقة رعوية يعيش أغلب سكانها من الزراعة وبيع الماشية، ولا شك أن مراعاة هذا المعطى كفيلة فيما بعد بالحكم على تصرفات بلخادم، الذي ظل إلى آخر عهده متواضعا ويبدو بسيطا وأقرب إلى رجل الدين وابن القرية منه إلى رجل السياسة وصخب المدينة. يقول الدكتور بوحنية أستاذ العلوم السياسية بإحدى الجامعات الجزائرية: «عند قراءة المسار السياسي للشخصيات، لا يمكن بأي حال التغاضي عن الظروف التاريخية المحيطة بنشأتهم السوسيولوجية والاقتصادية». وأضاف: «لقد كان بلخادم بالمعيار التاريخي رجل سياسة بالاكتشاف؛ إذ إن الزيارة التاريخية للرئيس هواري بومدين (1965 - 1979) لمدينة أفلو سمحت له باكتشاف شاب في الثلاثينات مناضل بجبهة التحرير الوطني يشتغل بالتدريس، ويحسن التحدث باللغتين العربية والفرنسية، فقرر نقله معه إلى العاصمة للعمل برئاسة الجمهورية، وذلك بداية من 1972.. بعدها تدرج بلخادم في المسؤولية، فترشح لانتخابات البرلمان ممثلا عن دائرته السوقر (غرب)، ففاز. ثم أعيد انتخابه مجددا وظل قريبا من الرئيس بومدين بحكم وظيفته بالرئاسة، وهذا القرب أهله ليكون قريبا من وزير خارجية بومدين وأمين سره عبد العزيز بوتفليقة. وهكذا أضحى بلخادم مسؤولا ينتمي للمحيط الرئاسي، ومكنه ولاؤه الشديد للرئيس ووزير خارجيته من الاطلاع على أسرار الرئاسة، وكذلك على أسرار الحزب الذي كان أمينه العام هو رئيس الدولة، وهو ما مهد له الطريق ليكون يوما ما أمينا عاما». وحول مهام بلخادم بالرئاسة، قال عمار وزان، مسؤول كبير في رئاسة الجمهورية في ثمانينات القرن الماضي: «في بداية سبعينات القرن الماضي، عين الرئيس بومدين بلخادم نائب مدير مكلفا بالعلاقات الدولية، وفتح له هذا المنصب الباب واسعا للاحتكاك ببوتفليقة الذي كان وزيرا للخارجية، فجلس معه في اجتماعات لبحث مسائل دولية تهم الجزائر. وأعتقد أن هذا الاحتكاك كان سببا في اختياره وزيرا للخارجية من طرف بوتفليقة حينما تسلم هذا الأخير الرئاسة خلفا لليامين زروال. ولكن لا أحد يعرف أي مقياس اعتمد عليه الرئيس بومدين في منح بلخادم الملفات الخارجية بقصر الرئاسة». وتدرج بلخادم في هرم المسؤوليات الكبيرة في عهد الرئيس بوتفليقة، فمن الخارجية نقله منصب استحدث له خصيصا هو وزير دولة ممثل شخصي لرئيس الجمهورية، ثم عين رئيسا للحكومة. يقول بوحنية: «لم يكن بلخادم أبدا نماما ولا غمازا في حزبه، حتى مع خصومه، على عكس الكثيرين، وحتى عندما أنشأ خصومه ما سمي (حركة التقويم) قبل ثلاث سنوات، ظل قويا ماسكا بزمام الحزب. هذه القوة تركت انطباعا لدى خصومه بأنه يحضر لخلافة بوتفليقة في انتخابات 2014، وهو ما جعلهم يحاولون تأليب الرئيس ضده عندما قالوا إنه يطمع في كرسيه بقصر المرادية. وفي سبتمبر (أيلول) خرج بلخادم من الحكومة بموجب تعديل أجراه الرئيس، ففهم خصومه ذلك بأن بوتفليقة نزع الحماية عن بلخادم، وأصبح منذ تلك اللحظة طردية سهلة». ويرى بوحنية أن تراجع نتائج الجبهة في انتخابات البلدية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كانت سببا في تعرض بلخادم لحملة غير مسبوقة استهدفت الإطاحة به، ثم جاءت انتخابات التجديد النصفي للغرفة البرلمانية الثانية (مجلس الأمة) نهاية العام الماضي، التي فقد الحزب فيها الكثير من المقاعد، لصالح الغريم «التجمع الوطني الديمقراطي». ثم تسارعت الأحداث بسبب نتائج الجبهة السيئة في الاستحقاقات، فانقسمت اللجنة المركزية، وهي أعلى هيئة ما بين مؤتمرين، إلى قسمين. أحدهما موال له والثاني معاد. وأضاف الباحث في الشأن السياسي: «في اعتقادي، نجح بلخادم في الظهور بمظهر المتماسك المتقبل نتيجة الانتخابات، وحاول مواجهة الخصوم بقوله إن الحزب لا يزال القوة السياسية الأولى في البلاد، ولكن أكبر إخفاقاته عجزه عن الحفاظ على ولائه للجنة المركزية له، وانقسامها منح الخصوم الغلبة عدديا، ما أخل بميزان القوى داخل برلمان الحزب، فعجل بسقوطه». وقد برز بلخادم في السنوات الأخيرة بخطاب معاد لفرنسا، القوة الاستعمارية التي احتلت الجزائر طيلة قرن و32 سنة. وعن هذا الجانب في شخصيته يقول الباحث في تاريخ العلاقات الجزائرية - الفرنسية، الدكتور محمد القورصو: «تميزت تصريحات بلخادم بمطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها