"راه خاص كل المغاربة إوجدو نفوسهم ف هداك المعهد". لقد كان هذا هو آخر ما نطق به السيد محمد الخليفة مرافعاً ضد الأمازيغية، وموجهاً خطابه التحقيري إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. ففي إطار الحوار الذي نشطه مصطفى العلوي بالقناة الأولى، 15 يونيو 2011، حاول السيد الخليفة أن يستهين ويسفه كل ما قام به المعهد، وينفي عن اللغة الأمازيغية وحدتها اللسانية العميقة، ويهاجم الذين كانوا السبب في تبني حرف تيفيناغ الذي اعتبره، عن جهل، ذا أصول فينيقية. وإذا كانت الأفكار التي أدلى بها السيد الخليفة، متحاملاً ومتهماً ومصفياً الحسابات، لا تستحق الالتفات إليها لكونها أفكار شخص لا يعلم عن موضوعه إلا ما يعرفه تلامذة الابتدائي في الستينيات عن أصل الأمازيغ، فإن الذي تجدر الإشارة إليه هو أن التهديد المبطن الذي وجهه إلى مؤسسة المعهد، ومن خلالها إلى الهوية الأمازيغية، تجعلنا نأخذه على محمل الجد، خاصة وأنه جاء في سياق الإعداد لمسودة الدستور والاستعداد لنشرها على العموم. وللعلم فقط فإنه في الوقت الذي كان فيه السيد الخليفة يوجه تهديده، ويرافع ضد الأمازيغية، كانت الكولسة الاستقلالية ومعها كولسة حزب الإسلاميين برئاسة عبد الإله بنكيران، تشتغل في الخفاء من أجل التراجع عما دبجته لجنة المنوني فيما يتعلق بالأمازيغية؛ كما أنه في الوقت الذي كانت فيه بعض الأحزاب الميكروسكوبية، وبعض المثقفين العروبيين الإقصائيين، يدبجون بدورهم البيانات ويلتمسون من أعلى سلطة في البلاد أن تتدخل كي تقصي الأمازيغية نهائياً وأبدياً من مسودة الدستور، كانت الآلة الحزبية العروبية تهيء الرأي العام الوطني الأمازيغي لتقبل الإهانة المليون بعدم ترسيم لغتهم؛ ولكن كَمْ كانت صدمة المكولسين كبيرة عندما تيقنوا أن الوثيقة المعنية تنص بالفعل على كون "اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية". وهنا أصيبوا بدوار أفقدهم عقولهم، فقاموا يزبدون ويرغون ويصرخون ويهددون في المهرجانات والتجمعات الخطابية وعلى أثير القنوات والإذاعات ويطلقون التصريحات الصحفية، تارة باتهامهم للجنة المنوني بكونها خرجت عن الثوابت الوطنية والإسلامية، وتارة أخرى بكون العربية أصبحت في خطر، وأن الذين وضعوا الوثيقة إنما يريدون بترسيم اللغة الأمازيغية القضاء على لغة القرآن؛ فدعوا بالثبور وعواقب الأمور، وتنادوا بالمقاطعة، وجيشوا المومنين، وطالبوا الملك بالتدخل، وفرضوا على السيد المعتصم أن يغير مضمون الفصل الخامس؛ وللأسف فقد تم لهم ما أرادوا، إذ فصَلوا بين العربية والأمازيغية بستار من حديد، باطنه الرحمة تختال في أبهائها اللغة التي يحبون، وظاهره العذاب الأليم، تصلى في ناره الأمازيغية جحيم الإقصاء الذي فرضوه عليها منذ أكثر من نصف قرن. هكذا، إذن، وبعد أن كان الدستور ينص على رسمية اللغتين الوطنيتين، جنباً إلى جنب، فرقوا بينهما، وميزوا بين وضعيتيهما بتخريجة ماكرة يلخصها الفصل الخامس