في التاسع والعشرين من مارس الماضي أصدر قاضي التحقيق الموريتاني المكلف بالارهاب في قصر العدالة بنواكشوط امرا بالقبض على الجزائري ابو العباس بلمختار الملقب "بلعور" قائد كتيبة الملثمين التي تتخذ من الصحراء الكبرى مقرا لها.وذلك في اول مواجهة في اروقة العدالة مع واحد من اشهر الرجال المطلوبين في المنطقة، وهو رجل لا يؤمن بعدالة القوانين بقدر ما يؤمن بعدالة البندقية. ورغم ان موريتانيا اعتقلت كثيرين ممن تعتبرهم مجندين لبلعور، الا انها لم تصدر قرارا بهذا الحجم إلا عندما استقبلت مكاتب قصر العدالة ذلك الرجل الخمسيني المتهم بأنه مهندس عملية اختطاف ثلاث رعايا أسبان. يتعلق الأمر بعمر الصحراوي.. الذي جاءت إحالته على المحكمة في ظل جهود قضائية وامنية مكثفة لفهم ملابسات قضية الإسبان المعقدة، والتي شكلت منعطفا حقيقيا لظاهرة استهداف الرعايا الأجانب في موريتانيا. وكانت لائحة اتهام عمر ولد سيدي أحمد ولد حمه الملقب "عمر الصحراوي" طويلة"استثمار أموال ناتجة عن الجريمة والتعاطي معها بشكل يخفي الأصل غير الشرعي لها، وهو الفعل المنصوص عليه والمعاقب على ارتكابه بالمادتين 2 42 من قانون غسل الأموال". وأحيل الرجل مع مجموعة من المتهمين بلغ عددهم 21 شخصا في نفس القضية على قاضي التحقيق بالديوان الأول لدى محكمة ولاية نواكشوط المكلف بجرائم الإرهاب وأمن الدولة والجرائم العسكرية . كلمة السر ظهر "الصحراوي يومها في قصر العدالة منهكا بعد تحقيقات امنية موسعة في نواكشوط منذ القاء القبض عليه في عملية استخباراتية وصفت ب"النوعية والمعقدة"، نفذتها عناصر موريتانية بالتعاون مع مخبرين منتشرين في منطقة الصحراء وهو ما اعتبرته سلطات نواكشوط نجاحا امنيا كبيرا. وتعتقد الأجهزة الأمنية بأن الصحراوي يقدم خدمات لوجستية لتنظيم القاعدة، وأنه كان المنسق لعملية خطف الرهائن الإسبان الثلاثة (البرت بيلاتا وروكي باسكوال وآليسيا غاميث) في 29 نوفمبر الماضي في الطريق الرابطة بين نواكشوط ونواذيبو، وانه هو من وفر للخاطفين سيارات عابرة للصحراء كانوا يقومون بتغييرها من نقطة إلي أخرى تجنبا لمطاردة الجيش الموريتاني في طريقهم الى معسكرات تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي، وحسب مصادر امنية فانه طوال التحضير لعملية خطف الاسبان كانت الاتصالات بين مجموعة الخاطفين تشير الى الطريق الرابط بين العاصمة السياسية نواكشوط ونظيرتها الاقتصادية نواذيبو بانه "طريق الصحراوي"، وهو اسم قد ينطبق على طبيعة الطريق الذي يشق الصحراء الشاطئية بمحاذاة انحسار المحيط الاطلسي الذي يحد المنطقة. يذكر انه في الخامس عشر من فبراير تلقى مسؤولون موريتانيون كبار في مجلس مصغر ،كان يتابع اخبار عملية"عمر الصحراوي" في نوكشوط ، مكالمة بان "كل شيء على ما يرام" في اشارة الى ان عمر قد تم اعتقاله حسب ما افاد به مسؤول عسكري ،تحدث لنا مفضلا عدم ذكر هويته، واضاف المصدر ان قادة غرفة متابعة الاعتقالات المتعلقة بالارهاب "كانت تتابع قضية عمر الصحراوي بكثير من الاهتمام". ويذهب أغلب المتتبعين للملف أن عملية "اختطاف" المدعو عمر ولد سيد أحمد حم، المعروف باسم "عمر الصحراوي"، دبرتها الاستخبارات الموريتانية من داخل الأراضي المالية، وعلي الأرجح من مدينة تمبكتو أو ضواحيها، وتم تنسيق هذه العملية ،حسب هؤلاء،من طرف مجموعة من ضباط الجيش والقيادات العسكرية قاموا بمتابعة