يركز الخطاب الرسمي، لما يريد الدفاع عن "إنجازات" الحكومة، في مكافحة الفساد، على ما سخر من إمكانيات مادية وهياكل ضخمة، لا تخرج عن الترويج لإنشاء "الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته" التي يرأسها إبراهيم بوزبوجن و"الديوان المركزي لمكافحة الفساد" الذي يرأسه عبد المالك سايح. والملاحظ، أنه منذ إقرار الهيئتين بالمرسومين الرئاسيين المنظمين لنشاطهما بناء على قانون 2006، لم تكشف الهيئتان للرأي العام أي تقرير يتضمن حصيلة عملهما، ونشاطهما منذ تنصيبهما، ولم يعرف عن أي منهما أنهما نظما نشاطا إعلاميا أو تحسيسيا، يقرب إلى فهم الناس، طبيعة مهامهما، في وقت سجل أن العشرات من المواطنين والموظفين، كبارا وصغارا، من حاملي ملفات الفساد، يتصلون إما ب"الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد" المستقلة، أو حتى بقاعات تحرير الصحف، لتسليم ملفاتهم. الملاحظ أن نصيب الجزائر من الانتقادات، لدى المنظمات الدولية، لم يتغير، بإنشاء هاتين الهيئتين، في ضوء المكانة التي لم تتزحزح لترتيب البلاد في التقارير الدولية، بينما آخر تقرير ل"شفافية دولية" أكد قبوع الجزائر في مربع الدول المتأخرة في مكافحة الفساد. ولم يظهر للهيئة أي نشاط يدخل في صميم المرسوم الذي ينظمها في شق "تطبيق الكيفيات والإجراءات المتعلقة بالتعاون مع المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الوطنية والدولية المختصة بمكافحة الفساد"، ونقيض هذا "الإلزام"، لم يلاحظ أي تنسيق مع منظمات المجتمع المدني، وخاصة تلك المشتغلة على مكافحة الفساد، على غرار "الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد"، ورابطتي حقوق الإنسان، لبوجمعة غشير أو نور الدين بن يسعد، وأكثر من ذلك، ترفض الحكومة اعتماد جمعية جديدة لمكافحة الفساد، أودعت أوراق اعتمادها وقوبلت بالرفض من قبل وزارة الداخلية. ولم يختلف وضع "الديوان المركزي لمكافحة الفساد" لعبد المالك سايح، عن وضع هيئة بوزبوجن، التي كان يفترض أن تقدم تقريرها مطلع عام 2012 مراعاة لمرور سنة من تنصيبها (2011)، من حيث أن رئيس المرصد، عبد المالك سايح، قدم منذ توليه مهامه، تصريحا واحدا فقط، قال فيه إن 40 ملفا من مختلف القطاعات الاقتصادية قيد التحقيق على مستوى الديوان، والظاهر أن وجود هيئتين لمكافحة الفساد، لا تفيان بالغرض في نظر سايح الذي دعا إلى استحداث آليات أخرى داعمة، ذلك على الرغم من أن أداء هيئة الوقاية والمرصد لا يمكن تقييمه في ظل عدم وجود مؤشرات دالة على نشاطهما، بما يدفع إلى التساؤل حيال ما إذا كانت عمليات مكافحة الفساد تتم "في سرية"، رغم أن "التحقيق السري" مكفول قانونا ومعلومة حدوده، ولا تطال الكشف عن حصيلة عمل هيئتي محاربة الفساد، اللتين لم تكشفا إن قدمت تقريرهما لرئيس الجمهورية أم لا، أم أنهما لم يفرغا منهما بعد وما يتضمنانه من محتوى. علما أنه في ما يتعلق بهيئة الوقاية، لا يتضمن المرسوم المنظم لها، آجالا محددة لتقديم تقاريرها، وفقا للمادة 18 التي تقول إنه: "تصدر الهيئة كل التوصيات أو الآراء أو التقارير أو الدراسات التي ترسلها إلى الهيئات المعنية". هناك من يرى أن الحكومة استحدثت هيئتي مكافحة الفساد، كنتاج حتمي لمصادقتها على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، التي تجبرها على إنشاء مؤسسات تعنى بالعملية، مثلما يرى رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، بوجمعة غشير، حيث يقول ل"الخبر" إن "هناك أهمال من قبل القضاء لقضايا الفساد، بدليل أن رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، صرح بأن 7000 قضية فساد ماتت بالتقادم على مستوى المحاكم"، وتساءل غشير: "عمل الهيئتين غير شفاف ولا نعرف ماذا تعملان.. وهي المدعوة إلى إشراك منظمات المجتمع المدني والجمعيات المشتغلة في حقل محاربة الفساد، لكن ما يلاحظ أن هناك قطيعة بينهما وبين هذه الجمعيات". منطقيا، فإن أي هيئة يتم تمويلها من قبل الخزينة العمومية، فإنها مدعوة إلى تقديم حصيلة نشاطها أمام الجهات المختصة وأمام الرأي العام، وبالنسبة لديوان مكافحة الفساد، فهو ملحق بوزارة المالية ويفترض أن يكشف عن حصيلة نشاطه، دوريا، خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا فساد أساءت لسمعة البلاد.