نعيش رمضان هذه السنة بشكل مختلف عما قبله، لذلك توارت بعض المظاهر التي كانت تطفو على السطح كل سنة مصاحبة، لحلول شهر رمضان، من قبيل موضوع الإفطار العلني، الفعل الذي يجرمه القانون الجنائي المغربي استنادًا إلى الفصل 222، والذي يُعاقب على الأكل في الأماكن العامة، وبالنهار، دون عذر شرعي، في تقاطع جدلية الحق الفردي و عدم احترام المفطرين للمنظر العام، واستفزاز مشاعر المواطن المسلمين، الذين يعيش في دولة دينها الرسمي هو الإسلام. ولعل من المفارقات الغريبة أن الفصل 222 من القانون الجنائي وضع لأول مرة من طرف المشرع الفرنسي خلال فترة الإستعمار، ليطبق في الأصل على الأجانب المقيمين بالمغرب غير المسلمين، حيث جرم مجاهرتهم بالإفطار العلني في رمضان خوفا عليهم من ردود أفعال غاضبة من السكان الأصليين المسلمين، وعند صدور أول قانون جنائي بالمغرب سنة 1962م تم الإبقاء على تجريم هذا الفعل ليطبق على المسلمين حصرا. لكن المثير للإنتباه هو أن المجتمع المغربي يتسامح مع تارك الصلاة المسلم، فعند رفع الأذان مثلا تجد الناس في المقاهي والأسواق، و لا أحد يتضايق من ذلك أو يحثهم على ضرورة التوجه للمساجد، لكن أن يفطر مغربي مسلم في شهر رمضان دون عذر شرعي، لا يبدو مقبولًا، فالمشرع يرى في الأمر حساسية كبيرة واستفزازًا صريحًا لمشاعر المسلمين، أما بالنسبة للعامة فلا يجوز الإقدام على هذا الفعل علانية حتى لو كان بعذر شرعي مقبول. فهل يا ترى أصبح الصوم أهم من الصلاة و باقي الأركان؟ أم أن الصوم أنتقل من مستواه الديني الشعائري إلى مستوى الطقس الإجتماعي؟ لكن ماذا نعرف عن الصوم في الديانات المختلفة حول العالم؟ و كيف يحضر الصوم في تاريخ الحضارات الإنسانية؟ لن أدخل في السجال الدائر كلما حل رمضان حول وجوب الصوم باعتباره ركنا و فريضة دينة أو عدم وجوبه إلا على الذين يطيوقون كما تقول الآيتين من سورة البقرة ” (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ”، فلهذا النقاش قد أخصص مقال اخر. لكن يهمني اليوم الحفر في تاريخ الصيام و كيفية تحوله من طقس ديني إلى ممارسة اجتماعية و مناسبة اقتصادية وجب المحافظة عليها لتسريع وثيرة الإستهلاك. لم يعرف البشر منذ بدء القدم أي ديانة إلا وبها عبادة الصوم، فالصيام شعيرة تعبدية وفلسفة روحانية، ارتبطت بالإنسان المتصوف الذي يسعى للتجرد من المادة و تحقيق نقاء الروح، ولا تكاد توجد ديانة توحيدية/سماوية، أو ديانات متعددة الآلهة/وثنية، إلا وذكر فيها الصيام، فهو حسب علماء الأنتروبولوجيا وسيلة لتطهير الذات خاصة عبر الإمتناع عن الطعام، لأن الغذاء الذي يملأ المعدة اعتُبِر ملوثًا بما أنه يتعفن بسرعة بمجر تجاوز الفم وصولا إلى المعدة. وعلى الرغم من اختلاف مواقيته وفلسفته وطقوسه من دين لآخر ومن عقيدة لأخرى، فإن الصيام المتعارف عليه بين البشر، يظل – وكما تُعرفه اللغة – إمساك أو كف عن الطعام سواء انقطاع لفترة محددة، أو انقطاع عن أصناف معينة من الشراب والشهوات وأحيانًا صوم عن الكلام، حيث يقوم