وزير الخارجية السابق لجمهورية البيرو يكتب: بنما تنضم إلى الرفض الدولي المتزايد ل"بوليساريو"    مطالب للحكومة بالاستجابة الفورية لمطالب المتقاعدين والنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء        اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    موتسيبي: "كان" السيدات بالمغرب ستكون الأفضل في تاريخ المسابقة        تيزنيت : انقلاب سيارة و اصابة ثلاثة مديري مؤسسات تعليمية في حادثة سير خطيرة    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    الدار البيضاء.. حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية        مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    البطولة... أولمبيك آسفي يمطر شباك النادي المكناسي بثلاثية    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون والفريق السيسي وإشكالية البحث عن زعيم
نشر في مغارب كم يوم 19 - 09 - 2013

لم تشهد مصر حالاً من التسيس الشعبي الجارف كما هي الحال منذ كانون الثاني (يناير) 2011 وحتى الآن، فلا يخلو حديث بين شخصين أو أكثر من الغوص بعمق في الشأن السياسي، سواء كان عالماً أو مواطناً بسيط التعليم أو حتى بلا نصيب من التعليم. تكفي هنا خبرة الحياة والمشاهد التي تتراءى أمام الجميع بلا انقطاع. فالبرامج الفضائية التي تملأ ساعات النهار والليل كفيلة بأن تهز وجدان الجميع، وأن تضع أمام أعينهم فيضاً من المعلومات والأخبار والتصريحات والشخصيات العامة النافذة والهابطة معاً، وكل منها له مذاقه وتأثيره.
بات المصريون يتنفسون السياسة ويشربون ويأكلون السياسة بلا انقطاع. ومع ذلك فهناك قدر كبير من الفراغ يشعر به الجميع أو لنقل الغالبية الساحقة، فراغ القيادة وغياب الزعامة الموثوق فيها التي تعبر عن الوطن وهمومه وتقود سفينته باقتدار. هذا الشعور بالفراغ القيادي لا يعني أن مصر تخلو من الشخصيات القادرة على إدارة الدولة بقدر ما يعني أن لا أحد من هؤلاء قادر على ملء الفراغ الشعوري لدى جموع المصريين، وأن يهز الوجدان الشعبي الجمعي بصورة طبيعية ومن دون أي افتعال. صحيح هناك نخبة سياسية متنوعة المشارب الفكرية والأيديولوجية والسياسية، وفيها رموز مشهود لها بالكفاءة والخبرة والرصانة والحكمة وقل ما شئت من الصفات الراقية التي تزين صاحبها وترفع قدره. بيد أن الرؤية الشعبية لها حكمها، الذي لا يمكن تجاوزه، إذ ترفع من عناصر المصداقية والثقة والارتياح النفسي والرضاء العام. وتلك بدورها تأتي نتيجة التفاعل الخالي من الخداع والاختبار غير المزيف. وإن اجتمعت سوية تنشأ حالة الارتباط الشعوري المليء بالأمان وراحة البال.
جرب المصريون رؤساء جاء بهم القدر، لكل منهم بصماته التي لا تُنكر، إن سلباً أو إيجاباً، وحتى مبارك الذي أجبره الشعب على التخلي عن الحكم، بسبب تراكم الأخطاء وارتفاع معدلات الفساد وانسداد الأفق السياسي بشكل لا يُطاق، خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة من حكمه الذي دام أكثر من ثلاثة عقود متصلة، تجد في مصر من يقدره حتى وإن كانوا قلة لكنهم يرونه زعيماً كبيراً يفتقد الوطن حكمته وقدرته على ضبط الأداء السياسي في البلاد. والأمر نفسه بالنسبة إلى الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، الذي ينال حب أهله وعشيرته من الإخوان والجهاديين والتكفيريين وبعض السلفيين، وثقتهم التي لم تهتز بأنه الزعيم الأفضل الذي مر على الوطن، بينما الغالبية الساحقة من المصريين عزلته بعد عام واحد ارتكب فيه من الأخطاء والخطايا ما لم يتصوره أحد.
