مما لا ريب فيه أن كل المغاربة كانوا ينتظرون من الملك رأيه في الأوضاع العامة للوطن وللمواطنين السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي غيرها من المجالات التي تهم الجميع في البلاد باعتبار أن المواطنين هم الحجر الأساس في الوطن، وان المواطن " هو الأهم في العملية الانتخابية وليس الأحزاب والمرشحين..." "وان عملنا لا يهتم كثيرا بالحصيلة والمنجزات، وإنما بمدى أثرها في تحسين ظروف عيش المواطنين ..." كما عبر عن ذلك في خطاب العرش يوم 29 يوليوز 2016 وذلك بصفته الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة و الساهر على حسن سير المؤسسات الدستورية و على حقوق المواطنين والمواطنات والجماعات...حسب ما اقره الدستور في الفصل 42. لهذا سجلت الاهتمام الخاص لعموم الشعب بهذا الخطاب لان الأوضاع العامة في المغرب صارت تستدعي من الجميع الكلام فيها وإبداء الرأي المسؤول في شانها بل والدعوة إلى محاسبة المسؤولين كلا في إطار مهامه واختصاصاته سواء التشريعية أو التنفيذية أو الإدارية و ربط المسؤولية بالمحاسبة "لان المسؤولية كبيرة لا حد لها في الزمان والمكان وهي أمانة عظمى في أعناقنا جميعا" حسب ما عبر عن ذلك أيضا. ولان الواقع عنيد لا يمكن أن يرتفع أو يتم التجاوز عنه خاصة وانه يهم امن واستقرار وطن وحاضر شعب وحياته ومستقبل أجيال في ظل وضع عالمي غير عادي ولا مستقر بعد أن استطاع المغرب الخروج سالما هادئا من موجة الربيع العربي بفضل وعي الشعب المغربي وذكاء الملك اللذين توافقا على دستور جديد للبلاد الذي تمت على أساسه انتخابات تشريعية جديدة انبثقت عنها حكومة جديدة ترأسها زعيم حزب العدالة والتنمية باعتباره الحائز على اكبر الأصوات من اجل تنفيذ برنامجها الذي عرض على الشعب إبان الحملة الانتخابية وأثناء العمل على اكتساب ثقة البرلمان وبالخصوص منها ما يهم محاربة الفساد بكل أشكاله والريع بكل مظاهره وأنواعه وسن سياسة جديدة للنهوض الجيد بكل القطاعات الاجتماعية من تعليم وصحة وشغل كما طالب الشعب الذي انخرط اغلب أفراده من شباب وكهول إلى رجال ونساء تحت يافطة "الشعب يريد إسقاط الفساد ". وهكذا أجاب الملك في خطابه بكل حزم ومسؤولية عن التساؤلات التي صار الواقع المعاش يطرحها وبالخصوص منها مدى تجاوب الأحزاب في المغرب مع حاجيات المواطنين ومدى تنفيذها لبرامجها أثناء مدة انتدابها للتسيير من قبل المواطنين الذين تبقى لهم سلطة محاسبة المسؤولين فيها أو تغييرهم. وسجل الملك أيضا في خطابه المذكور تحفظه بل انزعاجه من تصرفات البعض التي خرجت عن واجب التعقل وعن مقتضيات الدستور وزاغت عن الغايات التي من اجلها انتخبت وعن تحقيق الأهداف التي من اجلها عينت الحكومة وحددت المسؤوليات وكذلك من تصرفات أي بعض آخر يسعى إلى الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة سواء كأفراد أو كأحزاب. وهكذا عوض إيلاء كامل الاهتمام لمصالح المواطنين صار ذلك البعض يهتم بأغراضه الخاصة وبمصالح حزبه الضيقة ، وهو ما ليس من الأخلاق السياسية أو الوطنية أو الدينية في شيء خاصة بعد أن زاد هذا السلوك الغير المشروع عن حده مع استغلال اسم الملك في خطاب ذلك البعض بل وابتزاز الجميع في شان مستقبل أمن واستقرار المغرب ، من اجل استقطاب أصوات الناخبين، وفي الصراعات بين الأغلبية والمعارضة لتحقيق أغراض سياسية وتصفية حسابات شخصية إلى حد الركوب على الوطن مما جعله يقول "كفى..." لان السيل بلغ الزبى والعبث بمصالح البلاد والعباد بلغا مداهما إلى حد استغلال كل الوسائل وتوجيهها في خدمة أجندة حزبية خاصة وتحقيق أهداف لا علاقة لها بمصالح الشعب والوطن إنما تصب في صالح هذا الحزب أو ذاك وجعله أقوى وأقوى من اجل ماذا؟ المستقبل كفيل بان يجيب عن السؤال الذي صار يؤرق كثيرا من المغاربة لان الأمر يهم حقهم في العيش الكريم باطمئنان وامن في وطنهم، خاصة بعد التملص من المسؤولية التي فرضها الدستور "وعدم القيام بالواجب الذي اعتبره الملك فسادا في حد ذاته لان محاربة الفساد لا ينبغي أن يكون موضوع مزايدات ". لذلك دعا الجميع إلى وجوب تحمل مسؤولياته كاملة من أحزاب سياسية التي عليها أن تكون في خدمة المواطنين وليس في خدمة شخوصها أو أحزابها بتقديم مرشحين أكفاء ونزهاء ومسؤولين يكونون في خدمة المواطن، وان تعمل على تنفيذ التزاماتها تجاه الناخبين في التنمية الاقتصادية وفي النهوض بكل القطاعات الاجتماعية التي صارت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس كالتعليم والصحة والشغل خاصة بعد الدعوات الصريحة إلى رفع اليد عنها و تجاوز ديون المغرب 640 مليار درهم وهو رقم لا يجب السكوت عنه لأنه صار مخيفا للجميع في الحاضر وللمستقبل. كما دعاها إلى أن تحرص على الأمن العام للمغرب ضد الإجرام في الداخل وضد الإرهاب بكل أشكاله الذي يهدد الجميع، وان تعمل بحزم من اجل القضية الوطنية الأولى.. إلى المواطنين الذين دعاهم كذلك إلى ضرورة تحكيم ضمائرهم واستحضار المصلحة العامة قبل أي شيء آخر. وإذن فمن المسؤول الحقيقي عن الأوضاع؟ التي لها في المستقبل مقالات أخرى لان مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ولان أعمال الرجال منزهة عن العبث والسلام.