مفهوم الصوم بشكل عام على فلسفة الانقطاع عن الشهوات الجسدية كالطعام والشراب والعلاقات الجسدية الحميمة أو كل عمل أو قول قد يسيء للقيم الإنسانية السامية، الصيام لم تأتي به الرسالات السماوية بل كان موجودًا في معظم الحضارات الإنسانية القديمة، كما ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالغريزة والصفاء النفسي والذهني والنقاء الروحاني والعلاج البدني والتطهير ومكافحة الأمراض. و لدى القيام بحث وجدت أن الصوم كان عند الهنود الحمر، بأمريكا اللاتينية، “شعيرة” لتحقيق الرؤية الروحية و كان عند شعب “الفنك”، معتنقي الديانة الشامانية بسيبيريا، رغبة في الشفاء من الأمراض و تطهير للروح و السيطرة عليها. أما الصوم عند البوذيين فكبح للشهوات و تحقيق لأعلى درجات الصفاء الذهني، و بداية الشهر الرابع من السنة المصرية كان المصريون القدامى يصومون ستة أيام عند إنحباس مياه النيل في الصعيد و قد استمرت هذه العادة فسميت ب”الستة أيام البيض” كما صام البابليون تكفيرا عن خطاياهم و طلبا للمغفرة أما الهندوس فيصومون قبل زيارة المعابد و استعدادا للأعياد. و استعمل الصيام في الحضارة اليابانية القديمة سبيلا لإذلال الطغاة و من هنا تطورت فكرة الإضراب عن الطعام كوسيلة للإحتجاج السياسي أما سقراط و فيتاغورس و غيرهما من العلماء و الفلاسفة فقد استعملوا الصيام وسيلة للوصول لذروة الفعالية الذهنية. و قد حافظت الديانات السماوية على طقس الصوم بتجلياته الصحية (نفسية و بدنية) و تجلياته التعبدية فأصبح الصوم في الديانة اليهودية هو الإمساك عن الأكل والشرب ولم يفرض عليهم كتابهم إلاّ صوم يوم واحد، كما ورد في عهد “اللاويّين”. يصوم المسيحي بناء على محبته لله ورغبته في التقرب منه والتذلل والانكسار أمامه طاعة، و يقترن صيامهم بالصلاة كما ورد عن النبي دانيال في “سِفر دانيال”. كما ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالغريزة والصفاء النفسي والذهني والنقاء الروحاني والعلاج البدني والتطهير ومكافحة الأمراض التي قد يتسبب فيها الإسراف في الأكل بشكل عام. لكن يا ترى هل تحقق و يتحقق هذا الهدف من الصيام الآن؟ قبل أجيب عن هذا السؤال دعنا نقوم برحلة عبر التاريخ لرصد كيف يحضر الصوم في ديانات متعددة بين سماوية و وضعية. 1 الصوم عند الهنود و تعد الديانة الهندوسية من أقدم الديانات التي لازالت معروفة و منتشرة إلى الآن، و كان الصوم واحدا من أسسها، لكن عاداتهم فيه تختلف باختلاف طوائفهأ و الإله الذي يعبدونه، و هم على العموم ليس لديهم شهر محدد للصوم كالمسلمين، لكنهم يصومون أيام معينة طوال العام، فبعضهم يصوم يوم الإثنين، بينما مقدسوا الإله شيفا يصومون يوم الخميس، أما مقدسوا الإله فيشنو فيصومون عدة أيام من الأسبوع، و يعتبر صيام الهندوس انقطاع عن تناول الطعام من شروق الشمس حتى غروبها، إلا أنهم يتناولون الماء و السوائل، في حين توجد فئة تسمح لأتباعها بتناول الفواكه و الحليب فقط خلال فترة الصيام، و لا يزال البراهمة يصومون