خاصة، وكانوا يبلغون القيادة في نواكشوط بكل تطورات الموقف. ويقول مصدر مقرب من الصحراوي ان وضعيته صعبة جدا، وانه تعرض للتعذيب اثناء التحقيقات الامنية القاسية، فيما تكشف المصادر الامنية ان الصحراوي قاد الجيش الموريتاني الى معلومات مهمة مكنت وحدة من نخبة الجيش من القاء القبض على 18 من المسلحين المتهمين بتهريب المخدرات في عملية عسكرية خاطفة قتل خلالها ثلاثة من المسلحين، وصودرت فيها كميات من الاسلحة الثقيلة وأطنان من المخدرات كانت في طريقها الي اوروبا. الثراء القاتل .. لم يكن عمر الصحراوي مجهولا تماما في نواكشوط، وفق ما افاد به موريتاني جندته القاعدة في السنوات الاخيرة ووقع في يد الامن الموريتاني.وحسب معلومات هذا الاخير يملك الصحراوي عقارات كثيرة ،وله شبكة علاقات واسعة نسجها منذ ما يزيد على عشرين عاما قضاها متنقلا بين نواكشوط والمدن الداخلية الموريتانية، وهو معروف أيضاً في تمبكتو وفي منطقة الساحل وعدة مدن افريقية في مالي وتشاد وموريتانيا والسنغال. ويؤكد عارفون بالرجل علاقته بجبهة البوليساريو ويجزمون انه اشتغل في المنطقة العسكرية الثانية للجبهة، وانه يتمتع بخبرة واسعة في الطرق التي يستعملها المهربون في الصحراء خارج اطار مراقبة رادارات التجسس التي زرعتها دول المنطقة،وهي الطرق نفسها التي كانت تستعمل من طرف القوافل البدوية في بيع الملح. لكن مهربا شابا عمل بمنطقة الحدود بالشمال الموريتاني لسنوات عديدة يؤكد معرفته لعمر الصحراوي منذ عام 2004 حين كان سائق شاحنة يهرب السجائر من مدينة زويرات المنجمية شمال موريتانيا الى مدينة الخليل شمال مالي حيث يتم تهريبها لاحقا الى الجزائر. نفس المصدر سرد بعض عادات الرجل التي تختلف كثيرا عن الثقافة السائدة منها حرصه على اللثام.. والشاي المركز مع ميله لاختيار الجلابة الصحراوية بدل الدراعة مضيفا انه اختفى لفترة قبل ان يلتقيه مجددا ليجده قد غير من أنشطته على حد زعمه ،مستبدلا التهريب بتربية النوق والماعز ، كما انه تزوج فتاة جديدة تقيم في مخيمات جبهة البوليساريو. لعنة الاسم واصبح اسم "الصحراوي" مرعبا على قائمة الارهاب في موريتانيا، ولا يكف البعض عن تشبيهه بما يجري في الفيلم المصري الشهير "الوعد"، حيث توجد في كل الأحداث المعقدة بصمات المجرم العتيد الذي يخطف ويقتل ضحاياه بدم بارد.،ودون رحمة في بلدان متعددة ،وعبر شبكة معقدة من الافراد الذين يعملون خارج القانون. لكن "الصحراوي" في موريتانيا لا يظهر في دور العرض السينمائي وانما على مسرح الاحداث الحقيقية وربما الاكثر لفتا للانتباه والمتعلقة بالارهاب. وتكشف الوثائق الامنية الموريتانية ان اسم "الصحراوي" هو لقب يحمله عدة اشخاص يتبعون لتنظيمات مختلفة تنتمي كلها لتنظيم القاعدة، وان هؤلاء الاشخاص عملوا على تجنيد الموريتانيين باستمرار بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2003 مباشرة وان كل واحد من هؤلاء الاشخاص يحمل لقب "الصحراوي". وتقول وثيقة امنية انه بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر في الولاياتالمتحدةالامريكية اتصل شخص يدعى "محمد الامين الصحراوي" بمتهم في احداث لمغيطي الدامية التي قتل فيها 15 جنديا موريتانيا، اسمه الطاهر ولد عبد الجليل ولد بي الملقب "المثنى" (38 عاما – معتقل بالسجن المركزي بنواكشوط)، وعرض عليه تذكرة ومبالغ مالية لتغطية تكاليف السفر من اجل مغادرة