كما يلي: " تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها". فنصوا بذلك على إلزام الدولة بحماية العربية وتطويرها وتنمية استعمالها، دونما حاجة إلى أي قانون ينظم ترسيمها؛ في حين سيؤتى بالأمازيغية عارية من كل حماية أو تطوير أو تنمية. ولكأني بالمكولسين، وهم يحثون السيد المعتصم على إضافة كلمة "تظل"، أرادوا أن ينسخوا الأمازيغية نسخاً، ويمكنوا للعربية وحدها في سجل الترسيم، مع التأكيد على ديمومتها الأبدية ماضياً وحالياً ومستقبلاً؛ ولذلك رأيناهم (وهذه ليست صدفة) يربطون اللغة العربية بفعل "ظل" الذي يلعب، حسب النحاة، دور الناسخ لما بعده، ويؤكد على فعل الديمومة التي هي من خصائص الآلهة؛ وأما الأمازيغية التي جاءوا بها في المرتبة الثانية، فهي، حتى وإن كانت رسمية، إلا أنها قُدمت بوصفها الأدنى، وجُردت من رسميتها بفعل النسخ الذي تعرضت له من قِبَل "ظل" وما سوف يأتي بعد "ظل"؛ مما جعل منها لغة رسمية موقوفة التنفيذ إلى إشعار آخر؛ وإمعاناً في التمييز بينها وبين أختها العربية، فإن هذه الأخيرة جاءت مُعرّفة، ومبنية للمعلوم، وفي أول السطر، بل ومعززة بترسانة من التعابير الملزمة لحمايتها. في الوقت الذي جاءت فيه الأمازيغية غير معرَّفة، ومبنية للمجهول، وبأسلوب غير دستوري، بل ويوحي بنوع من التنقيص والاحتقار باستعمال مفردة: "تُعد" الموصوفة من طرف النحاة بكونها من جنس المفردات الدالة على الافتراض وليس اليقين، وكذا باستعمال مفردة "أيضاً" الدالة على الزيادة غير المطلوبة وغير المرغوب فيها، بله والتي يتفق معناها في اللغة العربية المعاصرة بمعنى مفردة "حتى" التي تُستعمل للحط من الشيء المحتقر عند النحاة، وذلك كقولهم:"أتى الرجال حتى العميان"؛ فالأسماء التي تأتي بعد "حتى" تكون دائما في مرتبة الأدنى، وكقولهم أيضاً "جاء الرجال، وجاء الأطفال أيضاً". وبهذا فإن الصيغة المبنية للمجهول: " تُعد الأمازيغية أيضاً لغة رسمية للدولة" تعبر، بالفعل، عن لاشعور سلبي يبنينه موقف مجحف ومحتقِرٌ وحاط من هذه اللغة، بله ويقذف بها في المجهول وفي شرع من هو في حكم المنسوخ؛ ولقد كان على المُكَوْلِسين أن يتوقفوا عند هذا الحد، لكنهم للأسف، أرادوا أن يترجموا هذا التنقيص إلى واقع دستوري لا يرتفع من خلال بناء تراتبية واضحة المعالم بين اللغتين الوطنيتين؛ إذ لم يكفهم الفصل بينهما، فشرّعوا لدونيتها من خلال وضعهم لمتاريس دستورية في طريق ترسيمها، ومن خلال إحالتهم على مقتضيات القانون التنظيمي الذي سيصدرونه هم بأنفسهم؛ فأثبتوا ما لم يثبتوا للغة العربية من حواجز عالية صعبة التجاوز أولاها إمكانية استصدار هذا القانون نفسه؛ وثانيها تحديد تفعيل الطابع الرسمي لها؛ وثالثها تحديد كيفيات إدماجها في مجال التعليم، ورابعها تحديد الأولويات التي سوف يتم التنصيص عليها؛ وخامسها تحديد المستقبل الذي سوف تُرسم فيه؛ هكذا، إذن، ستجد الأمازيغية نفسها أمام سلسلة من التسويفات التي لن يتم