"قمت ببيع جنين في بطن أمه في شهره السابع لأحد المهاجرين"، هكذا اعترف رئيس عصابة مختصة في المتاجرة بالرضّع بولايتي مستغانم وغليزان لمصالح الأمن، خلال تفكيك شبكة في فيفري 2010. اعترافات تبيّن حجم الكارثة الذي بلغته النخاسة البشرية والمتاجرة "بفلذات أكباد" الجزائر بأبخس الأثمان، وفي أحيان كثيرة لأزواج مهاجرين أو أجانب. لا تزال الحقائق تتناسل يوما بعد يوم، مثلما حدث الشهر الماضي بمستشفى وهران بعد توقيف مصالح الأمن لأم حاولت بيع مولودها لامرأة أخرى مقابل 10 ملايين سنتيم. وتشير الإحصائيات الرسمية عن تسجيل المركز الاستشفائي الجامعي بوهران لوحده أكثر من 500 مولود غير شرعي سنة 2012، تجهل مصالح النشاط الاجتماعي مصيرهم، بحكم أن دار الحضانة لا تتوفر حاليا إلا على 4 أطفال قابلين للكفالة، فأين يختفى الأطفال الآخرون؟ علما أن ولاية وهران تتوفر على العديد من مصالح التوليد العمومية والخاصة تسجل أكثر من ألف مولود غير شرعي سنويا. بداية التحقيق كانت من خلال دردشة بسيطة مع سائق سيارة أجرة، علمنا من خلالها أن شقيقته تنتظر منذ سنوات كفالة طفل لكن دون جدوى، ولمّح قائلا: "لكي يحظى ملفك بالقبول يجب أن تدفع الأموال للحصول على طفل". وبعد مرور بضعة أيام اتصل بنا مجددا ليخبرنا بأن شقيقته تحصلت أخيرا على طفل من مديرية النشاط الاجتماعي بطريقة قانونية. قررنا الاتصال بمصلحة الطفولة المحرومة التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي لولاية وهران، للتحقق من مدى صحة هذه المعلومات الخطيرة بخصوص كفالة طفل بمقابل مالي. استقبلتنا المكلّفة بالمصلحة التي نفت بصفة قطعية المعلومة، وكشفت بأن المصلحة في السنوات الأخيرة: "لم تعد تسجل عددًا كبيرا من الأطفال المهجورين من قِبل أمهاتهم، رغم ارتفاع عدد المواليد غير الشرعيين المولودين تحت علامة "إكس". فأين يكمن الخلل إذن؟ سؤال لم نجد له إجابة لدى محدثتنا التي اكتفت بالقول: "لقد طلبنا مؤخرا من مسؤولي الولاية ومديرية الصحة استحداث هيئة تتكفل بمراقبة ملفات الأطفال غير الشرعيين على مستوى مصالح التوليد بالولاية لوضعهم في دور الحضانة، تفاديا لوقوع محاولات المتاجرة بالأطفال الرضّع، ولا زلنا ننتظر الرد". وأوضحت بخصوص إجراءات وضع مولود غير شرعي في دور الحضانة: "لابد من إمضاء الأم العازبة على تعهّد تلتزم فيه بالتخلي عن رضيعها، ولديها فترة ثلاثة أشهر كمهلة في حالة العدول عن قرارها، وبعد هذه المهلة يكون الطفل قابلا للتكفل من قِبل العائلات التي وضعت ملفاتها على مستوى مديرية النشاط الاجتماعي، بعد موافقة اللجنة المختصة على الطلب". واستطردت قائلة: "لكن في السنوات الأخيرة لم نعد نسجل شهادات التخلي عن الرضع". مسؤولة مكتب الطفولة المحرومة من العائلة على مستوى مديرية النشاط الاجتماعي لولاية وهران أكدت بأن: "عدد الطلبات المودعة لدى المصلحة لكفالة طفل بلغ حاليا 400 طلب باحتساب الملفات القديمة، ولا تتوفر المصلحة إلا على 4 أطفال في دار الحضانة". الأمهات العازبات تتنازلن عن أبنائهن للمحتالين فما السر وراء هذا التراجع في عدد الأطفال المهجورين من قِبل أمهاتهم، رغم أن عدد المواليد غير الشرعيين يعرف ارتفاعا في السنوات الأخيرة، وبلغ 500 طفل في مصلحة ولادة المركز الاستشفائي الجامعي لوحده؟ المصلحة المذكورة كانت تسجل في السنوات الماضية عددا مرتفعا من الأطفال المهجورين يكفي للاستجابة لطلبات الأزواج الراغبين في كفالة طفل، وهو ما جعل مديرية النشاط الاجتماعي تقوم بتحقيق لدى مصالح الولادة، واكتشفت أن عدد الأطفال غير الشرعيين المصرح بهم رسميا بعيد عن الرقم الحقيقي. وكشف التحقيق بأن الأمهات العازبات، تحت ضغط المجتمع والظروف الاجتماعية المزرية، يقمن "بالتنازل" عن المواليد بمقابل مالي لصالح شبكات مختصة تشتغل لصالح أزواج راغبين في كفالة طفل، لكن دون المرور على مصلحة الطفولة المحرومة ربحا للوقت وتفاديا للتحقيقات الاجتماعية، وهو ما من شأنه تعريض الطفل لأخطار في المستقبل. