أمين احرشيون تشهد تركيا تطورات متسارعة تكشف عن ملامح التغيير في المشهد السياسي، حيث يواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم تحديات متزايدة، خاصة بعد أن فرض سيطرته على مفاصل الدولة لعقود مستخدمًا خطابًا دينيًا لجذب الجماهير. الإرث العثماني والسياسة الدينية لطالما شكلت تركيا محورًا مهمًا في السياسة الإقليمية، مستفيدة من إرثها العثماني الذي امتد إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد تمكن حزب العدالة والتنمية، باعتباره أحد أبرز امتدادات فكر "الإسلام السياسي"، من ترسيخ وجوده عبر استغلال الرمزية الدينية، متخذًا من الهوية الإسلامية وسيلة لتعزيز شعبيته. لكن، مع مرور الوقت، تكشفت الأهداف الحقيقية لهذه السياسة، خاصة مع تزايد النزعة السلطوية للحزب الحاكم وتضييقه على الحريات، ما أدى إلى ردود فعل شعبية واسعة في الشوارع التركية، خصوصًا في المدن الكبرى مثل إسطنبولوأنقرة. الدور الإقليمي لتركيا وتأثيره لعبت تركيا دورًا معقدًا في العديد من الملفات الإقليمية، حيث كان لها تأثير واضح في سورياوالعراق، كما سعت إلى تعزيز نفوذها في دول الخليج العربي وشمال إفريقيا. في سوريا، اتُهمت تركيا بتسهيل مرور المقاتلين وتمكين بعض الجماعات المسلحة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة. أما في العراق، فقد عززت وجودها العسكري في مناطق مختلفة تحت ذريعة محاربة الإرهاب، لكنها في الواقع استخدمت ذلك لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. أما في شمال إفريقيا، فقد امتد النفوذ التركي إلى ليبيا، حيث دعمت حكومة الوفاق الوطني عسكريًا، ما ساهم في تعقيد الأزمة هناك. ولم تكن الجزائر بعيدة عن الحسابات التركية، إذ سعت أنقرة إلى تعزيز علاقاتها مع المؤسسة العسكرية والاستفادة من التاريخ العثماني المشترك لتوسيع نفوذها. العدالة والتنمية ومحاولته فرض نفوذه في الدول العربية الإسلامية لم تقتصر سياسة تركيا على التدخل العسكري فقط، بل اعتمد حزب العدالة والتنمية على استراتيجية أكثر عمقًا تقوم على نشر فكره الأيديولوجي في الدول العربية والإسلامية. استخدمت أنقرة أدوات عدة، مثل الدعم السياسي لجماعات "الإسلام السياسي"، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، واستغلال المؤسسات الثقافية والدينية لنشر رؤيتها. في تونس، دعمت تركيا أطرافًا سياسية محسوبة على "الإخوان المسلمين"، ما أثار جدلاً حول مدى تأثيرها على القرار السياسي التونسي. وفي السودان، عززت علاقاتها مع نظام عمر البشير قبل سقوطه، محاولة استغلال موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر. أما في قطر، فقد وجدت تركيا حليفًا استراتيجيًا، حيث عززت وجودها العسكري هناك خلال الأزمة الخليجية عام 2017، ما منحها نفوذًا قويًا في منطقة الخليج العربي. هذا التغلغل التركي في الدول العربية لم يكن فقط بهدف تعزيز العلاقات الثنائية، بل كان جزءًا من رؤية أوسع يسعى من خلالها حزب العدالة والتنمية إلى إعادة إنتاج النفوذ العثماني في المنطقة، مستخدمًا الدين كأداة سياسية. الاحتجاجات الشعبية ودعوات التغيير اليوم، تشهد تركيا موجة من الاحتجاجات التي تعكس رفض شريحة واسعة من المجتمع للسياسات التي يتبعها حزب العدالة والتنمية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. هذه التحركات ليست مجرد صراع بين المعارضة والحكومة، بل هي مؤشر على رغبة مجتمعية في التغيير والانفتاح على نموذج أكثر ديمقراطية يضمن حرية الرأي والتعبير دون قيود. لقد نجح الحزب الحاكم في نشر أفكاره بين أنصاره من خلال توظيف الدين في السياسة، لكنه يواجه اليوم تحديًا حقيقيًا مع تصاعد الغضب الشعبي وتزايد الأصوات المطالبة بمراجعة النهج الحالي. فهل ستكون هذه الاحتجاجات بداية لتحول سياسي حقيقي، أم أن الحزب لا يزال قادرًا على احتواء الأزمة والاستمرار في نهجه؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف عن ملامح المستقبل التركي.