موريتانيا وقتال الأمريكيين في أفغانستان. وتشير الوثيقة الى ان الطاهر تعرف على محمد الامين الصحراوي عندما عمل معه منذ عام 1995 في مطبعة كان يملكها رجل يمني الجنسية اسمه "بكران" الذي عاد عام 2000 الى اليمن ،واستقر هناك . وبعد موافقة الطاهر على السفر وهو العائد لتوه من السعودية، دائما حسب الوثيقة الامنية،تم ربطه بشخص آخر ليتولى تهيئة السفر. وهذا الشخص الاخير لم يكن سوى "ابراهيم الصحراوي".. وهو شخص غامض يحمل نفس اللقب "الصحراوي" سافر مع الطاهر ولد بي الى دمشق حيث زودهم محمد لمين الصحراوي برقم هاتفي لاحد المواطنين العرب يقطن في باكستان لنقلهم الى افغانستان ليضرب لهم الاخير موعدا في المسجد الكبير بمدينة زاهد الواقعة على الحدود الافغانية حيث يتولى امام المسجد جميع الامور، واقاما ثلاثة ايام عند هذا الامام مع مجموعة من المجاهدين العرب المتوجهين الى افغانستان ،حسب اعترافات نسبتها الشرطة الموريتانية للمتهم الطاهر اثناء التحقيق معه بعد اعتقاله في مايو 2006. لكن السلطات الايرانية ،حسب الوثائق الامنية، اعتقلت الطاهر ولد بي وابراهيم الصحراوي واعادتهما الى دمشق بسوريا حيث توجها منها الى موريتانيا مرورا بتونس وهنا في نواكشوط افترق الاثنان مؤقتا، حيث تمكن ابراهيم الصحراوي من الحصول على اقامة في السعودية وبقي الطاهر في نواكشوط. لكن محمد لمين الصحراوي عاد من جديد في 2002 الى الاتصال بالطاهر واخبره انه عائد من الجزائر وانه اتصل بالمجموعات المقيمة في الصحراء (الجماعة السلفية للدعوة والقتال).. ودعاه ليكون عضوا في فريق متطوع للجهاد والقتال الى جانب المنظمة السلفية. وحسب اعترافات احد المتهمين في ملف الإرهاب فان "ابراهيم الصحراوي" جند شرطيا موريتانيا للتعاون مع الجماعة السلفية ومساعدتها الحصول على سيارات غير مجمركة في موريتانيا بالتعاون مع المتهم الطاهر ولد بي. ويقول عنصر في مكافحة الارهاب انه من الملفت جدا ان اسم "الصحراوي" تكرر جدا في وثائق متابعات الامن المركزي، منذ بداية فتح ملف الارهاب بعد حادثة الحادي عشر سبتمبر المرعبة الى اليوم. ورصدت وثيقة امنية معلومات مستقاة من اعترافات احد المتهمين البارزين في ملف الارهاب المعقد تؤكد ان محمد الامين الصحراوي جمع المتفرقين حيث قدم الى العاصمة الموريتانية نواكشوط وأجر منزلا في دار النعيم وجمع فيه كلا من (ابرهيم الصحراوي – البرا الصحراوي – حذيفة الصحراوي – سيدي ولد حبت – الحاج ولد عبد القادر) حيث توجهت المجموعة بتمويل من محمد الامين الصحراوي دائما الى باسكنو ومنها الى الجماعة السلفية شمال مالي وبالتحديد الى وحدة عبد القادر حميد. ويقول احد المتهمين الرئيسيين في عملية لمغيطي الذي تحدت لموقع "صحراء ميديا" الموريتاني من داخل زنزانته في السجن المركزي ان ما اذهله حقا هو غياب هؤلاء الاشخاص الملقبين "الصحراوي" في عملية لمغيطي حيث لم يحضر احدهم في هذه العملية التي نفذها 39 مقاتلا (تونسي – نيجيريان -27 جزائريا – ماليان – نايجيريان- 5 موريتانيين): "استحضرت هذا الموضوع عندما كنا في اللحظات الاخيرة من التحضير للعملية.. لقد اختفوا كالاشباح، و يبدو ان مهمتهم كانت محددة في التجنيد والتنسيق، لكنهم على العموم كانوا حاضرين في ذاكرة الموريتانيين، لقد جندوا الكثير من الأشخاص لصالح الجماعة السلفية، وزودوا المقاتلين بالأسلحة والأدوية والحاجيات من موريتانيا".