تعد ''ثورات الربيع العربي'' الغائب الأكبر في الصالون الدولي للكتاب، حيث أكد مسؤولو دور النشر الحاضرين في المعرض، على التحفظ الكبير الذي سجلته هذه المؤسسات خلال عملية التحضير، خاصة بالنسبة لبعض العناوين السياسية والدينية، فيما منعت دور نشر أخرى من المشاركة. وأكثر ما أثار استياء الزوار الخلط الحاصل في مخطط المعرض والارتفاع الكبير في الأسعار، خاصة وأن هذه الطبعة جاءت بعد مناسبات عديدة جعلت مداخيل العائلات الجزائرية تهتز. عرف الإقبال على المعرض انخفاضا ملموسا مقارنة بالسنوات الماضية، وهو ما أرجعه محدثونا إلى برمجة هذه الطبعة قبل الدخول الجامعي الذي يصادف الفاتح أكتوبر، حيث أكد الناشرون أنه أمر غير منطقي، خاصة أن الاختتام سيكون يوم 29 من الشهر الجاري، مما منع شريحة واسعة من الطلبة من زيارته واقتناء الكتب للدراسة. وقال فؤاد أن هذا الأمر سيترك الطلبة خاصة القاطنين خارج ولاية العاصمة، عرضة لاستغلال التجار بعد الدخول الجامعي. بالمقابل سجل العديد من الزوار النقص الكبير في الإنتاج الجزائري لكتب الأطفال والقصص مقابل الثراء الذي تعرفه دور النشر الأجنبية في هذا المجال. ورغم أن الطبعة الحالية للصالون جاءت بنفس جديد بعد تغيير مكان العرض، إلا أننا لمسنا في جولتنا استياء كبيرا وسط الناشرين والزوار على حد سواء، الذين أكدوا أن الأسعار تعد مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية. وقال وكيل الدار الأزهرية للتراث، أحمد حسين محمد، إن العديد من عناوين الكتب حذفت من القائمة المرسلة إلى الجزائر. موضحا بأن أغلبها دينية وسياسية. وقال أن هذا الحظر والحذر طبّق في نفس الوقت بصفة أخص على بلدان مصر وتونس وليبيا، باعتبارها أهم البلدان التي شهدت ثورات الربيع العربي مما يطرح -حسبه- أكثر من سؤال! وأشار إلى أن دار النشر التي يمثّلها أرسلت قائمة ب 1000 عنوان لم يقبل منها إلا 500 كتاب، وهو ما يؤكد -حسبه- أن 50 بالمائة من العناوين مرفوض، و40 بالمائة منها كتب سياسية ودينية تؤرخ لثورات الربيع العربي وتشرح مواقف العلماء وذوي الشأن السياسي إزاءها. كما أوضح محدثنا أن إدارة الصالون سمحت بدخول 50 نسخة من العنوان الواحد فقط، كما فرضت رسما بقيمة 1000 دينار للصندوق الواحد لنقل الكتب من المخزن إلى مكان العرض، ناهيك عن الرسوم الجمركية وأتاوات الشحن الجوي ومصاريف النقل والإقامة، و''هو ما جعل أسعار الكتب ترتفع إلى ضعف السعر الحقيقي''. وقال أحمد حسين أن الاستمرار على هذا الوضع سيؤدي إلى عزوف دور النشر عن المشاركة في الطبعات المقبلة للمعرض. كما عرف المعرض غياب بعض العناوين التي عرفت في السنوات الماضية رواجا غير مسبوق، حيث أوضح بن ساسة مراد، ممثل دار المعرفة، أن الكتب السياسية نادرة في المعرض الحالي مقابل الانتشار الواسع للكتب العلمية والأدبية. وأشار إلى منع دخول بعض العناوين، على غرار كتب الشيخ القرضاوي ومحمد متولى الشعراوي، وقال إن حالة البلد بعد ثورات الربيع العربي والتوجه الفكري لبعض مثقفيها حال دون دخول بعض الكتب التي تؤرخ للأحداث وتندد بأنظمة الحكم الفاسدة. وقال أن العديد من دور النشر لم تشارك في هذه الطبعة، على غرار ''دار نشر الأسدوة'' و''دار ابن خزيمة''، فيما اقتصرت معروضات دار الشروق -حسبه- على بعض الكتب العلمية والفلسفية وعلم النفس والتكنولوجيا واللغة. ومن جهته أفاد ممثل اتحاد الناشرين التونسيين محمد الصالح رصاع، أن دور النشر التونسية تمكنت من عرض 20 كتابا سياسيا يشرح تجربة التحول الديمقراطي ما بعد ثورات الربيع الديمقراطي وتشرح ظروف العملية الانتخابية واختيار ممثلي الشعب الجدد، على غرار ''المسار الانتخابي في الانتقال الديمقراطي'' و''الشباب في الانتقال الديمقراطي''. فيما أوضح أن ''دور النشر التونسية تعرف جيدا خصوصيات الدولة الجزائرية وتعرف النوعية التي ينبغي أن توجه إلى سوقها''. مبرزا أن تحديد العناوين جاء بعد دراسة وافية ودقيقة من الطرف التونسي ''لتفادي أي رفض للعناوين أو وضع أي كتب في القائمة قد لا ترضي المنظمين''، كما أفاد أن نمط تفكير الأدباء التونسيين تغيّر بعد الثورة. وقال محمد باشا مدير الدار المصرية للعلوم، أن الموافقة على الكتب العلمية كانت بنسبة 10 بالمائة فقط هذه السنة. ''فيما تبقى عناوين أخرى محجوزة للنظر فيها من قبل المنظمين لحد الساعة''. وقال أن العديد من دور النشر لمست التحفظات القائمة حول الكتب السياسية والدينية بالدرجة الأولى بحجة أن الأولوية في هذه الطبعة تمنح للكتب العلمية. ومن جهة أخرى، لمسنا استياء الزوار نظرا للنقص الكبير في تنظيم أروقة المعارض التي لم تحترم التقسيم الجغرافي أو الرقمي لدور النشر، ويجد الزائر نفسه في متاهة من الأرقام نظرا لعدم وجود ترتيب معيّن يمكن أن يرشد الزائر على دار النشر التي يبحث عنها، فيما أكد لنا كريم وهو عامل أمن، أن دور النشر لا تحترم الأماكن التي تخصص لها، حيث عرف المعرض عملية نقل كبيرة لبعض العارضين، وهو ما جعل الزوار تائهين وسط الفوضى التي يعرفها المخطط.