قبل الربيع العربي أثير سؤال جدوى مشاركة الإسلاميين في دوائر بحثية وفي أوساط بعض الإسلاميين بعد أن تمت قراءة حصيلتهم في المعارضة السياسية من زاوية التغيير الذي حصل في الوضع السياسي. وجاء الربيع العربي ليؤكد افتقاد هذه الأطروحات للبعد الاستراتيجي في التحليل والاستشراف. اليوم، وبعد بروز بعض المؤشرات لمحاولة استعادة أوضاع ما قبل الحراك الشعبي الديمقراطي، يعاد إنتاج نفس أطروحة جدوى مشاركة الإسلاميين، لكن هذه المرة في مواقع التدبير الحكومي، إذ لا توجه الانتقادات إلى العجز عن تحقيق بعض المكاسب الديمقراطية المحدودة، وإنما توجه إلى «فشل» الإسلاميين في تحقيق تطلعات الشعوب في التغيير والإصلاح. والواقع أن الأطروحة الجديدة، مثل سابقتها، تقرأ أداء الإسلاميين بالقياس إلى الأدوار المطلوبة منهم في ردم الفجوة الهائلة بين واقع الشعوب العربية، وبين تطلعاتها في الحرية والعدالة والكرامة، كما لو كان الإسلاميون يشتغلون في حقل سياسي لا يوجد فيه إلا الفاعلون السياسيون الذين يتقاسمون معهم عناوين الإصلاح! بل إن خطأ مثل هذه الأطروحات المتسرعة- مثلها في ذلك مثل الإرادات التي تسعى لإفشال الإسلاميين- أنها لا تأخذ بعين الاعتبار سيناريوهات ما بعد «الفشل»، وهل سيكون بالإمكان استعادة وضع ما قبل الربيع العربي، أم أن محددات واقع ما بعد «فشل الإسلاميين» ستكون عصية عن الفهم، فبالأحرى إنتاج شروط للتعاطي معها. لحد الآن، الصورة واضحة، بعض النخب السياسية في الداخل التي تتوافق مع مزاج بعض الفاعلين الدوليين، تكثف من ديناميتها السياسية للانقلاب على الشرعية السياسية والدستورية التي أفرزتها أول انتخابات ديمقراطية نزيهة أجريت بعد الربيع العربي. في تونس مرت الأمور نسبيا بسلام، وقدمت حركة النهضة بعض التنازلات، وتحركت عجلة استكمال خطوات الانتقال الديمقراطي من جديد مع بروز صور أخرى للعرقلة أفرزها النقاش حول قانون العزل السياسي. مصر وصل فيها الاحتقان إلى الاحتكام إلى لغة الشارع والعرائض ولغة إحراق المقرات. أما في المغرب، فمع الفارق الكبير بين السياقات، فإن مضمون المعادلة يكاد يشتبه في بعض التفاصيل، إذ يؤشر الحراك السياسي الجاري منذ شهرين على أن الأمر يتجاوز مجرد شعور بعض الفاعلين السياسيين بالرغبة في تغيير الموقع السياسي بالانسحاب من الحكومة، إذ لو كان الأمر بهذه الصورة، لكان التعبير عنها بلغة دستورية بسيطة فصلها بوضوح الفصل 47 من الدستور، لكن المؤشرات التي تبدو على مستوى تدبير موقف المعارضة من الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة، وبروز بعض الاصطفافات الجديدة، ومسلسل «الحراك» السياسي العبثي الذي انخرطت فيه «القيادة الجديدة» لحزب الاستقلال، والذي انتهى إلى النقطة التي كان يجب أن يبدأ منها، هذا فضلا عن الفاعل الإعلامي الذي قام بدوره السياسي بامتياز، تجتمع كل هذه المؤشرات لتدل على أن المستهدف هو التجربة برمتها، وليس مجرد تسوية إيقاع وتغيير بعض الأوتار. المشكلة أن هذه القراءات المتسرعة، مثلها في ذلك مثل الجهات التي تعمل لإنهاء الفرادة في التجربة المغربية بمحاولة إلحاقها بالسياقات الأخرى، لا تطرح سؤال «ماذا بعد «فشل» أو «إفشال الإسلاميين»، وهل سيتم استعادة شروط ما قبل الربيع العربي، أم سيتم مواجهة واقع سياسي آخر، يفتقد القدرة على ضبط إيقاع الشارع من جهة، ولا يحمل، من جهة ثانية، أي مقوم لاستيعاب القوى التي من الممكن أن تنشأ وتتكاثر على هامش النسق السياسي ما دامت شروط هذا النسق لم تتسع لاستيعاب فاعلين سياسيين يمتلكون مستويات عالية من الاعتدال والمرونة السياسية في إدارة الإصلاح.