في اليوم الحادي عشر من كل شهر هندي، و بعض أتباع الديانة الجينية المتفرعة عن الهندوسية يواصلون الصوم أربعين يوما. 2 الصوم عند المصريين القدامى الديانات المصرية القديمة ألزمت معتنقيها بالصوم كممارسة تمنحهم الصحة الجيدة، و بعضهم كان يصوم تقربا إلى الأسلاف الموتى أو الألهة، كما كانو يصومون من أجل النيل/النهر كونه مصدر الخير و العطاء، و يصومون أيام الحصاد، و ثلاثة أيام من كل شهر، إضافة إلى أربعة أيام في بداية كل عام، بينما الكاهن يصوم سبعة أيام متتالية دون أي طعام أو ماء قبل التحاقه بالمعبد، و اعتاد المصريون القدامى الصوم سبعين يوما متصلة من كل عام و لا يأكلون سوى الخضر و بعض النباتات، و هناك بعض الدراسات تقول أن الفراعنة كانوا يصومون ثلاثين يوما و يحتفلون في اليوم الأخير من الصوم. 3 الصوم في الديانة البوذية كما هو الشأن في الهندوسية لا توجد في البوذية قواعد صوم عامة، ويحتفل البوذيون بأهم يوم صوم في عيد “فيساخ”، و يصادف أول يوم يكتمل فيه القمر في شهر مايو أو يونيو بالاحتفال بذكرى ميلاد بوذا وتنويره ووفاته، وأشكال الاحتفال تتراوح بين الراحة التأملية والصوم واحتفالات شبيهة بالكرنفالات، ويلتزم البوذيون بالصوم عن الجنس والكحول وأكل اللحوم باعتبارها من المحظورات في هذا اليوم. و هنا تفسير أخر يقول بأن البوذيون يصومون أربعة أيام من أيام الشهر “القمري”، وتُدعى أيان “اليوبوذانا”، وهي الأول والتاسع والخامس عشر والثاني والعشرين ويشمل الصوم الامتناع عن الطعام وعن العمل إطلاقًا حتى عن إعداد الطعام، لذلك يقومون بإعداد طعام الإفطار مسبقًا قبل شروق الشمس لتناوله بعد الغروب، ويصوم البوذيون بهدف خلق نوع من الانضباط للمساعدة على التأمل والصحة الجيدة، حيث يعتمد مبدأ الصيام في البوذية على كبح جماح الشهوة الجسدية، التي تدفع إلى ملذات الدنيا وترد البشر في مهاوي العقاب الدنيوي بعذاب أمراض الجسد، والآخروي بالنار. 4 الصوم في الديانة البهائية و المجوسية يصوم البهائيون من 2 مارس إلى 20 مارس، ويصوم كل بهائى من عمر 15 عامًا حتى 70 عامًا، ويُعفى من الصيام المريض والمرأة الحامل، ويُفرض الصيام على الجنسين بهيئة تشبه صيام رمضان لدى المسلمين، حيث يمتنع عن الطعام والشراب والتدخين فى فترة الصيام. أما على صعيد الديانة المجوسية – وهى ديانة يعبد أتباعها النار – فيوجد فريق منهم يسمّى "الصيامية"، وصيامهم قد يؤدّى بالإنسان إلى الموت، حيث يكرّسون حياتهم للعبادة وإقامة الشعائر فقط، ويحرمون أنفسهم من كل شىء: الطعام والشراب والنكاح، وهذا الصيام يفسد الجسم ويجهد الصحة، فهم يمنعون أنفسهم من تناول اللحوم والطيور والأسماك وكل شىء توجد به روح حسب اعتقادهم، تمامًا كما هو الحال فى صيام المسحيين، ويكون صيام هذه الطائفة فى أيام متفرّقة من السنة، أما المتشدّدون منهم فقد يصل صيامهم إلى 5 سنوات متتاليات. 