وقفت مصادفة على رسالة مبثوثة على الشبكة العنكبوتية موجهة من السيد أحمد بن الصديق إلى جلالة الملك محمد السادس يعلن فيها أنه يخلع بيعته للملك وينبذ كل عقد يربطه به، ويعلل ذلك بكون الملك لم يف له بحقه فهو بذلك لم يعد ملزماً بالوفاء بحق البيعة للملك. ونحن لا نناقش السيد بن الصديق في شكواه ولا في تظلمه فذلك شأن يعنيه. ولكننا نناقشه ولا نرضى له بحكم الأخوة الإسلامية موقفه من البيعة، إذ من المعلوم من الدين بالضرورة أن بيعة الإمام تكليف شرعي لا مجال فيه لإرادة الإنسان المسلم واختياره لأن طاعة الإمام من طاعة النبي (صلى الله عليم وسلم) ومعصيته من معصية النبي (صلى الله عليم وسلم) مصداقاً لقول النبي (صلى الله عليم وسلم): "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني" (رواه البخاري ومسلم)، ولا يشترط في هذه الطاعة أن يكون الإمام عادلا أو صالحاً أو فاضلا، فطاعة الإمام تهدف إلى حفظ البلاد وحماية الأمة من الشقاق والتفرق وليست مشروطة بتحقيق المصلحة الشخصية للفرد وتمكينه من مطالبه وهو ما حذر منه النبي (صلى الله عليم وسلم) بالذات في أحاديث عديدة. من ذلك قوله (صلى الله عليم وسلم): "عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك" (رواه مسلم). وقوله (صلى الله عليم وسلم): "ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة" (رواه مسلم). وقوله (صلى الله عليم وسلم): "من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية" (رواه البخاري ومسلم). وقوله (صلى الله عليم وسلم): "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له وإن لم يعطه لم يف له" (رواه البخاري ومسلم والترمذي). وسأل رجل النبي (صلى الله عليم وسلم): " فقال: "أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم قال (صلى الله عليم وسلم): "اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم" (رواه مسلم). فهذه الأحاديث أيها الأخ الكريم كأنها تعنيك وتنطق عليك وهو ما دعاني إلى إجابتك على رسالتك شفقة عليك وعلى هذه البلاد، فلا أريد لك بحكم الأخوة الإسلامية أن تحرق دينك بدنياك وتفسد حياتك الأخرى كما فسدت حياتك الدنيا على رأيك فتخسر الخسارة الكبرى خسارة الدنيا وخسارة الآخرة وهو ما لا يرضاه أحد لأخيه. كما لا نريد لموقفك هذا أن يكون سنة سيئة في البلاد يأخذ بها المغرضون والخارجون على الأمة، وفي الحديث: "من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". فكفانا من الفتن وكفانا من الشغب والفوضى ولا حاجة بنا إلى مزيد من الغوغائية الهمجية التي لا هي شرعية ولا حضارية ولا ديموقراطية.