الانتهاء من إحداها حتى تبدأ سلسلة أخرى؛ وربما لن تنتهي إلا بعد أن تكون هذه اللغة قد شبعت موتاً، وهي الغاية التي يضمرون. وإذا علمنا أن الذين سيقومون بإصدار هذا القانون، وبتفعيل الترسيم، وتحديد كيفيات الإدماج، وأولوياته، هم بالضبط أولئك الذي سارعوا ينددون ويدْعون بعظائم الأمور لمّا خرجت لجنة المنوني بالنص الدستوري المشار إليه، فسنتأكد من نوع الترسيم الذي سيكون، ومن نمط المستقبل الذي سيتحقق فيه هذا الترسيم. فهؤلاء الذين سيضعون القوانين في البرلمان، وسينفذون سياسة الحكومة (حكومتهم) بعد أن تتوسع سلطاتها، والذين سيتحكمون أيضاً في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وكذا في مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هم من سيهيئون اللغة الأمازيغية، وهم من سيضع الاستراتيجيات الكفيلة بتثبيت قيم التعدد اللغوي بالمغرب؛ ولقد كشف السيد عبد الإله بنكيران عن هذه الاستراتيجية في جريدة المساء عندما قال: " هناك قانون تنظيمي سوف يأتي مشروعه إلى البرلمان وسوف نناقشه للجواب على عدد من الأسئلة، عن ماهية الأمازيغية التي نتحدث عنها؟ وبأي حرف سوف تُكتب؟ وفي أي مجال سنعتبر تنزيلها شيئاً إيجابياً؟ وقتها سيكون لنا رأي في الموضوع" (أنظر جريدة المساء، الإثنين 27 يونيو 2011، العدد 1481). وبمعنى آخر فإن كل ما قام به المعهد الملكي إلى حدود اليوم ستذروه الرياح؛ إذ سيجد بنكيران وحلفاؤه، من حزب الاستقلال ومن الأحزاب العروبية الأخرى، الأبواب مشرعة ليعيدوا النظر في الحرف الذي تبناه المعهد ووافق عليه الملك، وفي موضوع المعيرة الذي أنتج فيه باحثو المعهد العشرات من المراجع المتخصصة، ويعيدوا النظر في سياسة تنزيل هذه الأمازيغية، فيشرعنوا للهجنتها وبلقنتها تحت شعار الحفاظ على الخصوصيات القبلية، ويقصروها على بعض المناطق، ويتراجعوا عن وطنيتها بوصفها لغة لجميع المغاربة بدون استثناء. هو ذا المشروع الذي بدأوا يبشرون به بعد أن تأكدوا أن أمر الهوية المغربية سيؤول إليهم، وسيعيثون فيه ذبحاً وتدميراً؛ ويتلاقى هذا الموقف، بطبيعة الحال، مع نفس المواقف التي عبر عنها عدد من مثقفينا وسياسيينا وحقوقيينا، وعلى رأسهم عبد القادر الفاسي الفهري ومصطفى الخلفي والأوراغي وموسى الشامي وعبد الرحمان بنعمرو وعبد الصمد بلكبير وعباس الفاسي الذي صرح يوماً أنه سيكافح كي لا تترسم الأمازيغية إلخ إلى جانب، طبعاً، السيد امحمد الخليفة الذي رفض بشكل صارم أن تنفتح الأمازيغية على فروعها داخل الوطن وخارجه، والذي اعتبر تبني حرف تيفيناغ تبنياً لحرف فينيقي استعماري؛ هكذا، إذن، ستتبدى لنا الصورة واضحة لما سيكون عليه الأمر بعد الاستفتاء وبعد تبني الدستور الجديد؛ إنهم يحضرون لسياسة التلهيج والتشتيت، في مقابل سياسة التوحيد التي ستعبر عنها اللغة العربية، هاته اللغة التي يحق لها وحدها، في نظرهم، أن تنحت وتستعير كلماتها من دمشق والرياض والقاهرة وبيروت بل وحتى من اللغات