5 الصوم في الديانة الزرادشتية الديانة الزرادشتية التي ظهر بفارس و إلهها زرادشت الذي عنون به نيتش كتابه الشهير ” هكذا تكلم زرادشت” و يصوم الزرادشتيون أيضأ، لكن بتقليد مختلف عن غيرهم من الطوائف، يوضح زعيم الزرادشتية حاليا بير لقمان أن طائفته تصوم أربعة أيام في الشهر، بحيث يمنع فيها تناول اللحوم، وتغلق أيضاً محلات بيع اللحم وتتوقف عمليات الصيد وذبح الحيوان، وأيام الصوم الأربعة المحددة حسب تقويم الزرادشتيين (تسمى ميدي) وهي وهمن، مانك، كوش، رام. 6 الصوم فى اليهودية يختلف الصيام عند اليهود عن باقي الديانات بحيث له طقوس مختلفة، فهو عندهم أهم من الصلاة، و يصومون 6 أيام من السنة فقط، ويعتبر "يوم التوبة" هو أهم أيام الصيام هذه لدى اليهود، وأتباع الديانة اليهودية على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم يصومون لمدة 25 ساعة، وخلال فترة الصيام هذه يرتدون جميعًا – الرجال والنساء – لباسًا أبيض، ويتبع اليهود في صيامهم طقوس التقشف، كالنوم على الأرض أو الامتناع عن الأكل، والشرب، والجماع، والاستحمام، وتغيير الملابس، والتعطر، وزيوت الجسم، وغسل الأسنان، والعمل، وارتداء الأحذية، منذ غروب الشمس إلى غروب اليوم التالي، ويتم إعفاء الأطفال والمرضى والنساء الحوامل والمرضعات من الصيام. 7 الصوم في المسيحية حقيقة لم يشر الإنجيل فى نصوصه المختلفة إلى الصيام، لكن التقاليد الكنسية تدعو للصيام قبل أربعين يوما من عيد الفصح، ثم زيدت لتصبح ستة أسابيع بما سمي الصيام الأكبر، وفى هذا الصيام يمنع أكل لحوم الحيوان ومنتجاتها كالألبان ومشتقاتها، إلا أن الأمر يعود للكنيسة، فالكنيسة الروسية تمنع أكل اللحوم والسمك، أما الكنيسة الكاثولوكية فى إنجلترا، فرخصت لأتباعها أكل اللحوم والسمك فى أيام الصيام إلا فى أيام معدودة، كالأربعاء والجمعة والخميس المقدس، أما الأقباط الأرثوذوكس فيصومون فى أيام كثيرة، ويمتنعون عن اللحوم والألبان ومشتاقتها. 8 الصوم في الإسلام الصيام كما أوضحنا في المقدة من خلال الآيتين القرآنيتين ركن من أركان الإسلام الخمس و فيها يعترف بأسبقية الصوم لدى الأوليين، ويكون بالامتناع والإمساك عن الطعام والشراب والشهوات والجماع، وارتكاب ما يشين من فعل أو قول، ويبدأ من الفجر وحتى غروب الشمس، ويصوم المسلمون في شهر معلوم حسب التقويم الهجري وهو شهر رمضان، ويبدأ الصيام برؤية هلال الشهر، ويختلف موعده سنويًا حسب التقويم الميلادي.إضافة إلى صيام النفل أو التطوع في غير رمضان، فهو على مدار العام، بدايةً من صيام الست من شوال، وصوم يوم عرفة لغير الحجاج، وصوم يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، وصيام الأيام القمرية “الثلاثة البيضاء” من كل شهر عربي، ويُحرم على المسلمين صيام أيام عيد الفطر والأضحى، كما يحرم صيام أيام التشريق الثلاث، ويكره صيام يوم الشك “يوم رؤية هلال رمضان”، وصيام عرفة للحجيج. و عندنا في رمضان تغير الإدارة مواقيتها، و تبدل الأسواق و المتاجر من بضائعها و تكثر منها، التلفزة أيضا تضع خارطة برامج جديدة، والأهم من هذا أن المواطنين المغاربة يغيرون من طقوسهم وعاداتهم، بعضهم يغير