وإذا كان الرئيسان مبارك ومرسي يجمع بينهما الخروج القسري من الحكم بقرار شعبي ثوري، فقد خرج قبلهما الرئيسان ناصر والسادات بفعل الموت طبيعياً أو قتلاً وفق الإرادة الإلهية، وعلى رغم بُعد السنوات، فما زال لكل منهما رصيد من القيادة والزعامة والحب لدى المصريين، مع نصيب أكبر لجمال عبد الناصر الذي رُفعت صوره في مناسبات جماهيرية عدة منذ كانون الثاني (يناير) 2011 وحتى تظاهرات 26 تموز (يوليو) الماضي المعروفة بتظاهرات التفويض، وكأن حامل مثل هذه الصور يقول إن مصر تفتقد زعامة ناصر وتنتظر خليفته. وبهذا المعنى حين تجتمع صور ناصر والفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري معاً، فمن الطبيعي أن يكون المعنى والمقصد أن مصر بحاجة إلى زعامة ناصر والتي تتجسد وفق المنظور الشعبي الحالي في شخص الفريق السيسي.
لم يأمر أحد أو جهة ما شخصاً أو جماعة بعينها لكي ترفع تلك الصور، أو أن يطبعها على قالب من الحلوى التي يذاع صيتها إلى الآفاق من دون أدنى جهد، أو يعلقها على بناية ذات ستة أو عشرة أدوار ليراها الناس من على بعد مئات الأمتار، أو يتبادلها الناس في الأفراح وحفلات الزواج وكأنها هدية غالية لا تعطى إلا للأحبة المقربين. الأكثر من ذلك تتكاثر يومياً الحملات الشعبية التطوعية الساعية إلى جمع التوقيعات والبيانات تطلب من الفريق أن يرشح نفسه رئيساً للبلاد. ووفقاً لعمرو موسى السياسي المخضرم، إنه المزاج الشعبي هو الذي قرر وضع الفريق السيسي في موضع الزعامة المنتظرة والقيادة المرغوبة.
ارتياح شعبي
والحق أن المسألة أكبر من مجرد مزاج شعبي جمعي، فهذا المزاج قابل بدوره للتغير والتبدل والصعود والهبوط بأسرع ما يمكن. إننا أمام ظاهرة تستحق التأمل، فثمة حالة ارتياح نفسي ورضاء شعبي عام نتيجة تجربة يعتقد غالبية المصريين أنها إيجابية للغاية، وحققت لهم ما كانوا يتمنونه، وهو اختفاء حكم الإخوان، وكانوا - أي الغالبية المصرية الساحقة - يخافون ألا يحدث هذا الاختفاء إلا بعد دفع ثمن غال جداً، وإذا به يحدث وبثمن معقول نتيجة الصرامة والحسم اللذين يتمتع بهما الفريق السيسي.
الصرامة والحسم وعدم الخضوع للضغوط هو ما يميز الفريق السيسي لدى من يحبونه ويقدرون دوره الوطني في حماية البلاد من الوقوع في براثن الإخوان وحلفائهم من التكفيريين والجهاديين المسلحين والإرهابيين، وهي نفسها الصفات التي تحتاج إليها البلاد الآن للخروج من مأزقها الذي تعيش فيه. فالحاجة إلى رجل الدولة هو ما يحتاجه المصريون الآن ويعتقدون أن الفريق السيسي أكثر الرموز المطروحة الآن لهذا الدور الغائب.
فخلفية الرجل العسكرية وصعوده المهني كدليل على الكفاءة، وما هو محفور في وجدان المصريين البسطاء حول الجيش، باعتباره جيش الشعب بكل فئاته وطوائفه، وكمؤسسة وطنية تقدم الغالي والنفيس من أجل الوطن، وكمؤسسة احترافية تقوم على الانضباط والتراتب القيادي الصارم والإنجاز وفق التخطيط المسبق. وفي كل الأحاديث العفوية والأسرية ثمة حاجة ماسة إلى ضبط الأداء العام في المجتمع وفي الشارع وفي الحكومة وفي السياسة والاقتصاد والأمن، وفي كل شيء. وكلها تفسر دوافع المصريين في اختيار الفريق كابن لهذه المؤسسة الوطنية ليكون الرئيس المقبل أو بالأحرى الرئيس المنتظر.
