شهدت السعودية في الآونة الأخيرة حراكا اجتماعيا من قبل ناشطات سعوديات للتعريف بأهم المناطق الأثرية بالسعودية، في محاولة منهن لتعريف المجتمع بأهمية السعودية تاريخيا، وجذب منظمة اليونيسكو لضم بعض المناطق المهمة في الدولة، واعتمادها كمنطقة أثرية لها تاريخ وحضارة. وفي المقابل طالب عدد من المهتمين بهذا الشأن هيئة السياحة والآثار بمنح السيدات رخص إرشاد سياحي، وتوفير فرص وظيفية لخريجات تعليم مسار الإرشاد السياحي، الذي يدرس في قسم التاريخ بالجامعات لمدة أربع سنوات. من جانبها أكدت ل«الشرق الأوسط» عبير أبو سليمان، إحدى المرشدات السياحيات في السعودية، التي شكلت هي ومجموعتها حراكا اجتماعيا يهدف إلى التعريف بمنطقة جدة التاريخية، ونشر الوعي بأهمية هذه المنطقة بين الشباب، والتواصل مع منظمة اليونيسكو لتسجيل منطقة جدة التاريخية بين أهم المناطق التاريخية في العالم. وبينت أبو سليمان أن منظمة اليونيسكو رفضت في وقت سابق تسجيل منطقة جدة التاريخية ضمن أهم المناطق التاريخية في العالم؛ لعدم توافر اشتراطات معينة كان من بينها عدم اهتمام المجتمع السعودي نفسه بهذا المنطقة، وعدم وجود حراك اجتماعي للتعريف به، إلا أنها استطاعت تخطي هذا الشرط، وتقديم ما يؤكد اهتمام المجتمع السعودي بهذه المنطقة، من خلال قيامها بجولات سياحية لوفود أجنبية ومحلية للتعريف بأهمية المنطقة. ولمحت أبو سليمان إلى أن مبعوث اليونيسكو الذي قدم إلى السعودية شاهد ذلك الحراك، وأكد أن الجهود أسهمت في تحقيق 90 في المائة من الاشتراطات، التي تسببت في رفض تسجيل اليونيسكو للمنطقة، مشيرة إلى تلميحه خلال زيارته إلى أن الموافقة على انضمامها غير مستبعد. وبينت أبو سليمان أنه على الرغم من اعتراف هيئة السياحة والآثار بالجهود التي تقدمها، وضمها هي وبعض الأكاديميين من بين مجموعة أصدقاء جدة، فإن هذه العضوية لا تمنح ترخيصا بممارسة الإرشاد السياحي، ولا توفر لهن أي مقر أو دعم مادي. وأوضحت أن رخص الإرشاد السياحي محصورة فقط في الذكور تحت اشتراطات معينة، وتمنع النساء من هذه الرخص، على الرغم من الحراك الاجتماعي الذي يقمن به، والدور الإيجابي والرسالة الهادفة التي يقدمنها للمجتمع السعودي وغير السعودي المقيم في البلاد. من جهته أوضح ل«الشرق الأوسط» أحمد العيسى، نائب الرئيس المساعد للتراخيص في الهيئة العامة للسياحة والآثار، أن قطاع السياحة في السعودية ليس بحاجة إلى وجود مرشدات سياحيات؛ نظرا لأن البرامج السياحية في السعودية لم تصل حتى الآن مرحلة النضج والطلب في السوق السعودية، والتي لا تتطلب بالتالي حاجة أو طلبا لمرشدات السياحة أو حتى المرشدين. وشدد على أن المرشد والمرشدة لن تكون لهما حاجة وفرص وظيفية حتى تتطور ثقافة السياحة في أي بلد إلى ثقافة البرامج، مشيرا إلى أن هيئة السياحة والآثار في السعودية تعمل في هذه المرحلة على تطوير مفهوم منظمي الرحلات، من خلال البرامج التي تقدمها الشركات السياحية، ومن ثم تحفيز المقيمين والمواطنين، وأنه لو تم تحقيق ذلك، ستبرز الحاجة إلى المرشدين والمرشدات. ورأى أن السؤال عن الحاجة إلى المرشدات السياحيات متقدم، فالوضع الحالي لا يشير إلى أي ضرورة لوجودهن، فالمرشدون الذكور المرخص لهم