التي ارتكبتها في الجزائر، وكثف من تصريحاته التي جاء فيها أن جرائم الاستعمار ستبقى وصمة عار في جبين الفرنسيين ما لم يعترفوا بها ويقدموا الاعتذار عنها.. وقال أيضا إن الانتقام ليس هدف الجزائريين، ولكن يريدون أن تتشجع فرنسا وتعترف رسميا بجرائمها، وأن تتوقف عن استفزاز مشاعر الجزائريين بتكريمها الحركي (جزائريين تعاونوا مع الاستعمار)، وبإصدار قوانين تمجد الاستعمار». وقد ثارت ثائرة بلخادم مطلع 2005 عندما صوت البرلمان الفرنسي على قانون يتحدث عن «مزايا» الوجود الفرنسي في أفريقيا خلال القرنين ال19 وال20، وشن حملة دعائية قوية ضد فرنسا، وسانده فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي لم يتردد في وصف ممارسات الاستعمار الفرنسي بالنازية. وكان بلخادم في الواجهة لما اختار بوتفليقة المستشفيات الفرنسية لمعالجة نزف خطير أصيب به نهاية 2005، فقد كان عليه أن يخوض في نقاش حاد ويرد على مآخذ وجهت لبوتفليقة، كونه انتهج خطا شديد اللهجة ضد فرنسا في موضوع الاستعمار، ولما أنهكه المرض ما وجد إلا الطب الفرنسي للتخفيف من آلامه. وقال بلخادم في خضم ذلك الجدل: «بوتفليقة الرئيس الذي يدافع عن مصالح بلده وشعبه، ليس بالضرورة هو بوتفليقة الإنسان الذي يتعب ويصاب بالمرض ويضطر إلى العلاج كسائر خلق الله». ويعود القيادي السابق في «جبهة التحرير» عبد الكريم مجاهد إلى الظروف التي قذفت ببلخادم إلى القيادة في الحزب، فيقول إنه في نهاية 2003 التحق بلخادم بالمجموعة التي استهدفت إزاحة الأمين العام علي بن فليس، مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة في 2004 وأهم منافسي بوتفليقة الذي كان يرغب في ولاية ثانية، من خلال تبريره لقرار صدر عن القضاء ألغى نتائج المؤتمر الثامن الذي زكى ترشح بن فليس. وحسب مجاهد فإن ذلك القرار هو «أهم حلقة في المؤامرة». وكانت جبهة التحرير وقتها تعيش أزمة خطيرة قسمتها إلى فريقين؛ أحدهما يدعم بن فليس، والثاني اصطف وراء أنصار بوتفليقة. وقال بلخادم حينها إن المهم أن لا نترك الأزمة تطول في حزبنا. ويضيف مجاهد أن «من المفارقات أن بلخادم تعرض لمؤامرة شبيهة بدءا من المؤتمر العاشر الذي عقد في 2010 حينما اتهمه خصومه باختيار أشخاص سيئي السمعة وضالعين في الفساد، أعضاء في المكتب السياسي». وهكذا بعد قرابة عشر سنوات، انقلب السحر على الساحر. ويشرح وزير النقل الأسبق، صالح قوجيل رئيس «حركة تقويم جبهة التحرير الوطني» سابقا (استخلفه عبد الكريم عبادة): «لم يعيش حزبنا مرحلة أتعس من تلك التي عاشها في عهد بلخادم؛ فقد انحدر مستوى النضال إلى الحضيض، وسيطرت عبادة الأشخاص والتفرقة والمحسوبية والمال القذر، وتم اختزال الجبهة، رمز التضحية والإيثار وقيم الكفاح، في الخضوع والخنوع للأشخاص، وحرق البخور أمام كبارهم، والوقوف عند أبوابهم لاستجداء منصب أو موقع، أو كسب حظوة لدى هذا القيادي أو ذاك، ولو تطلب الأمر إهانة المناضلين الشرفاء وترهيبهم وتهميشهم ودفعهم إلى الابتعاد نهائيا عن الحزب، وهذا ما حدث بالضبط في عهد بلخادم». وفي الجهة المقابلة، يذكر سي عفيف عضو المكتب السياسي وأحد الموالين لبلخادم: «هؤلاء الذين يرمونه بتهمة التسلط.. هؤلاء الوزراء الذين يكذبون بزعمهم أن بلخادم يعادي السلطة، كانوا من أقرب الناس إليه. وبحكم موقعهم في الحكومة كان يستشيرهم في كل صغيرة وكبيرة قبل اتخاذ أي موقف، ثم يبلغنا نحن بالقرارات في مرحلة ثانية. بعبارة أوضح كانت لديهم حظوة لدى الأمين العام مع أنهم مثلي أعضاء بالمكتب السياسي ولا يتميزون عني في أي شيء، فنحن مناضلون أولا، ثم قياديون على حد سواء في المكتب السياسي، فلماذا يضللون الرأي العام ويفترون على بلخادم بأنه كان ينفرد بالقرارات؟ كما قالوا عنه أن مؤسسات الدولة لم تعد تقبل به أمينا عاما للحزب. وليتهم نزلوا إلى المكتب السياسي فواجهوه بما يأخذون عليه. لقد فضلوا بعث رسائل إلى بلخادم لإبلاغه بأنهم انقلبوا عليه، وأرسلوها إلى الصحافة، وكان الأجدر بهم أن يعقدوا مؤتمرا صحافيا ليشرحوا للمناضلين والرأي العام التهم التي يوجهونها له. لم يفعلوا ذلك لأن حججهم ضعيفة، ولأن كذبهم كان سيفتضح، ومؤامرتهم كانت ستظهر للعيان، لو واجهوا أسئلة الصحافيين».