يقظة الغافلين ورد الاعتبار
والخوف المصطنع من دولة عسكرية أو يحكمها العسكر لم يعد موجوداً كما كانت الحال في فترة انتقالية أولى تحت قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوي، وحتى غُلاة المثقفين والسياسيين والإعلاميين والصحافيين الذين تغنوا كثيراً بالشعار السخيف والمهين معاً «يسقط حكم العسكر»، باتوا الآن في مجال الأسف والندم والاعتذار للجيش ولكل قياداته الحاليين والسابقين. بل يصرح الكثير من هؤلاء بدعمهم لفكرة أن يرشح الفريق السياسي نفسه لرئاسة البلاد. لقد أدرك الواعون من هؤلاء أنهم قد خُدعوا وفي الآن نفسه شاركوا في خداع المصريين ودفعوهم إلى مواقف مسيئة ضد أهم وأكثر المؤسسات وطنية. الأكثر من ذلك نرى الاعتذارات واضحة لا شك فيها، وقيمة القوات المؤسسة أصبحت في وضعها الطبيعي الذي تستحقه. فالمعركة أبداً لم تكن بين جيش يريد السطو على الحكم كما توهم الغافلون، وبين مدنيين يسعون إلى دولة أكثر رقياً، بل كانت بين دولة ومؤسسات ووطن وهوية وتاريخ، وبين لا دولة ولا مؤسسات ولا وطن وميليشيات وهوية مصطنعة وتاريخ مزيف، ولولا الدور الذي قامت به القوات المسلحة منذ 28 كانون الثاني (يناير) 2011 وحتى اللحظة الجارية مروراً بكل اللحظات الفارقة لا سيما 30 حزيران (يونيو) و3 تموز (يوليو) و26 تموز 2013، لكانت مصر التي نعرفها فقدت نفسها معنوياً وعضوياً وغرقت في الظلام والوحل. لقد تخلص الغافلون من غفلتهم، ورُد الاعتبار إلى أهله.
ثمة بُعد آخر يشغل المصريين يتعلق بخبرتهم مع الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، فعلى مر السنوات الستين الماضية كان الهدف الأكبر هو حماية الوطن من أي نقصان، وتحرير الأرض المحتلة بعد نكسة حزيران 67 مثلت أولوية وطنية غير قابلة للنقاش، وبعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 73 ثم المفاوضات مع الجار الشرقي، ثم الدخول في عملية تحكيم دولي في نهاية 1980، انتهت إلى رسم حدود نهائية بين مصر وإسرائيل تحددت كامل الخريطة المصرية. ولم يتصور أحد أن هناك من يريد العبث بهذه الحدود أو يتنازل عنها أو يبادلها. ومن هنا نشأ جزء من الصدمة الشعبية في حكم الإخوان، إذ تردد كثيراً ونشر الكثير من التقارير والتعليقات والتسريبات حول اتفاقات قبل بها الإخوان تتضمن تنازلات في سيناء وفي الحدود الجنوبية مع السودان، من أجل أن يتمتعوا بدعم أميركي وأوروبي للبقاء في سدة حكم مصر.
بالنسبة إلى المصري البسيط فإن التنازل عن جزء من الأرض المصرية التي أريقت من أجلها الدماء الطاهرة ومهما كان بسيطاً فهو الخيانة بعينها التي تتطلب أقصي عقوبة ممكنة. المؤسف في المسألة أن الرجل كان مدنياً ومنتخباً. وكثيراً ما حلم المصريون برئيس مدني ومنتخب ديموقراطياً. فجاءت تجربة مرسي لتطرح إشكاليات عدة خاصة بحرمة الأرض المصرية وقداستها لدى المدنيين، وبمن هو الأجدر بحماية الأرض وصيانتها وردع التهديدات حولها.
ولدى العموم فإن الإجابة التي لا تحتمل المراوغة تكمن في القائد العسكري الذي لا يُشك في ولائه للوطن وأرضه وشعبه. ومهما يُقال في حق الرئيس الأسبق مبارك، فثمة إجماع أنه لم يفرط في الأرض ولم يفكر في ذلك أبداً. وما تقوم به القوات المسلحة الآن في ظل قيادة الفريق السيسي من هدم الأنفاق العابرة لغزة، وفي تطهير سيناء من بؤر الإرهاب والتكفير، وما يقدمه الجنود والضباط من تضحيات كثيرة، تدعم الميل الشعبي إلى قائد ذي خلفية عسكرية لن تكون الأرض المصرية في عهده معرضة للضياع أو الفقدان أو التنازل.
"الحياة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.