الأجنبية لكي تكون في مستوى رسميتها ومواكبتها للمستجدات الحديثة. وأما الأمازيغية فما عليها إلا أن تعود إلى قبائلها ومداشرها النائية وتمعن في المحافظة على خصوصياتها المحلية الأكثر إيغالاً في الانغلاق دون أن تتجرأ على الاستعارة ولا على النحت لتطوير كفاياتها الأسلوبية والتعبيرية وجعلها قادرة لتضطلع بوظائف اللغات الرسمية. لأن أمرها محسوم لديهم: عليها أن تبقى خارج كل استراتيجية للتنمية؛ عليها أن تموت في أقرب تاريخ تماماً كما قتلوا الكثير من تنويعاتها منذ أن وُلّوا أمر هذا الوطن. وتالله إن الأمر ليتجاوز احتقار وقتل لغة وثقافة إلى تعميق جرح غائر يمتد عميقاً في كبد الكرامة الأمازيغية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أضيف إلى هذا أن مسودة الدستور التي تنص في الفصل الخامس على إحداث "مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات" نجدها تتحدث عن أن المهمة المنوطة به هو "حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية". ومرة أخرى فإن الذي سيحدد القانون التنظيمي للمجلس وصلاحياته وتركيبته وكيفيات سيره، هم نفس النخب الحزبية التي باشرت سياسة اغتيال الأمازيغية منذ 1956، وهي نفس النخب التي هرولت إلى السيد المعتصم لكي يحذف قرار الترسيم. والخطير في هذا لا يكمن فقط في الجهة التي ستحدد هذا القانون، ولكن أيضاً في كون النص الدستوري يتحدث هنا عن "اللغات العربية والأمازيغية"، وليس عن اللغتين الوطنيتين؛ فما المقصود هنا باللغات بالجمع؟ لماذا لم يتم استعمال تعبير "تنمية اللغتين العربية والأمازيغية"؟ (بالمثنى)؛ هل نحن حقاً أمام لغات أمازيغية وعربية، وليس أمام لغتين فقط؟ ثم ما موقع اللهجات التي وردت في الفقرة الثالثة من الفصل الخامس؟ هل لهذا الخلط بين مفهوم اللغة ومفهوم اللهجة علاقة بما يُحضر للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي قد يتحول من مؤسسة تقعد وتمعير للغة الأمازيغية إلى مؤسسة تقعد وتمعير للغات الأمازيغية، أو بصحيح العبارة، للهجاتها؟ وهل يتعلق الأمر هنا أيضاً بإعادة النظر في اللغات العربية مع تنامي دعوات اعتماد الدارجة، أم أن المقصود، وهو ما تؤكده جميع المؤشرات، هو اللغة الأمازيغية التي لم تتمكن النخب العروبية الإقصائية من هضم كونها لغة كباقي اللغات، وتريد لذلك التمادي في تشتيتها وبلقنتها في أفق القضاء عليها نهائياً؟ إن مبادرة إنشاء مجلس يُعنى باللغتين العربية والأمازيغية وبالثقافة المغربية، لا يمكن إلا أن نصفق له؛ فهي مبادرة محمودة، قد تقدم لنا حلولاً علمية وسياسية وقانونية لوضعنا اللغوي والثقافي؛ وإذا كان المعهد قد سطر له سياسة واضحة المعالم، واشتغل عليها لأكثر من 10 سنوات، وتمخض عن ذلك العديد من الإنتاجات الأكاديمية المهمة، فإن الطبيعة القانونية لهذه المؤسسة التي تم إنشاؤها استناداً إلى المادة 19 من الدستور الحالي، كانت تمكنها من الاشتغال بكل حرية، مما مكنها