من وقته ليحتل الدين عنده المكانة الأسمى من خلال قراءة القرآن الكريم وصلاة التراويح، وبعضهم يجعل من رمضان فرصة سنوية للراحة ولقضاء الكثير من الوقت بين العائلة والأصدقاء، فيما البعض الآخر لا يعنيه من رمضان سوى كونه مجرد طقس للصوم حتى لو قضى اليوم بطوله في ضيافة سلطان النوم، دون الحديث عمن لا يعنيهم لا رمضان ولا غيره من الشهور الهجرية ما داموا لا يدخلون في دائرة الإسلام. لكن الواقع الاجتماعي يظهر على أن الصوم لدى المغاربة يبقى مجرد وفاء لطقوس اجتماعية منامتناع عن الأكل والشرب و الحاجيات البيولوجية الأخرى أي مجرد جوع لا غير، دون أخذ الحكمة من الصوم و التمعن في أصل تشريعه، و انعكاس ذلك في سلوكه، وهو ما يظهر كذلك في صلاة التراويح الممنوعة هذه السنة بموجب قانون الطوارىء الصحي بسبب جائحة الكورونا التي تتحول عند الكثيرين إلى مجرد طقس مرتبط فقط بفضاء مسجد معين أو بصوت قارئ معين، وفي تلاوة القرآن الكريم التي أصبح التركيز فيها أكثر على عدد الختمات عوض تدبر الآيات و المعاني. كما يهيمن الجانب المادي في شهر الصيام عوض الجانب الروحي، وهو ما يظهر من خلال التركيز على تحضير مائدة الإفطار و ما تحويه من أنواع المشروبات والأطباق و التباهي بها على الصفحات الإجتماعية، وكذلك المتابعة الشديدة للبرامج التلفزيونية، إضافة إلى تسابق الفاعلين الاقتصاديين على تسويق منتوجاتهم في هذا الشهر، و تحقيق المزيد من الأرباح. و هنا أرى ضرورة تقديم بعض الأرقام الدالة على ما أقول التي تجمع على ارتفاع فاتورة استهلاك الأسرة المغربية للمواد الغذائية بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان من كل عام، في ظل العادات الغذائية التي تتسم بزيادة الإنفاق على غرار الكثير من الدول العربية. و في هذا الصدد رصد أحدث تقارير المندوبية السامية للتخطيط في المغرب أن متوسط حجم إنفاق الأسر على الطعام يرتفع بمقدار 28% في رمضان مقارنة ببقية أشهر السنة، وبشكل أكثر تحديدا، تشير بيانات التقرير إلى أن فاتورة استهلاك الأسرة الواحدة تزيد بنحو 462 درهما مغربيا للفرد، و وفقًا لذلك فإن فاتورة الاستهلاك الغذائي للأسرة المغربية في رمضان تقفز من 1651 درهما إلى 2113 درهما. و على مستوى الإسهلاك في المناطق الحضرية والقروية في البلاد، فلا يبدو ان هناك اختلاف كبير، إذ تشير الأرقام إلى أن معدل الاستهلاك داخل المدن يرتفع بمعدل 28.5%، مقابل 24.3% في القرى. وبحسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط فإن منتجات الحليب تعد العنصر الأكثر ارتفاعا في الإستهلاك خلال رمضان بنسبة تصل إلى 62%، في حين ترتفع فاتورة استهلاك اللحوم والدواجن بمقدار 22.9%.. و أمام الدخل الشهري المأزوم يلجأ عدد كبير من المغاربة إلى تغطية ارتفاع فاتورة الطعام من خلال تقليص بعض بنود النفقات الأخرى، مثل نفقات النقل والمواصلات التي تتراجع في المتوسط بنسبة 20%، وكذلك مخصصات نفقات الترفيه والثقافة التي تنخفض بمعدل 24.1%. وتواجه العديد من الأسر