بالعمل لا يجدون فرصا وظيفية. وعن مخرجات تخصص الإرشاد السياحي للطالبات، أوضح العيسى أن الطفرة الموجودة في السعودية - حاليا - في المتاحف الوطنية وفرت الكثير من الفرص الوظيفية للإرشاد السياحي بشكل عام، مثل المتحف الوطني في الرياض، الذي يعمل فيه موظفات في الإرشاد السياحي، مشيرا إلى أن هذه المتاحف تتوافر فيها الفرص الوظيفية لمخرجات الإرشاد السياحي من الإناث، أما الإرشاد السياحي في المواقع السياحية والأثرية والتاريخية لا توجد لهن حاجة؛ لعدم توافر البرامج، ولوجود عدد كبير من الذكور المرخص لهم، والذين لم يجدوا وظائف حتى الآن. وبين أن الصناعة لن تتطور إلا إذا تطورت المنظومة بالكامل، والهيئة العامة للسياحة والآثار تعمل على توفير البيئة المناسبة للسياحة، ومن ثم الطلب على الكوادر البشرية. واستبعد طرح تأشيرات سياحية خارجية، مؤكدا أن هذا الأمر ليس منظورا ولا نسعى إليه في الهيئة، فالسعودية ليست بحاجة إلى سائحين أجانب؛ نظرا لوجود تسعة ملايين مقيم من كل الجنسيات على الأراضي السعودية، وهذه الأعداد إذا تم تحريكها، وتوفير برامج لهم لزيارة الأماكن السياحية والتراثية في السعودية، وكانت هناك فرصة لاستيعاب المزيد قد تبحث الهيئة مسألة التأشيرات الخاصة بالسياحة من الخارج. وأوضح أن السعودية تتوافر لديها المقومات السياحية لسياحة الداخل، ومن هذا المنطلق تعمل الهيئة على تطوير هذه الصناعة، ولا تنظر مطلقا إلى استقطاب سائحي الخارج، فالسعودية تتمتع بمساحات كبيرة، وتعداد سكاني كبير من المقيمين والمواطنين لخلق سوق سياحية قوية. من جهته، رأى الدكتور زيني الحازمي، عضو هيئة تدريس في قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز، أنه على الرغم من مبادرة هيئة السياحة والآثار بعقد دورات في الإرشاد السياحي، وإعطاء التراخيص، فإن قطاع السياحة محصور في المرشدين الذكور، ولم يعط تصريح ممارسة هذا النشاط للفتيات، واصفا هذا الأمر بالخطأ؛ نظرا لوجود مسار في الإرشاد السياحي يدرس بقسم التاريخ في الجامعات الخاصة بالفتيات مدته أربع سنوات، وتحصل الطالبة بعدها على درجة بكالوريوس سياحي، وهذا الأمر يطرح تساؤلا عن مصير توظيف مخرجات هذا القسم. وبين في حديثه ل«الشرق الأوسط» أن ممارسة هذه المهنة بالنسبة للفتيات لا تعد عيبا، فيوجد في كثير من المجموعات السياحية عنصر نسائي لا يمنع من خلال التعامل معهن حظر المرأة أو حدوث خلوة، بالإضافة إلى أن المطالبات بإيجاد رخص لهن تختص بممارسة عملهن داخل منطقتهن، وترك مسألة السفر والتنقل بين المدن للمرشدين السياحيين الذكور. وتطلع إلى أن تعطى الفرصة للمرشدات السياحيات، بمنحهن رخصة إرشاد سياحي تحت مظلة وإشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار، خصوصا أنهن يدرسن على مدار أربع سنوات مواد أكاديمية مثل اقتصادات وإدارة السياحة، والعمارة الإسلامية، ومعالم أثرية معاصرة، مما جعل لديهن إلماما كبيرا بالإرشاد السياحي الصحيح، لافتا إلى أن مخرجات هذا القسم فرصة منحتها السعودية للفتيات لممارسة عملهن باحترافية، في ظل وجود كثير من المرشدات في الدول الأخرى، يعملن دون دراسة هذا التخصص، ولكن بمحصلة معلومات ودراية بالأماكن السياحية والأثرية.