من تسطير سياسة لسانية تستجيب أولاً لمطالب الحركة الثقافية الأمازيغية، وتستجيب ثانياً لرهانات تنميتها في مختلف المجالات المعرفية وعلى رأسها المعيرة وتنميط حرف تيفيناغ. إذ لكونها مؤسسة ملكية، فإن النخب الحزبية لم تستطع النفوذ أبداً إلى مجلس إدارتها لتغيير سياستها كي تتماشى بما يبشروننا به اليوم؛ صحيح أن هذه النخب المعادية للأمازيغية اشتغلت بجد عبر كل ما تمتلكه من نفوذ داخل القطاعات الوزارية من أجل إفشال كل المشاريع التي تقدم بها المعهد في مجالات التعليم والإعلام والإدارة، إلا أنها مع ذلك لم تكن لها تلك السلطة التي ستصبح لها اليوم لكي تتحكم كلية في سياسة المعهد. فهل فهمنا جيدا التهديد الذي وجهه السيد امحمد الخليفة إلى هذه المؤسسة عندما قال: "راه خاص كل المغاربة إوجدو نفوسهم ف هداك المعهد". إن كل المغاربة لا يمكن لهم، بطبيعة الحال، أن يكونوا في هذا المعهد، ولكن الأكيد هو أن غالبية الذين سيتشكل منهم المجلس الوطني للغات، والذين سيدبرون سياسة المجلس، ومن خلاله سياسة المعهد وباقي المؤسسات الأخرى (معهد التعريب، مؤسسة محمد السادس للغة العربية، المعهد الإفريقي إلخ) سيكونون من تلك الأحزاب والتيارات التي لا يتسع قلبها للأمازيغية. ونخلص من كل هذا إلى أن ما دفع ويدفع النخب العروبية لإعلان الحرب على الأمازيغية بتصريحاتهم ومواقفهم هو إحساسهم بما ستقدمه له مسودة الدستور من إمكانيات جمة في سبيل عرقلة ترسيم اللغة الأمازيغية ترسيماً كريماً وشريفاً وغير قابل للنقض. فهذه المسودة تقدم لهم إمكانيات: 1- الهيمنة على المؤسسة التشريعية التي أصبحت تفتح أبواباً مشرعة للتشريع ووضع القوانين؛ وهذا يعني أنه بغض النظر عن تسريع وتيرة وضع القانون التنظيمي للغة الأمازيغية من عدمه (خلال الولاية التشريعية)، فإن هناك مليون إمكانية لكي يخرج هذا القانون أعرجاً (تأملوا جيداً الفقرة التي تقدمه في الفصل الخامس)؛ 2- الهيمنة على المؤسسة التنفيذية (الحكومة)؛ فهم الذين سينفذون تشريعات البرلمان، وهم الذين سيحددون آجالها، وميزانياتها، وهم الذين سيضعون خطط إدراجها؛ وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحكومة أصبحت لها سلطات واسعة، وأن الملك لا يمكن له أن يتدخل إلا في حدود ما أوضحه الدستور، فالأكيد أن تفاصيل التنفيذ، إلى جانب تفاصيل التشريع، ستجعل اللغة الأمازيغية وثقافتها في كف عفريت. 3- الهيمنة على المجلس الوطني للغات؛ إذ في جميع الأحوال لا يمكن للمعهد الملكي إلا أن يشكل أقلية داخل هذا المجلس؛ وهو ما يعني أن السياسة التي ستُفرض ستكون هي السياسة التي تلمسنا بعضاً من تفاصيلها فيما سبق، فهي سياسة رئيس الحكومة، وهي سياسة البرلمان اللتان سيترجمها المجلس إلى واقع حي. وأمام هذا المعطيات، فإنه لابد من إعادة النظر في الكثير من استراتيجياتنا التي دأبنا على اتباعها منذ 2003؛ علينا جميعاً، جمعيات ثقافية وفاعلين ثقافيين وسياسيين وحقوقيين، وكل