المغربية في رمضان هذا العام تراجعا في الدخل بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة في إطار مواجهة تفشي فيروس كورونا19. ويؤدي التهافت على شراء المواد الغذائية الى ندرة بعضها و تدخل المضاربين إلى ارتفاع الأسعار، بالرغم من شعارت المراقبة المبثوثة على شاشات التلفزة. وتلجأ بعض العائلات لقروض الإستهلاك من الأبناك و بعض الوكالات المتخصصة في الإستدانة لمواجهة تزايد المصاريف في شهر رمضان، في المقابل هناك أسر تلجأ إلى الإدخار طيلة السنة لمواجهة نمط الاستهلاك ولتأمين المصاريف المتزايدة، و يعد هذا الشهر بمثابة فرصة بالنسبة إلى الشركات لكسب أقساط من السوق و تكديس المزيد من الأرباح. و لطالما كان صوم رمضان دليل انتماء الفرد الروحي والأخلاقي للجماعة في المجتمعات الذي يربط إسلام الفرد فيه بصوم رمضان أكثر من أية فريضة دينية اخرى، بحيث يمكن لأي فرد في مجتمعنا ان يكون تاركا للصلاة وناكراً للزكاة ورافضاً للحج ولو على مقدرة، وأن يسكر جهارا ويفاخر بزناه، دون ان يلقى استهجانا حادا كالذي يلقاه إذا جاهر بإفطار رمضان. لأن المجتمع المغربي، بإسلامه الشعبي الذي لا يأبه كثيرا بأحكام واجتهادات الفقهاء في جزئيات الدين، ظل مجتمعا له مقدساته الدينية الخاصة التي ينتقيها من ضمن مجموعة مقدسات اسلامية عامة، ويؤكد عليها، ولعل أبرزها الصوم الذي يعتبر دليل بلوغ الذكر المسلم خصوصا ودخوله فئة المكلفين، لهذا غالبا ما كانت الأسرة تحتفل بالصوم الأول للذكر كاحتفالية بطقس من طقوس العبور نحو فئة جديدة تعزز انتماءه للجماعة وترسخ تمسكه بقيمها واخلاقياتها. وكان الخروج عن الجماعة من طرف بعض المارقين وقطاع الطرق غالبا ما يعلن بتصرفات تسفه قيم الجماعة، لعل أبرزها الجهر بإفطار رمضان كإعلان لفك الارتباط بالجماعة وقيمها ومقدساتها، كما أن إفطار رمضان من طرف بعض الشباب الطائش ولو سرًا، وذلك ما يحدث غالبا، قبل ظهور حركة “مالي” و “مصايمينش” يكون مدعاة لاستهجان جماعي وشعور أهل المفطر بالعار، وهو بداية قطيعة بين الجماعة والمفطر، تصل غالبا إلى قطيعة حادة ونبذ للمفطر في حالة اصراراه على تسفيه مقدسات الجماعة بشكل علني، الشيء الذي يؤكده الرفض الجماعي الشعبي للإفطار العلني. لهذا يتحول الصوم من مجرد فريضة دينية إلى كونه طقس اجتماعي ذو دلالات رمزية عميقة مرتبطة بالهوية وبالانتماء، رغم أن سطوة الكثير من الطقوس الاجتماعية على النفوس، قد بدأت تخف وتتلاشيء تدريجيا نتجية التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع خلال العشريات الأخيرة، خاصة في المدن وضواحيها حيث نشهد تفتيت مستمتر للأسرة الممتدة التي تعتبر حاملة لقيم ومعاني تلك الطقوس وحارسة لها. لكن مع ذلك يبقى الصوم في المغرب و باقي المجتمعات العربية الإسلامية عموما هو القيمة الإسلامية الأعلى شأنا، واكثر ما يتمسك به الفرد والجماعة من قيم الدين الإسلامي، على عكس المجتمعات الشرقية الأسيوية في دياناتها التي تقدم الصلاة على الصوم. و كل حجر و أنتم صائمون