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مصلحة الطفولة المحرومة لا توافق على طلب كفالة طفل إلا بعد القيام بتحقيقات اجتماعية عن العائلة وظروف المعيشة، وفي أحيان كثيرة يتم رفض الطلب لسبب أو لآخر حرصا على سلامة الطفل ومستقبله. وفي بعض الأحيان يتم اللجوء إلى حيلة تقييد المولود في الدفتر العائلي للزوج بعد دخول الأم البيولوجية الحامل إلى المصلحة باسم الأم غير الطبيعية، لكن عادة ما تتفطن الإدارة لهذه الألاعيب ويتم توقيف المعنيين. وغالبا ما تكتشف مصالح مديرية النشاط الاجتماعي هذه "الصفقات غير القانونية عندما تستدعي عائلة كانت قد أودعت طلبا للتكفل بطفل لديها، لتكتشف أن العائلة تحصلت على طفل من عائلة معوزة"، مع الحرص دائما على إضفاء "طابع إنساني على العملية ودون مقابل مالي". كما أن بعض هذه العائلات تقصد مديرية النشاط الاجتماعي لمباشرة إجراءات قانونية للتكفل بالطفل، رغم عدم احترامها للقوانين المنظمة لهذا الإجراء، وهو ما يصعّب من مهمتها، لتجد العائلة نفسها مجبرة على اللجوء للعدالة وقاضي الأحداث للقيام بالتكفل، لكن فرص نجاح القضية تبقى ضئيلة بحكم أن القاضي يتحقق منذ الوهلة الأولى في ظروف كفالة الطفل، وهو ما يدخل العائلة في دوامة لا تنتهي. 34 إلى 55 مولودا يقيّد شهريا تحت خانة "حالات اجتماعية" ولمعرفة تفاصيل أدق حول المواليد غير الشرعيين، تقربنا من الأستاذ مرزوق، رئيس مصلحة التوليد بالمركز الاستشفائي الجامعي بوهران، لكنه رفض الإفصاح عن الرقم الحقيقي للمواليد غير الشرعيين بمصلحته، ووجهنا نحو مكتب تسجيل الخروج والدخول بالمستشفى، وتحاشى الخوض في قضايا المتاجرة بالأطفال الرضع التي حققت في شأنها مصالح الأمن في السنوات الأخيرة، وأفضت إلى اكتشاف وتفكيك عدة شبكات تستغل وضعية الأمهات العازبات لمساومتهن لبيع الرُضع قبل أو بعد وضع الحمل في المصلحة ذاتها، لعائلة تكون في حاجة إلى كفالة طفل لكن دون المرور عبر مصالح مديرية النشاط الاجتماعي. وكشفت التحريات عن استعمال الشبكات لبعض العاملين في المؤسسات الاستشفائية لترصد حالات الأمهات العازبات اللائي يتقدمن لمكتب خاص على مستوى مصالح التوليد للإعلان بأن المولود غير شرعي وبأنها تفتقد لدفتر عائلي. وتباشر عناصر الشبكة رحلة البحث عن العائلة الراغبة في "تبني" طفل، وفي أحيان كثيرة تكون العائلة جاهزة منذ مدة، مثلما كشفت عنه مجريات محاكمة شبكة متاجرة بالرضع وإجهاض الأمهات العازبات التي عالجتها محكمة الصديقية في أكتوبر 2009 بوهران. فقد استطاعت شرطية "متنكرة" في صفة أم عازبة حامل من إسقاط الشبكة التي تترأسها "جوهر" عاملة نظافة، بمعية مراقب طبي بمستشفى وهران، ووسيطة كانوا يوجهون الأمهات العازبات اللائي يتجهن للمستشفى إلى شقة عاملة النظافة بعمارات حي "ليسكور" للإجهاض وبيع الرضع. في هذا الصدد، كشف لنا بابو كمال، المكلف بالاتصال على مستوى المركز الاستشفائي الجامعي بوهران، بأن: "مصلحة التوليد بالمستشفى الجامعي بوهران سجلت 500 مولود غير شرعي أحياء من أصل 700 حالة ولادة خلال سنة 2012، أي بمعدل ما بين 34 و55 مولودا شهريا، مواليد مقيدين تحت خانة "حالات اجتماعية" من قِبل مكتب خاص لتسجيل الحوامل اللاتي يتم قبولهن في مصلحة الولادة دون دفاتر عائلية، ثم يتم تقييد أسماء المواليد في سجل الحالة المدنية لبلدية وهران". مديرية الصحة لا ترد حاولنا التقرب من مديرية الصحة العمومية لولاية وهران للحصول على الإحصائيات التي تشمل جميع مصالح الولادة بمختلف المؤسسات الاستشفائية في القطاعين العام والخاص بعاصمة الغرب الجزائري، لكن تعذّر علينا ذلك بسبب عدم ردّ المكلفة بالاتصال على مكالماتنا الهاتفية.