القوى الديموقراطية المومنة بقيم المساواة أن تتجند لكي يصبح الرقم الأمازيغي فعالاً ومؤثراً وقادراً على تغيير الخريطة السياسية والانتخابية المغربية؛ وهذا ليس بالانضمام إلى الأحزاب وتغييرها من الداخل كما قد يتبادر إلى الذهن، ولكن من خلال الالتزام بالضرورات التنالية: 1. ضرورة الخروج من نفق المشاحنات الفئوية التي لا تعمل إلا على تعميق الجراح بين من يحمل نفس الهم ونفس المطالب الهوياتية واللغوية والثقافية؛ 2. ضرورة تحديد خصومنا الحقيقيين، وحلفائنا الحقيقيين، الآنيين منهم والاستراتيجيين؛ 3. ضرورة العمل من أجل بناء أطر قوية ضاغطة، لها القدرة على التأثير في مجريات السياسة العامة في البلاد، وتغليب، أثناء الانتخابات، كفة الأحزاب الديموقراطية المومنة بقضايانا الثقافية واللغوية على كفة الأحزاب اللاديموقراطية التي تنهل من معين التمييز والإقصاء والعنصرية؛ 4. ضرورة إظهار القوة الكبيرة، العددية والفكرية، التي يتمتع بها الأمازيغ، والتي ما تزال إلى اليوم مشتتة، والعمل على استثمارها الإيجابي والضغط بها من أجل التحكم في قضايا التشريع بالبرلمان وكذا في قضايا التنفيذ التي تضطلع بها الحكومة؛ وهو أمر لن يتحقق إذا لم يعمل المناضلون على خلق تحالفاتهم السياسية مع الأحزاب والجهات المساندة لمطالبنا المشروعة؛ 5. ضرورة التأثير على شبيبات الأحزاب المناوئة لمطالبنا العادلة؛ فمن المعلوم أن أغلب شبيبات هذه الأحزاب أمازيغية ولديها تفتح كبير على قضايا العصر، وأغلبها لها تعاطف واضح بقضايانا؛ ولذلك وجب التمميز بينها وبين الشيوخ الذين ورثوا فكراً هرما استئصالياً وغير قابل للإصلاح؛ فالأكيد أن إقناعهم بعدالة مطالبنا سيشكل منطلقاً لتغيير الكثير من العقليات المتحجرة التي ما تزال تتحكم فيهم ويريدون هم التخلص منها؛ 6. العمل على تبني استراتيجية واضحة المعالم من أجل استباق الأحداث سواء عندما يتعلق الأمر بمباشرة التشريع أو عند تنفيذ سياسة حكومية نرى فيه مساً بانتمائنا وبحظوظ لغتنا في التطور والازدهار؛ ويتطلب هذا، بطبيعة الحال، خلق قطب قادر على الاقتراح سواء في مجال التشريع أو في مجالات التدبير الثقافي واللساني أو في مجال التنظير الفلسفي للحق في الاختلاف. 7. ضرورة استغلال كل الإمكانيات التي يقدمها الدستور المرتقب لتوطيد ترسيم اللغة الأمازيغية بما فيه تقديم المقترحات التشريعية والطعن في القوانين الصادرة عن البرلمان لدى المحكمة الدستورية أو لدى السلطة القضائية. إذا كان الكثير من مناوئينا يريدون أن ينومونا في عسل الترسيم الموقوف التنفيذ، والذي تدخلت للعبث به أياد آثمة في آخر لحظة، معتقدين أنهم بفعلهم هذا سيحيدون مطالبنا، وسيجعلوننا نستكين إلى واقع ستموت فيه اللغة الأمازيغية بعد حين، فإننا سنجيبهم: "لا، إننا لن نستكين، ولن تخدرونا، مرة أخرى، بأساطيركم وأكاذيبكم،... نعم، سنموت، لكن ستحيى الأمازيغية". ها حنا جايين أداك الحزب... ها حنا جايين أداك الدستور.